أنتقام أبليس (15)

23 3 0
                                    

- سيدي "زاهاك".. وصل الطباخ الجديد للملك بعد أن أمرتنا أن نطرد
الطباخ الأول

- دعه يدخل.

كان "النمرود" يناقش أمرا ما بجدية مع مستشاريه.. حتى شعر بوقع خطوات
هادئة..

رفع رأسه لينظر إلى من سيعرف بعد قليل أنه الطباخ الجديد..
لكن عيناه
اتسعتا بوضوح الحظه كل المستشارين.. فالطباخ الجديد كان شكله يبدو مألوفا
جدا.
. عجوز.. أعرج. شبه معدوم الأسنان.. عبائته سوداء ممزقة.. وابتسامة ساخرة زادت منظره بشاعة.


قال العجوز بصوت كالفحيح الساخر :

- أتيت لأقدم لك يا سيدي عينة مما تستطيع يداي عمله .

وتقدم العجوز مقدما للنمرود طبقا ذهبيا عليه بعض الطعام المطهو..
قال له "النمرود" بصوت واضح القلق :

- لا داعي للعينات ياهذا.. أنت مرفوض

ابتسم العجوز ابتسامة بانت فيها أسنانه المبعثرة ببشاعة وقال :

- إنني أعتذر منك ياسيدي.. ولتسمح لي أن أقبل منكبيك احتراما
وخضوعا لحضرتك

تقدم العجوز من "النمرود" بخطوات خاضعة ذليلة حتى وضع رأسه في الأرض

تحت قدميه.. ثم قام ببطء وقَبَل منكب النمرود الأيمن.. ثم الأيسر.. ثم استأذن
وانصرف إلى حال سبيله.

- لماذا رفضته يا سيدي إن طهوه رائع جدًّا

لم يرد "النمرود" عليه.. كان شاردا.. هل يعني "لوسيفر" بهذه الحركة الاعتذار..

أم أنه يعني شيئا آخر.. قام "النمرود" من مكانه وتوجه إلى غرفته عند زوجته

ومعشوقته "سميراميس" كعادته إذا حزبه أمر.. فدهائها يزن جبل دنباوند ذهباً .. وفور أن دخل "النمرود" إلى غرفته ونظر إلى جمال "سميراميس"


وهي تصفف شعرها الذهبي البني الطويل.. حتى شعر فجأة بألم رهيب في منكبيه يصاحبه انقباض كأن عظامه قد انطبقت على بعضها.. صرخ "النمرود"


وسقط على الأرض.. التفتت إليه "شميرام" وهرعت إليه.. لكنها توقفت مكانها

ناظرة إلى الجنون الذي بدأ يحدث أمام عينيها المتسعتين فمن منكبي "النمرود" العريضين خرج ثعبانان أسودان بشعان.. يلتفان حول عنقه تارة.. ويزحفان على منكبيه تارة.. وينزلان بداخل ملابسه تارة أخرى.. ثعبانان يبدو
أ

نه لا ذيل لهما.. كأنهما برزا فجأة من داخل منكبيه.. وشرع الثعبانين يصدران
فحيحا مفترسا ويفتحان أنيابهما.. ولم يحدث أي رد فعل سواء من "النمرود" أو من "شميرام".. لأن كليهما كان قد سقط مغشيًا عليه.. ولم يبق في الغرفة إلا

فحيح الثعابين.
***
أرسل "لوسيفر" رسالة إلى النمرود كتب فيها:

" أطعم الأفواه الجائعة كل حين.. لأنها لو لم تجد شيئا تأكله فلن تجد إلا رأسك"

ومنذ ذلك الحين والنمرود قد بدأ يتخذ عادة جديدة.. أصبح يأمر زبانيته كل يوم أن يأتوا له برأسين بشريين.. فقد تعلم أن هاتين الحيتين لا تأكلان سوى رؤوس

البشر..

ويفضل أن تكون رؤوسا صغيرة لأطفال.. لأن الحيتين ترفضان أحيانًا رؤوس البالغين..

وبدأ زبانيته ينزلون إلى البلاد في كل يوم ليعودا له برأسين مقطوعين.. ولم يعرف أحد لماذا يصر النمرود على هذا كل يوم.. ولماذا يقتل


كل من يتقاعس في تنفيذ هذا الأمر بالذات.. ولم يدر أحد ماتلك العباءات العجيبة التي صار "النمرود" يرتديها.. ثم ماهذا الذي يتحرك تحت العباءة.. لم يدر أحد..

ولم يجرؤ أحد على السؤال.

حاول النمرود أن يذبح الحيتين.. وكانا كلما ذبحهما نبتا على كتفيه في الحال..

أما "سميراميس" فلم تشعر بشيء سوى بالشفقة على حال زوجها و معشوقها.. وقد أتت له بالأطباء من الأقاليم كلها.. وكلما رآه طبيب عجز عن استئصال

الحيتين.. وكان كلما رآه طبيب وعرف سره قتله.

¦¦ النمرود ¦¦حيث تعيش القصص. اكتشف الآن