الفصل الحادي عشر

143 14 1
                                    

                                   -١١-
                            *أيُهما أنتِ يا امرأة*

" ندور بالحياة نتخبط هنا وهناك على أمل أن نجد الراحة بالنهاية لكن تلك الراحة لا تأتي إلا بعد أن نتجرع الشقاء، وبعد سنوات الشقاء الماضية وجدتك حبيبي، وجدت راحتي وأماني، وجدت سببٍ قويًا يجعلني أتشبث بحياتي أخيرًا، لقد منحت روحي إليک، أتمنى أن لا تُخذلني.. "

نسمات الهواء الباردة التي تسللت خلسة إلى الغرفة لتداعب وجنتيها الشاحبتين ويضخ الدم بهما لتتوردان بحمرة لذيذة، خصلات السوداء التي جمعتهم بجديلة واحدة طويلة تستريح على كتفها بنعومة، كل ما بها حيًا يرزق على الرغم من كل ما آلم بها حتى الأن، كان " يونس " يقف على باب الغرفة يتأملها وهي جالسة على الفراش شاردة بشيءٍ مبهم، يشعر بأحاسيس مُتضاربة غير قادرًا على تفسيرها، إلى الأن لم يصدق أنه قام بطلبها للزواج، كانت لحظة تهور غير محسوبة وللعجب لم يشعر بالندم، إحساسٍ أخر بالمرارة الشديدة لا تزول مع الوقت وهو يؤنب نفسه على خيانته لـ " سارة "، كيف سيتزوج غيرها! حتى لو لم يعشقها لكنها بالنهاية خيانة لروح حبيبته الراحلة، تأمل ملامح " علياء " وللمرة الأولى ينتبه إلى الحزن البادي عليها، عينيها حزينتان، شاردتان بعيدًا بمكانٍ أخر لا يعلم أين، تنهد بقنوط ثُم أعتدل بوقفته ورسم أبتسامة هادئة على ثغره وتوجه نحوها بخطواتٍ واثقة كنظراته، راقب ملامحها فور أن رأته يقترب منها، توسعت عينيها بأرتباکٍ، ثُم لمعت نظراتها بشغفٍ ولن يكون مغرورًا إذا قال حُبًا أيضًا لكن بلحظة خبىّ الشغف والحب وحل محلهما الحزن، تجمدت خطواته على بُعد خطوتين فقط من فراشها ثُم همس قائلًا بهدوء:- صباح الخير، جاهزة عشان نمشي!
رأى أرتعاشة جسدها التي تحاول أن تخفيها، رأى كيف أفترت عن شفتيها تسحب نفسًا عميقٍ إلى الداخل وكأنها تحارب لتتنفس، شعر بأن قلبه يتهاوى بين قدميه عندما رفعت أنظارها نحوه، عينيها وآه من عينيها، تخبرانه كل ما تشعر بهِ قبل أن تتحدث، عينيها معبرتان بشدة، عقدت حاجبيها بحيرة قائلة:- أمال فين ماما و " ياسمين "!
أبتسم بثقة قائلًا:- أقنعتهم يفضلوا في البيت وأنا هوصلك لهناك.
همست قائلة بصدمة:- أنا مش مصدقة الثقة اللي ماما بقت تثقها فيک وهي لسة عارفاك من كام يوم!
غمز بعينه غمزة شقية ثُم هتف قائلًا بمشاكسة:- أنا لسة عندي قدرات كتير هبهرك بيها متقلقيش.
شهقة صغيرة خجولة خرجت من بين شفتيها ولم تجد القدرة للرد عليه، بينما هو أقترب منها خطوة أخرى ثُم توقف أمامها قائلًا بنبرة رجولية بحتة:- فكرتي!
نظرت إليه بتوتر يشوبه حيرتها ثُم همست قائلة:- فكرت في إيه!
تفحص ردة فعلها جيدًا ثُم هتف قائلًا بتروي:- في جوازنا.
أنتفضت تأثُرًا بالكلمة لكنها سيطرت على نفسها سريعًا وهمست قائلة بهدوء مصطنع:- لسة مفكرتش بس أوعدك هتعرف ردي قريب.
صمت لثوانٍ ثُم هتف قائلًا بنبرة أجشة أرسلت قشعريرة لذيذة بطول عمودها الفقري:- " علياء " لازم تعرفي إني مش هقبل بالرفض.
رفعت أنظارها إليه سريعًا تنظر إليه بصدمة وقبل أن تتساءل عن المقصد من كلامه، أقترب هو منها أكثر حتى كاد أن يلمسها مما جعلها تشهق بذهول وتتراجع بجذعها إلى الخلف قليلًا فأصبحت شبه مستلقية على الفراش وهو يشرف عليها من الأعلى، فغرت فاهها وهي تراقبه بقلقٍ وأرتباکٍ بينما هو أبتسم أبتسامة خبيثة وقحة صدمتها ومال ناحيتها أكثر ببطءً، حبست أنفاسها وهي تراه يميل نحوها هكذا بلا خجلٍ أو حياءً وتساءلت بداخلها هل يجب أن تصرخ الأن أم.. وبينما هي تفكر ماذا تفعل شعرت بهِ يسحب حقيبة ملابسها الصغيرة من خلفها ثُم أنتصب بوقفته قائلًا بنفس أبتسامته الوقحة:- أنا كدة وصلتني الإجابة، يلا عشان منتأخرش على مامتك.
أغمضت عينيها بغضبٍ منه ومن نفسها وبحركة سريعة أنتصبت واقفة دون أن تنتبه إلى جرحها مما جعلها تصرخ بألم وهي تضع أصابعها على الجرح، شعرت بهِ يحاوط جذعها بقبضتيه وهو يهتف قائلًا بلهفة وقلق:- " علياء " إنتِ كويسة، أنادي الدكتور!
تأملت ملامحه الصلبة الرجولية القريبة من وجهها وكم كان يبدوا عليها التعب والأرهاق، تنفست بعمقٍ ثُم همست قائلة بأنفاسٍ لاهثة:- مفيش داعي، أنا بس وقفت بسرعة من غير ما انتبه لجرحي.
أجفلت عندما شعرت بأصابعه تربت على رأسها من الخلف برفق، كانت على وشك أن تبكي من شدة توترها لكن ها هي صدمة أخرى تتعرض لها عندما أنحنى قليلًا ليحمل الحقيبة وقبل أن يعتدل كان يحملها هي الأخرى بين ذراعيه، هنا صرخت صرخة قوية وهي تتشبث بكتفيه بأصابعها الرقيقة وتهتف قائلة بأنفاسٍ ضائعة:- أنت بتعمل إيه، نزلني مينفعش كدة.
أبتسم لها بحنانٍ جعلها ترغب أن تضع رأسها على كتفه وتبكي قائلًا:- إنتِ تعبانة وواقفة بالعافية، أكيد مش هتقدري تمشي لغاية برة.
حاولت أن تحرك جسدها بقدر أستطاعتها ليتركها قائلة بتوتر بالغ:- لا هقدر، نزلني.
ضم جسدها بقوة إلى صدره قائلًا بنبرة قوية جعلتها تصمت وتستكين:- " علياء " متخافيش مني، أنا عمري ما هعمل حاجة تأذيکِ.
نظرت إليه بأملٍ أن لا يفعل ولم تتحدث، عندما رأها تصمت أخيرًا نظر أمامه وبدأ يتحرك نحو الخارج، كانت خطواته هادئة ليست متعجلة وكأنه يتمنى لو تبقى هكذا لمدة أطول بينما هي دفنت رأسها بصدره حتى لا ترى نظرات الناس من حولها، أستشعرت نبضات قلبه القوية التي تهدر بقوة، عقدت حاجبيها بحيرة وهي تتساءل أيعقل أن يكون متوترًا هو الأخر! ولماذا سيتوتر بالأساس!
أخيرًا وصلا إلى السيارة، أنحنى بها قليلًا حتى يضعها على المقعد مما جعل وجهه قريبًا جدًا من وجهها، لم يعتدل على الفور بعد أن تركها بل تأمل ملامحها الشاحبة، ثُم نزل بنظراته نحو شفتيها، شفتيها تشبهان حبتان الكرز مما يجعله يرغب دائمًا في تذوقهما، أنتبه إلى منحنى تفكيره ليعتدل سريعًا ويتوجه نحو مقعد السائق وينطلق بصمتٍ دون حديث، كانت هي مستلقية على مقعد السيارة كما تركها غير قادرة حتى على أن تعتدل، جسدها في حالة من الخمول، داهمها النعاس لم تستطيع أن تقاومها، نظرت إليه بأجفانٍ ثقيلة تتأمله بحبٍ قبل أن تغلقهما وتسقط في سباتٍ عميقٍ....

عالمانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن