اللقاء الاول بين انس و جن (11)

27 4 0
                                    

وهنا دبَّ شيء من الرعب في قلب
"زاهاك".. فالكيان الجالس أمامه لم يكن إنسياً.. وإن كانت له الهيئة التشريحية

لإنس.. لم يتبين وجهه جيدًا لأن الظلام كان يخفيه.. ليست هذه يد بشر.. وليست

هذه أصابع بشر.. ولا أظافر بشر.. وما هذه الأكتاف بأكتاف بشر.. ما هذا الشيء

بالضبط؟ هل هو الرب على عرشه؟ لم يستطع بعقليته البابلية القديمة أن يستنتج

أنه يقف على بُعد خطوة أو خطوتين من الشيطان.. "لوسيفر".. لم يكن يدرك أنه
يقف أمام "إبليس".
* * *
بدأت الأمور تتضح ببطء؛ الوجه الذي كان يلفه الظلام اقترب من مجال الرؤية
وبدأت تسقط عليه ظلال المشاعل المتراقصة.. تحفزت خاليا "زاهاك".. ثم تحول
هذا التحفز إلى الدهشة.. فذلك الكيان الذي يفترض أنه "لوسيفر" كان يملك
شعرًا طويلًا جدًّا يمس الأرض.. وهذا الشعر ينسدل على وجهه غزيرًا يخفي
ملامحه تمامًا؛ حتى لا تدري هل أنت أمامه أم خلفه.. قال "لوسيفر" بصوت هادر
كالصخر:
- لقد اخترتك يا "زاهاك" من بين رجال الأرض كلها.. فبرغم أنك
تستمرىء حياة الدعة إلا أن لديك قلبًا ميتًا لا يخاف.. قلب شجاع.. وروح
متمردة.
أجفل "زاهاك" قليلًا وشعر بعرق يُندي جبينه من هول الكيان الجالس أمامه ثم
قال بصوتٍ خافت :
- اخترتني من أجل ماذا؟
أجابه "لوسيفر" بغضبٍ لا يدري "زاهاك" له سببًا إلا أن يكون صوته الهادر يوحي
بالغضب:

- لتملك بني الإنسان.. لتكون أول بشريّ يتعلّم سر الـ "ماجي".. ولكن..
توقف "لوسيفر" للحظات ثم قال:
- يجب أن نضع قلبك الميت هذا طور الأختبار.. فسر الـ "ماجي" العظيم
لو ناله الرجل الخطأ.. فإنه يموت من فوره.
أشعلت كلمة الأختبار في نفس "زاهاك" شيئًا ما فقال:
- ماهو هذا الـ "ماجي" الذي لا تكف عن ترديده.. وماهو هذا الأختبـ..
قاطعه "لوسيفر" فجأة :
- أن تراني ..
لم يفهم "زاهاك" شيئًا؛ فهمَّ بالحديث إلا أن "لوسيفر" قال بصوته الهادر في
لهجة مخيفة:
- أن تراني ولا ترتعد فرائصك.. فإن كشفت لك عن وجهي وطرفت
عينك طرفة خوف واحدة سأقتلك على الفور.. وإن رأيتني ولم تجفل.
. فإن سر الـ "ماجي" من حقك وحدك.. وسيُطوى لك العالم وتخضع
لك نفوس البشر كلهم.
سكت "زاهاك" سكوتًا طويلًا ثم قال :
- فلتكشف عن وجهك إذن يا هذا.
وبسرعة مفاجئة انحسر الشعر عن وجه "لوسيفر" الذي اعتدل في مجلسه مقرِّبًا
وجهه الشيطاني من "زاهاك".. كان "زاهاك" في تلك اللحظة يشاهد أشد وجوه
الأرض بشاعة وإرعابًا.. وجه "إبليس".. زاد العرق على جبينه.. وشعر بأن ذرات
الهواء تهتز من حوله من شدة بشاعة ذلك الوجه.. خفق قلب "زاهاك" خفقة
سقط فيها إلى أسفل سافلين.. لكنه حافظ على ثبات عينيه.. وأخذ يفكر في
أشد الأمور جمالًا وبهجة ليشغل ذهنه عن بشاعة ذلك الكيان.. ولكنه مع مرور
الثواني ازداد الخوف في قلبه من هول ما يرى.. لكنه استعاد رباطة جأشه
بشجاعة عجيبة وقال بصوت حاول أن يخرجه ثابتًا غير متهدّج:

- أي شيء لعين أنت بالضبط؟

تحدث "لوسيفر" فتضاعفت بشاعة وجهه فقال :
- أنا شيطان مريد.
كان ذلك اللقاء هو( أول لقاء بين إنس وجن ) في تاريخ الأرض.. وقد حدث في بابل
في أول حضارة بشرية بعد طوفان "نوح".. أصبح "زاهاك" يتردد على ذلك الغار
في كل ليلة.. وعلمه "لوسيفر" سر الـ "ماجي".. والـ "ماجي" بلغة أهل بابل تعني
السحر.. فكان "زاهاك" هو( أول ساحر مشى على ظهر الأرض ).. أما التاريخ
فلقّبه بلقب اشتهر جدًّا حتى ظنه الناس اسمه الحقيقي. اشتهر "زاهاك" في
التاريخ باسم "(النمرود)"؛ "الملك النمرود".

¦¦ النمرود ¦¦حيث تعيش القصص. اكتشف الآن