الفصل الأول

641 25 24
                                    

                                    -١-
                         *لنا لقاءًا آخر عزيزتي*

" ٣١ ديسمبر ٢٠٢١- ليلة رأس السنة "

الشتاء دائمًا الزائر اللطيف الذي يحُب أغلب البشر زيارته، لياليه المُمطرة، برودته القارسة، رائحة الأتربة المُعبقة بالأمطار بالشوارع، أوراق الأشجار التي تتساقط من شدة الهواء، الملابس الصوفية الثقيلة، لحظات الدفء والأسترخاء بعد يومٍ طويلٍ بالعمل، الكثير من التفاصيل التي تجعل المرء يعشق فصل الشتاء، وعلى الرغمِ من برودة ديسمبر إلا أنها نهاية عامٍ قديمٍ وكان يجب توديعه وأستقبال عامٍ جديدًا أرجو أن يكون أكثر سعادة وسرورًا مما مضى..

كانت السماء تبغش أمطارها رويدًا رويدًا وعلى الرغم من أن الجميع مُتيقنٍ من أنها ستجلب وابلٍ من الأمطار إلا أنها ليلة رأس السنة الميلادية وقد أعتاد " يونس " الأحتفال بتلك الليلة مع زوجته " سارة " بمطعمٍ راقٍ حتى تكون ذكرى أخرى بصندوقِ ذكرياتهُما معًا، جلست بجانبه بالسيارة وهي تُتابع المارة بأبتسامة هادئة سعيدة، الشوارع مُبهجة، الأطفال يرتدون الزي الخاص بـ " سانتا كلوز " حتى أن هُناك رجالًا وشبابٍ يرتدون نفس الزي بسعادة بالغة، الجميع مُتلهفون وينتظرون قدوم العام الجديد بأملٍ في الحصول على سعادة غائبة، نجاحٍ مُنتظر، زواجٍ قريبٍ، أمنية لم تتحق العام الماضي يرجوا أن تتحقق هذا العام، إما عن الأمطار فهي عشقٍ أخر لها، تُراقب الأمطار التي تتساقط على زُجاج سيارة زوجها الفارهة وقد بدأت تشتد، نظرت إليه بعينيها الواسعتان كعيون المها قابعٍ بينهما كوبان من القهوة الذائبة، همست قائلة بنبرتها الناعمة الرقيقة يتخللها بعض القلق:- أنا خايفة أوي على " يوسف " يا " يونس "، الليلة المطر قوي وأنت عارفه بيخاف من صوته.
نظر لها زوجها يتأمل جمالها الهاديء، شعرها الحريري الأسود الطويل الذي يسترسل على ظهرها بأستحياء، بشرتها الخمرية، ملامحها الصغيرة المُنمنمة، شفتيها الوردية الناعمة المصبوغة الأن بأحمر شفاه باللون الأحمر القاني، تأمل جلستها الراقية بسيارته وهي تضع ساقٍ فوق الأخرى لينحسر فستانها الأسود الرقيق ويرتفع قليلًا ليصل إلى ركبتيها، كل شيءٍ مُتعلق بها يُبهره ويعشقه إلى أقصى حد، عندما طال صمته وأزداد قلقها عاد بأنظاره إلى الطريق مجددًا ثُم ألتقط أصابعها الطويلة النحيفة بين أصابعه الغليظة الخشنة وحاوطها بقوة قائلًا بنبرة رخيمة:- متقلقيش يا حبيبتي هو زمانه دلوقتي بيلعب بالألعاب الجديدة اللي جات ليه هدية من " سانتا كلوز ".
أنهى حديثه بغمزة شقية لتضحك هي على إثرها ضحكة سرقت لبه وهمست قائلة بمرحها الذي يعشقه:- يعني أتطمن يا " سانتا "!
قرب كفها الصغير من شفتيه وطبع قبلة حانية أودع بها شغفه بها وعشقه لها قائلًا:- أتطمني ياقلب " سانتا ".
تنهدت براحة لكنها ما لبثت حتى هتفت قائلة ببعض العتب:- كنت فاكرة إن السنة دي مش هنخرج مع بعض ونقضي الليلة برة زي كل سنة.
عقد حاجبيه ثُم أجاب وأنظاره على الطريق:- ليه يا حبيبتي!
تنهدت بحزنٍ ثُم أجابت قائلة برقة حزينة:- أنت بقالك فترة بعيد عننا، كل وقتك للشُغل، حتى " يوسف " مبقتش بتلعب معاه زي الأول.
ألمهُ ألامها ولعن نفسه لأنه أهملها بالفترة الماضية بسبب عمله الذي أصبح يشغل الحيز الأكبر من تفكيره، هتف قائلًا بلهفة وهو ينقل نظراته بينها وبين الطريق:- غصب عني والله يا حبيبتي، إنتِ عارفة إني شغال على قضية جديدة وخطيرة، واخدة كل وقتي ومش عارف أركز في حاجة غيرها.
أشفقت عليه بشدة، فهو يتعب ويجتهد في عمله ليُحافظ على مستواهُم المادي ولا تشعر بالحاجة لشيءٍ دون أن يُلبيها، لن تنكر أن مهنة المُحاماة مهنة صعبة كما أن زوجها ليس مُحاميًا صغيرًا بل يُعد من أشهر المُحامين بالبلد على الرغم من صغر سنه الذي تخطى الثلاثين من أشهر قليلة، تأملت خصلات شعره السوداء القصيرة المُصففة بعناية، ملامحها السمراء الخشنة التي تشع رجولة وقوة، عيناه بلون العسل الصافي وكأنهما نهرين ستغرق بهُما لا محالة، قامته الطويلة وجسده الرياضي الصلب الذي يظهر تقسيماته من أسفل بذلته السوداء، كما هو مبهورًا بجميع تفاصيلها هي أيضًا غارقة في أدق تفاصيله، تنهدت بعشقٍ ثُم همست قائلة بعشقها الذي لا نهاية لهُ:- أنا عارفة يا حبيبي إنك بتتعب وأنا مقدرة، بس أهتم بـ " يوسف " شوية عشان هو طفل مش فاهم طبيعة شغلك.
نظر إليها ثُم غمزها قائلًا بوقاحة:- حاضر ههتم بـ " يوسف " وأم " يوسف " كمان، هو أنا ليا غيرهم حبايب قلبي.
أخفضت نظراتها بخجلٍ وهي تبتسم بأستحياءٍ جعله يرغب في أن يتوقف ويُشبع ثغرها تقبيلًا حتى يرتوي ويشُك أن يفعل..

عالمانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن