3:3

7 1 2
                                    

قرب ماكينة توزيع المشروبات، حيث كانت تعمل على استرجاع أنفاسها، بعد الجنون الذي حدث قبل قليل، كأنه أحد أفلام الرعب الفانتازية.. الذي كانت لتستنكره لو لم يكن قبالتها يقف على قدميه الهشتين الضبابيتين السوداوتين.

اعتدلت في وقفتها وأدخلت يدها في جيب سروالها تبحث عن بعض القطع النقدية لأجل عصير الفراولة كالعادة، تجاهلت الظل بعبورها من خلاله حتى تقف في مواجهة زجاج الماكينة لكن العبور لم يكن سطحيا هكذا فقط وكأنها تقدمت بخطوتين لا غير، كمية الدفء التي غطست روحها داخلها ليست بالشيء الذي يمكن تجاهله كالظل فقد اختنقت حنجرتها بغصة شائكة مؤلمة.

شعور.. إحساس .. عاطفة بذوق خاص استَبنتها بعد وقت طويل. تماما كتذكر مكان، لحظة، أو شخص ما من خلال رائحة.

وضعت القطعة النقدية في المكان المخصص لها وضغطت على أرقام طلبيتها بينما تضغط على أسنانها أيضا تحاول ابتلاع فوضى أعماقها داخل الثقب الأسود الذي انفتح كنافذة مكتب قارئة الطالع وراح يعصف بأمور دفنتها فيه منذ زمن.

علبة عصير الفراولة ترفض الخروج ككل مرة، جاعلة إياها تفكر جديا في تغيير الطلبية من الآن فصاعدا وتطلب عصير الليمون بدلا عنها؟

لا داعي لطلب الحلاوة فالحياة حامضة ويجب تقبلها.

استدارت مغادرة -ككل مرة لا تحصل فيها على طلبيتها- دون أن تحاول طرق زجاج الماكينة -ككل مرة مثل شخص يعود لبيت خاو مطالبا باحتضانه بعيدا عن العالم- لكنه أمسك بمعصمها -للمرة الثانية لهذا اليوم- يعيدها مغلقا يده على يدها مشكلا قبضة مزدوجة ليضرب بها على موضع إدخال القطع، سمع بعد ضربيتن وقوع القطعة النقدية للداخل ثم بشكل ساحر، سلسل وميكانيكي استدار النابض ربع دورة ليدفع بالعلبة المرادة خارج قطار العلب فتهوي نحو الصندوق أين يمكنها الحصول عليها.

«كل ما كان في الأمر هو الضرب.. المشكلة في القطعة النقدية وليس بالنابض اللعين إذن.»

تمتمت بابتسامة ساخرة وهي تسحب يدها خارج يد الظل متخلية عن ذاك الدفء لتتحسس برد العالم القاسي، فقط كي تستلم علبة عصير الفراولة من الصندوق، أو ربما هناك شيء أعمق من هذا..

هي شخص يخشى العودة للبيت.. لطالما وقفت على أعتابه متمنية لو يُفتح بابه فتُستقبل فيه دون الإعلان عن وجودها.

كانت تخشى أن تفعل لأنها تعلم كل العلم أن الباب لن يُفتح وأن من سيستقبلها غير موجود..

فضلت العودة أدراجها خائبة في الكثير من المرات وهي تعلم أن عدم انفتاح الباب يكمن في عدم إتمام كل خطوات الطلب وهذا -حسبها- أفضل من العودة خائبة الظن لأنه لم يفتح رغم تطبيقها لكل الخطوات..

الطرق، اللكم، الركل.. والصراخ أيضا.

بعد لحظة الاستيعاب هذه، انسحبت من أمام الماكينة ترتشف من عصيرها تاركة الظل خلفها ينظر ليده.. سعيد بإنجازه، هو الآخر أخيرا تمكن من أن يمسك بيدها ليعلمها الخدعة.

*****

سيريسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن