1:3

17 2 0
                                    



أيوجد أفضل من الظلام للاختباء بعيدا عن أعين العالم؟

أيوجد أفضل من الخزانة لتحقيق ذلك؟

الشمس براقة في السماء لأنها تطفو في مكان مظلم، وإذا هي كانت الشمس فلن تعلم أنها تشع إذا لم تكن داخل العتمة.

الأمر لا علاقة له بالحوار السابق من هذا الصباح.. إنها مجرد عادة اكتسبتها منذ فترة، تختلط بالسواد كي لا ترى نفسها.. كي تحرر نفسها .. من نفسها، فقط كي تشعر أنها تحصل على عناق كبير.

ثم بعد ساعات من البقاء في جحرها قررت أخيرا الخروج من عزلتها ما إن قارب اليوم على الوصول لأواخره.. لنقطة اختبائه هو الآخر في الظلام. دفعت باب الخزانة بقدمها مستعدة لتقابل العالم وجها لوجه في منازلة لا تحدث إلا مرة في السنة، في ذكرى وفاة والديها!

وقفت على أصابع قدميها محاولة الوصول لما فوق الخزانة، علبة كرتونية منسية ويبدو أنها تذكرتها اليوم فقط..

لسوء حظها فشلت في الوصول إليها، فتوجب عليها الانسحاب باحثة عن وسيلة توصلها لمبتغاها، سرعان ما عادت تسحب خلفها كرسيا كما لو كانت تسحب جثة قتلتها توا، بغية الصعود فوقه للوصول للعلبة.

وبينما كانت منشغلة للوصول إليها، كان الكرسي الذي تقف عليه يتحرك معها ويميل نحو الخزانة بسبب الثقل المطبق على الجزء الأمامي من مقعده، تماما حيث تقف هي وتمد نفسها للوصول للعلبة، كاد أن ينقلب بها الكرسي ويرميها أرضا أو يبقيها معلقة على أطراف الخزانة، لكن وربما ابتسم الحظ في وجهها لأول مرة منذ زمن ها هي تسلم من الوقوع باستعادة توازنها على الكرسي ما إن أمسكت بالعلبة!

تلك العلبة، صندوق باندورا الذي رغم كونه يحمل دوامة من ماضيها ها هي تفتحه وكأن شيئا لم يكن، بملامح لا تتطابق إطلاقا مع ما أبدته لحظة فتحها للعلبة لأول مرة.. ابتسامة مشرقة زال بريقها، بل لم يتبق منها سوى شفتيها، عيناها المبتسمتان كهلال منير أضحتا كثقب أسود امتص كل شعاع نور قد تواجد فيهما، وفوق هذا امتد واحتل جفنيها السفليين معلما إياهما بهالات سوداء تطرد البهجة التي سبق وامتلكتها..

رمت بغطاء العلبة جانبا وأخذت تتأمل ما بها كشبح يجوب الأرض بلا هدف، كانت تحمل داخلها حذاءً أبيض ملطخا ببضع قطرات من الدماء المتعفنة التي لم تزلها عنه من ذاك اليوم، ورغم هذا ارتدته وكأن هذه الأخيرة مجرد تصميم وجد لتزيين الحذاء.. بعد هذا سكنت كصنم وأخذت تراقب أربطة الحذاء متسائلة إن كان عليها أن تحاول مجددا ربطها رغم إدراكها بفشلها الذريع، أو تستسلم للواقع أبكر قليلا هذه السنة وتقحمها مباشرة في الحذاء دون ربطها كما تفعل في نهاية كل محاولة فاشلة لذلك..

ولأول مرة استسلمت دون محاولة، وكادت أن لا تقحم الأربطة في حذائها حتى وتخرج بالأربطة مفكوكة دون اكتراث، لكن كان عليها إظهار بعض الاحترام لآخر غرض حصلت عليه من والديها..

هذا الحذاء أول حذاء تمتلكه بأربطة، وهو آخرها أيضا، الوحيد من نوعه وقد حصلت عليه كهدية من والديها لتتعلم الاعتماد على نفسها، وما الأفضل في تلقينها هذا الدرس من رباط الحذاء، لأن -حسبهما- الحذاء هو ما يسمح للإنسان بالارتحال في هذا العالم لبناء حياته، وإن لم يكن رباط الحذاء معقودا بإحكام فإن هذه الرحلة ستكون مليئة بالتعثر والسقوط الذي لا يحمد عقباه..

لكنهما رحلا قبل أن يُعلماها الطريقة الصحيحة لبداية هذه الرحلة، لهذا ابتكرت طريقة تخلصها من الفشل في بداية رحلاتها، جاهلة أن هذه الطريقة هي تماما ما يجعلها تتعثر في كل مرة..طالما ليسا هنا بعد الآن فكيف للخيط على الشمال والخيط على اليمين أن يجتمعا في عقدة محكمة؟ وكيف للحذاء أن يظل ثابتا في القدم؟

فليس الجدران ما تمكننا من القول أننا نملك بيتا وإنما هما.. معا.

****

سيريسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن