في الجانب الآخر من المدينة كان هناك رجل حداد يقال له "كاوي"..
تعرف في
وجهه بأس شديد وقوة.. وتعرف في وجهه حزنا عميقا.. فقد زاره زبانية"النمرود" منذ أيام وقطعا رأس ولديه الصغيرين أمام عينيه.. وأخذا الرأسين
وقدماها للنمرود.. كان "كاوي" الحداد مسلما.. متبعا لدين "إبراهيم".. وقد نزل
بين الناس المقهورين المظلومين المقطوعة رؤوس أولادهم وذويهم.. نزل
بينهم وأشعل نار الثورة في قلوبهم.. وتسللت روح الثورة من قرية إلى قرية..
ومن إقليم إلى إقليم.. حتى جمع "كاوي" الحداد تحت رايته خلق كثير يملؤهم
الغضب على النمرود.وفجأة دخل "كاوي" الحداد إلى برج بابل.. أدخله "النمرود" ظنا منه أنه مجرد حداد
أتى يستعرض ما تقدر يداه أن تصنع..
قال له "كاوي" الحداد بلهجة حازمة لم يعتدها النمرود :- يا ملك بابل وآشور وعظيمهما.. أسلم تسلم.. وأتركك على ملكك
- وهل من إله غيري يا هذا ؟
- الله رب السماوات والأرضين
- أتقول مثلم قول "إبراهيم"؟
- "إبراهيم" نبي الله ونحن بدعوته مؤمنين.. وإنا ندعوك لعبادة الله وحده
لا شريك له.. فإن أبيت قاتلناك
- هل جننتم؟ أنا "زاهاك" عظيم بابل وآشور وملك الأقاليم السبعة..
اجمعوا جموعكم إلى ثالثة أيام وأجمع جموعي.. ولأمسحنكم
وجموعكم عن وجه الأرض حتى لا يتبين لكم أحد أثرا.
وهكذا جمع "كاوي" الحداد جموعه الغاضبة لمدة ثالثة أيام.. وجمع النمرود
جنوده.. ونزل النمرود يقود جنوده بنفسه ونزلت معه زوجته الفارسة
"سميراميس".. وكانت جموع النمرود أضعاف جموع "كاوي" الحداد.. ووقف
الجيشين أمام بعضهما. . كان كاوي وجنوده ينظرون إلى عظمة جيش النمرود
وتسليحه وتنظيمه وتجهيزه.. وينظرون إلى أنفسهم في قلتهم وأسلحتهم
المتواضعة.. نظر النمرود و"سميراميس" إلى جيش "كاوي" الحداد في سخرية..
ثم نظرا إلى بعضهما.. دخل في نفوس جنود النمرود الحماسة لتقطيع ذلك
الجيش الضعيف إربا حتى لا يُبقوا منهم شيء.. لكن عيون جنود الجيشين
توجهت فجأة إلى جهة واحدة ينظرون كلهم إلى شيء ما.. شيء آت من جهة
مشرق الشمس..إن القوة التي بحث عنها النمرود طويلا ولم يجدها قد قررت أن تريه اليوم من
آياتها عجبا.. قوة الله جبار السماوات والأرض وعظيمهما.. ففجأة وبدون سابق
إنذار رأى الجمعين جيشا آخر قادما من جهة المشرق.. جيش آت من السماء..
جيش ستر من كثرته عين الشمس.. جيش من البعوض.في البداية لم يفهم أحد من الجيشين شيئًا.. مابال هذا البعوض يسد عين
الشمس. وخلال لحظات فقط كان جيش البعوض قد اقترب حتى دخل في مجال
الرؤية.. ضيق النمرود عينيه الوسيمتين ناظرًا إلى السماء محاوِلًا أن يفهم ما الذي
يعنيه هذا.. وتحول البعوض من الطيران الأفقي في السماء إلى الانقضاض
الرأسي.. الانقضاض على جيش النمرود الذي اتسعت عيناه وعيون جنوده الذين
ساد في تنظيمهم الهرج والتحركات العشوائية التي يحاول فيها كل فرد
الالتفاف والهرب.. لكن ذلك البعوض لم يكن بعوضًا عاديًّا.. كان نوعًا من
البعوض لم تعرفه الأرض ولا حتى في العصر الجوراسي أيام الديناصورات.. نوع
متوحش.. انقضَّ على أفراد جيش النمرود الصارخين الساقطين من على جيادهم
والهاربين.. حتى لم يدع في أجسادهم لحمة إلا افترسها.. وافترشت أجسادهم
الأرض على بساط من دمائهم.. أما النمرود وزوجته فقد كانا يحثان جيادهما
الراكضة على الهرب بعيدًا عن تلك المهزلة.. نظر النمرود إلى السماء وقال :
- من أنت ياصاحب القوة؟
أين أنت؟
هل أنت شيطان؟كان يركض وزوجته ويتبعهما سرب من البعوض.. لكن كان يبدو أن فرسيهما
سريعان كفاية للهروب من السرب.. إلا أن بعوضة واحدة قد تمكنت من اللحاق
بالنمرود وفعلت شيئًا غريبًا جدًا؛
فما إن لحقت به حتى دخلت في أحد منخريه..ففقد النمرود توازنه صارخًا.. وكاد يقع عن جواده لولا أن أمسكت به
"سميراميس" بحركة بارعة جدًا.. ونقلته من فرسه إلى فرسها.. واستمرت في
الركض بجوادها حتى هربت من سرب البعوض تمامًا ودخلت إلى برج بابل..
وأغقت الأبواب وراءها.
هُزِم النمرود في هذه المعركة هزيمة مروّعة.. فقد فيها جيشه الذي خرجمعه كاملًا.. ولم يبقَ سوى جيش بسيط يحمي برج بابل.. أما جيش "كاوي" فلما
رأوا تلك المعجزة سجدوا جميعًا شكرًا لله .. وأسلم منهم من لم يكن مسلمًا..
ثم رفع "كاوي" الحداد رايته عاليًا وقاد جيشه متوجّهًا ناحية برج بابل.. حيث قصر
النمرود وعرشه .

أنت تقرأ
¦¦ النمرود ¦¦
Ficção Histórica﴿ النمرود ﴾ مستخرجه من كتب و روايات حقيقيه غموض ، رعب ، قصه حقيقيه البريد الإلكتروني للتواصل Historybookstore1@gmail.com Instagram : s_1._x ارجوا الاستمتاع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ