الفصل الثاني: تحت المجهر

14 2 0
                                    


بعض القلوب تضخ مشاعر نابضة، وبعضها تجمدت لتصير كتلا جليدية جافية..

جالسة القرفصاء في علية غارقة في الضياء، تنظر بجفاء لقطة تموء بألم عثرت عليها ما إن اقتحمت هذه العلية الفارغة بحثا عن الضوء.
فقدت القطة نصف جسمها وكأنه قد تحلل بفعل السائل الذي تم نقعها فيه، لكن لا حالها ولا مواءها استعطف تلك المتفرجة أو استمال قلبها المتجمد للمساعدة، بل جعلها تسحب من جيبها قلما وورقة لتدون عليها شيئا ما، وما إن انتهت من تدوين ما بعقلها مدت أصابعها نحو الوعاء البلاستيكي لتلمس ذاك السائل الفوار المغلف ببعض الرغوة على سطحه، لكن قبل أن تتمكن من ذلك سمعت صوت خطوات تقتحم العلية.

التفتت لترى من الذي يقتحم عزلتها، وما إن علمت نهضت من مكانها لتهرب غير آبهة بما وقع منها..

شابة ذات خصلات طويلة بلون الكراميل، وعينان بلوريتان بلون السماء، ملابسها كلاسيكية بسيطة، لكن هالتها مشعة بالرغم من ذلك، مظهر فريد كهذا لا يمكنها نسيانه، لقد كانت قارئة الطالع من قاطع عزلتها، تلك المشعوذة الشريرة التي جعلتها تهرب من الظلمة بعد أن كانت تكاد لا تخرج منها، تلك التي أفسدت عليها أفضل وأسهل طريقة لتحقيق رغبتها بالاختفاء..

ما إن تجاوزتها تقدمت قارئة الطالع لحيث كانت الفتاة تراقب القط، لتلتقط ما وقع منها.

«أحدهم يعمل على صنع محلول اختفاء.. أنا مستعدة لأن أكون فأر تجاربه»
بصوت منخفض قرأت ما دونته الفتاة قبل هروبها، تنهدت ببطئ ثم التفت لتغادر الغرفة.

ما إن نزلت الدرج خاطبها صوت دافئ من المطبخ.
«سأحضر الغداء اليوم على شرف ضيفتنا، فلتبقي معنا»
توقفت عن السير لبرهة تفكر في كلامها وتنظر لها بلمحة من الخيبة، تتساءل إن كان عليها إعلامها بأن تلك الضيفة المتسللة قد هربت دون توديعها، لكنها فضلت الاحتفاظ بهذا لنفسها وغادرت بصمت.

خرجت من ذاك المنزل إلى الحديقة لتجد رجلا في منتصف ستيناته يتجه نحو المنزل، استوقفها قبل مغادرتها سائلا بهدوء مزيف:
«ما الذي جاء بها لهذا المكان؟ كيف وصلت إليه؟!»
«سأتولى أمرها»
كانت تلك إجابتها الوحيدة على كلامها قبل أن تغادر تاركة إياه للحاق بها..

أما الفتاة فقد كانت في حديقة الملاهي، حصلت لنفسها على دور لتلعب بسيارات الاصطدام، لكنها بدل أن تستمتع بقيادتها والاصطدام بغيرها من اللاعبين، بقيت ساكنة في منتصف الحلبة، ولولا تحركات مقلتيها كانت لتوحي لكل من يراها أن الزمن متوقف لديها..

كل هذا بسبب مشهد ظهر على شاشة الملاهي العملاقة، مشهد لعائلة سعيدة، تستعد للذهاب في رحلة للملاهي، الأم تحضر الغداء، الأب يوضب الأغراض في السيارة، وطفلتهما الصغيرة تجهز ألعابها وتتنقل بين أركان البيت كفراشة فرحةٍ بقدوم الربيع..

سيريسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن