( النهايه )

33 5 2
                                    

أما النمرود فقد كانت حالته شديدة البؤس.. البعوضة التي دخلت في منخره باتت

في مخه.. وكانت كلما تحركت يجن جنونه ولا ينقذه إلا أن يضربه جنوده بالنعال

على رأسه ووجهه.. وكانت "سميراميس" تنظر إليه وعيناها تدمعان باكية من

قلة حيلتها.. كانت تود لو تفديه بنفسها.. وتولت مهمة إطعام الثعبانين اللذين

على منكبيه في كل يوم حتى لا يجهزا عليه.. أي شيء هذا الذي وضع النمرود

نفسه فيه؛ ثعبانان وبعوضة متوحشة.. كان متمردًا على قوى لا قِبَل له بها.. ولا


قبل لأي أحدٍ بها.. لكنه عنيد ومتمرد.

وصلت جيوش "كاوي".. وبدأت تحاصر برج بابل.. وجيش النمرود الباقي استبسل

في الدفاع عن البرج.. استمر الحصار أربعين يومًا كاملة.. ولم يدرِ أحدٌ ما الذي

يحدث داخل البرج.. كانت عينا النمرود حمراوين ووجهه أحمر من الضرب

بالنعال.. وفجأة انكسرت بوابات برج بابل.. ودخل "كاوي" الحداد ووراءه جيشه..

لم يكن شيء ليقف في طريق "كاوي" الحداد في سعيه.. كان يريد الأنتقام لما

فعله النمرود في ولديه.. ويبدو أنه قد تم له ما أراد.
***
جبل دنباوند.. في ظلمة من الليل كالحة.. كان "كاوي" الحداد يدق أوتادًا حديدية

في الجبل.. والنمرود ملقى على الأرض مقيدًا بقربه.. وصوت فحيح الحيّتين على

منكبيه يصم الآذان.. نظر إليه "كاوي" وقال ساخرًا:

- لم تخبرني أن لديك حيتين على منكبيك يا "زاهاك".. ربما كنت


سأعذرك.

لم يرد "زاهاك" بأي كلمة.. وإنما كان يصرخ من وراء كمامة وضعها "كاوي"

على فمه.. يصرخ من ألم تحرُّك البعوضة بداخل رأسه.. ولم يمضِ وقتٌ طويل

حتى أنهى "كاوي" عمله الذي كان يعمله في الجبل.. والتفت إلى النمرود..

وحمله وبدأ يربط حبالًا سميكة في ساعديْ النمرود وقدميه.. ثم بدأ يربط كال

منها في وتدٍ من الأوتاد الأربعة التي ثبتها على الجبل.. حتى صار النمرود معلّقًا

في جبل دنباوند من يديه ورجليه.. والثعبنان السوداوان على منكبيه يتلويان حول

رأسه شاعران بالجوع.

فكَّ "كاوي" الحداد كمامة النمرود وقال له :

- بلغ تحياتي إلى صاحب تلك الثعابين.. فهما من سيحظى بشرف رأسك


اليوم ولست أنا.

ارتفعت صرخات النمرود بينما يرفع رأسه إلى السماء وكأنه ينادي على شيء أو

يحدِّث أحدًا ما.. أما "كاوي" فقد كان قد جمع عدته ورحل.. وبقى النمرود وحده

يصرخ.. وعلى سفح الجبل.. كان هناك جمعٌ قد اجتمعوا ينظرون إلى النمرود في

صمتٍ مهيبٍ.. جمع من الأطفال ذوي الشعور الطويلة والنظرات الجامدة.. ولم

يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى تحرك الحيتان والتفا حول رقبته ثم انقضا على رأسه

ينهشان فيها نهشًا متوحشًا دمويًّا.. وظلا ينهشانها وينهشانها حتى خرجت

منها بعوضة طارت بعيدًا إلى حيث ما جاءت.. وطوى التاريخ آخر صفحة في حياة

رجل تجبَّر في الأرض حتى فاق كل حد.. وكانت نهايته على مستوى تجبُّره...

صفحة الملك النمرود.
(تَـمَـت)

¦¦ النمرود ¦¦حيث تعيش القصص. اكتشف الآن