4:3

7 1 0
                                    

تحت شجرة القيقب.. لا تصدق أنها تزور القبر بشكل محترم، لكنه السبب! هو من جعلها تأتي بقدميها إلى هنا، من لحظة ظهوره وهو يجعلها تقوم بأمور عملت على تجاهلها وأقسمت أن تتركها معلقة.

«ما الذي تريده مني؟ من أنت؟ لماذا تجعلني أقوم بأمور لا أريد فعلها.. أمور لا أريد اكتمالها؟ »

بدأت أسئلتها بصوت هادئ ثم انكسر في المنتصف مُحتلا بإيقاع البكاء. رفعت رأسها تقابله فرأت مَعلما على محياه.. 'ابتسامة'، بالتالي انكسرت ملامحها أكثر لأنها حصلت على الأجوبة من خلالها، هو يكون: هما.

ارتمت لأحضانه لكنها اصطدمت بجذع شجرة القيقب لأنه هش لا يمكن إمساكه.. كأنفاس البالون الأصفر.

استدارت نحوه فشاهدته يغرق داخل القبر يلوح مودعا إلا أنها لم تتقبل الفكرة وبشكل هستيري راحت تحفر ذاك القبر -الذي صنعته بنفسها- بيديها العاريتين!

جن جنونها أخيرا.

بلهفة لم يسبق لها أن شعرت بها.. كانت تبعد التراب لتصل إلى العمق، من كان يدري أنها ستعود لأجل الصندوق الذي دفنته بكل برود وجفاء لاستخراجه بهذه اللهفة كما لو كانت تنقذ شخصا عزيزا عليها من موته مرة أخرى!

فتحته فقابلتها الدمية التي كانت هدية عزيزة عليها وما تزال في أعماقها، الظل أحاط بيديه على يديها وجعلها تضغط قلب الدمية لتتكلم.. بصوتهما معا..

«سيريس.. نحبك.»

سحب الظل يديه وابتعد عنها فاستدارت بسرعة تبحث عنه لتجده يهرب بعيدا، نهضت من وسط التراب وهي تحضن الدمية وسارعت بالركض خلفه لم تأبه بوجهته، فهويته شبه المكشوفة لديها جعلتها تنسى كل شيء حولها وصار كل همها أن تلحق به وأن تراه بلون مغاير عن حلكته.

رغم تعثرها المتواصل برباط حذائها إلا أنه هذه المرة لم يلتفت لها لربطه كعادته، بل واصل هاربا منها مجبرا إياها على الاستسلام وربطه بنفسها كما علمها، كي لا تتعثر مجددا وتفقد أثره.

بعد مدة طويلة من الركض، وجدت نفسها في مقبرة، وليست أي مقبرة.

إنها المقبرة التي ودعت فيها أهلها، هنا حيث يرقد والداها منذ ذاك الحادث الأليم الذي فرقها عنهما، المكان الذي لم تخطه مجددا بعد أن تم دفنهما فيه.

تقدمت بخطوات مترددة نحوه.. نحوهما.. قبريهما. وقفت بالقرب منه وعيناها تترنحان بين القبرين حيث يقف الظل،

أشعة الغروب التي كانت تضرب بظهرها جعلت لها ظلا يمتد نحوه الذي هو بدوره حصل على ظلين كل واحد منهما يمتد إلى قبر.

«أبي.. أمي.. إن كنتما الظل.. أيمكنني الحصول على عناق.. لتوديعكما، عجزت عن ذلك قبل أربع سنوات وستة أشهر مضت، هذا كل ما أريده.. كل ما أكرره في خيالي.. أيمكن أن تجعلا الأمر حقيقة، رجاءً.»

اقترب الظل نحوها ومد يديه إليها يضمهما حولها، يقدم لها حضنا دافئا مدعما بالأشعة البرتقالية للشمس ولم تتردد في أن تحيط ذراعيها حوله هي الأخرى.. تمكنت من الإمساك به وأن تشعر بأبعاده.

أحكمت عناقها حوله تتمنى لو يصبحان واحد.. يبقيان معا للأبد، لكن الأمنية يستحيل تحقيقها فقد همس الظل في أذنها بصوت مزدوج يخصهما..

«سيريس.. وداعا.»

السماء ارتدت معطف الليل نصفيا والشمس انتهت في الأفق وغرقت بجوفه والظل بدوره تضاءل واختفى كانطفاء شعلة الشمعة تماما..

أما سيريس..

فقد وجدت نفسها لوحدها مع دمية بالية بعطر الماضي في يدها تبكي فؤادها تعمل على تقبل هذه النهاية من أجل شروق جديد في حياتها حيث تكون هي الشمس دون ظل.

****

سيريسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن