الفصل الثامن

134 15 4
                                    

                                     -٨-
                               *براءة زائفة*

مرت عدة أشهر أستمرت خلالهم " علياء " بعملها وبمتابعة القضية التي تعمل عليها، بالكاد تتقدم أو تحقق إنجازًا ملحوظ لكنها لم تيأس، تسعى بكل قوتها وستنتصر في النهاية، تعمدت أن تظهر أمام " يونس " مرتين وكأنهُما صدفةٍ لا أكثر حتى تتقرب إليه، فهي تسعى إلى الوصول إلى ما يملكه " يونس " وجعله معرضًا لمثل ذلك الخطر الذي أودى بحياة زوجته..

خلال الأشهر القليلة التي مضت أستطاع " مراد " أن يتقرب من " ياسمين " كثيرًا، في البداية تقابلا عدة مرات بمركز الشرطة ثُم بدأ هو يذهب إلى مقر عملها بحجة العمل حتى تبادلا أرقام الهواتف، ومنذُ ذلك الوقت وهو يهاتفها بأستمرار بسبب وبدون سبب حتى أنهما يتراسلا عبر أحد تطبيقات الهاتف مما جعله يتقرب منها أكثر وأكثر..

قاوم " يونس " كثيرًا رغبته في الذهاب لرؤية " علياء " لكن بعد أن جمعه القدر معها عن طريق الصدفة مرتين لم يستطيع أن يتمسك بمقاومته الواهية أكثر، تردد على مقر عملها عدة مرات ينتظر خروجها بعيدًا متواريًا عن الأنظار لكن للأسف لم يراها سوى مرات قليلة مما جعله يوقن أن " علياء " لا تهتم بعملها كصحفية، يعلم أن ما يفعله خطئًا فادحٍ ومع ذلك لا يستطيع أن يمنع نفسه من رؤية " سارة " بملامح " علياء "..

أستمرت " ورد " بالعمل كجليسة لابن " يونس " ولم تتوقف عن البحث على الملف المنشود لكنها لم تجد لهُ أثرًا مما جعل " رشاد " يستشيط غضبًا وكم تمنى لو يستطيع أن يقتل " يونس " ليرتاح نهائيًا..

---------------------------------

" لا يوجد بالحياة الكثير من الأشخاص الأسوياء، قد يتعرض أحدهم إلى صدمةٍ قاتلةٍ ويفشل في تجاوزها مما يُنتج عنها شخصٍ غير سويًا بتفكيره، وقد يترتب على ذلك الكثير من القرارات الخاطئة التي يشعر بالندم بسببها فيما بعد، لن ألومك عزيزي إذا خرجت إلى الحياة بنفسک المريضة المُتعبة لــــكــــن تأكد إنني سأقتُلك إذا قررت أن تجعلني كيس الملاكمة خاصتك "

=مالك يا " يونس " سرحان في إيه!
تفوه بهذه الجملة " أمجد " الذي كان يجلس برفقة " يونس " بغرفة مكتبه يناقش معه بعض الأعمال لكن الأخير غير منتبه لهُ على الأطلاق، ينظر إلى اللاشيء ويبدوا كأنه تائهًا بعالمٍ أخر، لم يجيب على صديقه مما جعله يُعيد سؤاله على مسامعه عدة مرات حتى أنتبه له وبدون وعيٍ منه همس قائلًا بخفوت:- فيها هي.
نظر إليه " أمجد " بصدمة كأن أصابته صاعقة من السماء، لم يصدق ما سمعه الأن، فغر فاهه بذهول وهتف قائلًا:- نعم! سرحان في مين!
أنتبه " يونس " على نفسه وما تفوه بهِ، أعتدل بجلسته قائلًا بثبات مُفتعل:- سرحان في القضية اللي شغالين فيها أكيد، هكون سرحان في إيه يعني!
نظر إليه " أمجد " بخبث ثُم تلاعب بحاجبيه بشقاوة قائلًا:- القضية برضه! ماشي ياعم الله يسهلك.
شعر " يونس " بالغضب والنفور من نفسه، صحيح أنهُ كان شاردًا بـ " علياء " لكنه كان يتذكر ملامحها ليرى " سارة " بها لا أكثر، والأن قد جعل صديقه يظن أنه معجب بامرأة أخرى، اعتبر ذلك الأمر خيانة لحبيبته الراحلة، ضرب سطح المكتب بقوة ثُم هدر قائلًا بأنفعالٍ:- في إيه يا " أمجد " بقولك سرحان في الشغل مش أكتر!
صُدم " أمجد " من صراخه الغير مبرر وأردف قائلًا بهدوء:- مفيش داعي يا " يونس " لكل العصبية دي، أنا كنت بهزر معاك بس ثُم إنك حتى لو بتفكر في واحدة لا عيب ولا حرام، أنت راجل ولسة شاب وأكيد محتاج واحدة ست في حياتك تشوف إحتياجاتك وتراعيك أنت وابنك.
لمعت عيناه برغبة حارقة في البكاء، حتى الأن لم يجف دمع قلبه عليها، كيف يمكن أن يعشق سواها وهي أول من دق القلب لها! ا يستطيع نسيانها أو التعايش مع فكرة رحيلها، تنهد بثقلٍ ثُم هتف قائلًا بألمٍ:- مش هقدر أدخل واحدة تانية حياتي مكان " سارة "، عمر قلبي ما هيدق لغيرها.
أشفق عليه " أمجد " بشدة لكنه لم ييأس، أردف قائلًا بجدية:- أنا مش بقول أنساها، " سارة " كانت حبيبتك ومراتك وأم ابنك، بس الحياة بتستمر ومفيش مانع لو أتجوزت واحدة تانية وبرضه ذكرى " سارة " هتفضل جواك أنت و " يوسف "، وبعدين أنت راجل برضه يا " يونس " وليك إحتياجاتك وأكيد محتاج واحدة ست.
كاد أن يهدر غاضبًا غير موافقٍ على ذلك الهراء الذي يتفوه بهِ صديقه لكن قبل أن يفعل، لمعت فكرة ما بعقله، فكرة بالرغم من صعوبتها إلا أنها الحل الوحيد لمعاناته، لاحظ " أمجد " صمته وملامحه التي يبدوا عليها التفكير مما جعله يرتاح لأنه أستطاع أقناعه على الأقل بالتفكير بالأمر، هتف قائلًا بحماس:- صدقني يا صاحبي الحياة بتمشي مش بتوقف، وابنك أكيد محتاج لأُم تحتويه ومحتاج يكون عنده أخوات، فكر في " يوسف " كدة لما يكون عنده أخ ولا أخت بدل ما يتربى ويكبر لوحده.
كان الشيطان يرسم خطته بعقله، رسمها وقام هو بالتوقيع عليها بالموافقة، لن يمنعه أحدًا من أن يسترجع سعادته التي حُرِم منها بسبب مجموعة من الشياطين أقسم على تدميرهم كما فعلوا معه، نهض من مكانه قائلًا بهدوء زائف:- أوعدك إني هفكر في كلامك يا " أمجد "، أنا همشي دلوقتي عشان عندي مشوار ممكن أنت تكمل اليوم.
رحل وترك صديقه يشعر بالسعادة لأنه أستطاع اقناعه بالتفكير في أمرًا مصيري كهذا....

عالمانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن