سميراميس (7)

41 5 0
                                    

هانحن مرة أخرى في بابل.. ولكن بعيدًا عن القصور الملكية.. في ضواحي

المدينة التي لم تكن مبانيها العادية أقل جمالًا من قصورها.. كان هناك رجل

بملابس تبدو ملكية يمتطي صهوة جواد أصيل ويحيط به الكثير من الرجال ذوو

الملابس المتشابهة والجياد المتشابهة.. كان هذا هو "أونس" مستشار الملك..

وقد أتى للمدينة بفوجٍ ملكي حتى يُبلغ أهلها بأوامر الملك التي لا تنتهي.. كان

الاهالي محتشدين أمامه في قلقٍ وملل.. وكان "سيما" ناظر خيول الملك واحدًا

من المحيطين بالمستشار "أونس.
ومن بين جنبات صمت الأهالي ومللهم شق الهواء صوت جواد آتٍ من بعيدٍ

بسرعة مجنونة.. التفتت إليه رؤوس كل الأهالي في دهشة وتبعتهم رؤوس

الوفد الملكي في غضب.. وتحولت كل دهشة إلى إعجاب وكل غضب إلى

دهشة.. لقد شقَّ جمود المشهد جواد أسود قوي يمتطيه ما بدا في الأفق وكأنه

فارس مغوار.. وليس هذا ما غيَّر تعابير القوم بهذا الشكل.. لقد تغيرت

تعابيرهم لأن القادم لم يكن فارسًا.. بل كانت "سميراميس".

- هل فاتني الشيء الكثير؟

قالتها بمرح وثقة لا يجتمعان إلا لديها.. دعك من الصمت الذي قابل عبارتها..

دعك من نظرات الأهالي إلى بعضهم والتي تحمل معانى أشبه بـ - انظروا إلى

هذا الفرس الذي يمتطي فرسا - .. دعك من كل هذا وانظر إلى الفوج الملكي..

وتحديدًا إلى "أونس" الذي سقط منه لباس الصرامة الذي كان يضعه على

وجهه.. سقط إلى أسفل قدمي جواده.. وسرحت عيناه في عالم لم يرَه من قبل..

تاهت عيناه في زحام من الجمال والرقة والأنوثة و...
- كيف تركضين بالفرس بهذا الجنون في ضواحي المدينة يا
"سميراميس"؟ وكيف تتخلفين عن حشد الملك؟

- لقد أمرتني أن أحاول ترويض الحصان "ليجيش" يا أبي.. وهاهو أمامك
كالمهر.

قالتها بنظرة أنثوية إلى المستشار "أونس" الذي كانت هذه النظرة كافية

لتقضي على كل ما تبقى من رزانته. . فقال بصوت خافت للحشد :

- فلينصرف كل منكم إلى متاعه.
تحرك الحشد مستديرين مهمهمين واستدارت "سميراميس" بجوادها لكن
صوت "سيما" الهادر أوقفها قائلًا:

- "شميرام" تعالي إلى هنا وقبلي يد المستشار واعتذري له.. فقد أفسد
قدومك حديثه.

نزلت "سميراميس" من على صهوة جوادها كفارسة حقيقية.. وتوجهت ناحية

"أونس" ناظرة إليه تلك النظرة الأنثوية إياها.. والتي زلزلته هذه المرة فبدا وكأنه

هو الذي أخطأ ويريد الاعتذار على شيء ما.. مدت "سميراميس" يدها الجميلة

إليه ببطء حتى أمسكت بيده ببطء.. لكن يده جذبت يدها فجأة إليه ليُقبل هو

يدها ويقول في خفوتٍ. .
- - سيدة شميرام".. أن تقبلي أن تكوني لي زوجة هو الطريق الوحيد
الذي سيجعل قلبي يسامحك على ما فعلته به.
نظرت "سميراميس" إلى "سيما" الذي كان ينظر لها نظرة أبوية مبتسمة

مشجعة.. ثم نظرت إلى "أونس".. رجل قوي ذو منصب هو الأعلى في الدولة..

تنحى قلبها جانبا وتحدث عقلها بالموافقة.. وأصبحت "شميرام" في الليلة التالية
زوجة "أونس".. المستشار الأعلى للملك "كوش" العظيم.. ملك المملكة البابلية
كلها.
* * *

¦¦ النمرود ¦¦حيث تعيش القصص. اكتشف الآن