5

1.8K 17 2
                                    

كيف يمكن للمرء أن يخرج من كل مأساته دون خدشٍ في روحه ؟ أو كيف يخرج المرء من نفسه طالما أنه هو المأساة بحد ذاتها !
الجوّ باردٌ قليلًا و النار تشتعل أمامه و لهيبها في جوفه ، اتصل بسيّاف قبل بضع دقائق و اطمئن عليه فهم بذات العمل و لكن كلًا منهم في كتيبة
يفكر و يفكر و يفكر
كيف بدأ الأمر بينهم و كيف انتهى ؟
كيف لخطيئةٍ ما تصنع جبلًا من الحب ؟ و كيف لجبلٍ من الحب يتحول لجبلٍ من الشك لينتهي به المطاف سويًّا بالأرض ؟
يجلس بجواره زميله و يناوله كوبًا من حليب الشاي و يسأله : علومك ؟
يجيب مُهاب بثقلٍ :طيّب ، سكت قليلًا ليعيد سؤاله عليه : و انت علومك ؟
يرد كما رد مهاب : طيب برضو
رغم العلاقة الرخوة التي تربط مهاب بزملاء العمل إلا أن هذا لهذا الشخص هالة احترامٍ فائقة يفرضها على من حوله ، لا تربطه به علاقةً وطيدة بل علاقة احترامٍ و أدبٍ متينين ، فهو الوحيد الذي يتفهم جنون مهاب
كما أن مهاب يشعر أنه مدينٌ له بحياته
يمتد مهاب أرضًا يتنهد ثم يقول : صار عندي ولد !
يلتفت لمهاب مدهوشًا : افا تتزوج و لا تعلمني ؟
تنتابه ضحكة ساخرة قائلًا بعدها : ما امداني أتزوج و التفت ينظر إليه بصمتٍ مطبق ، يضع عُديّ عيناه بعيني مهاب يحثه على الكلام ليُكمل قائلًا : بعد ما غطيت عليّ ذك اليوم و انا راجع صارلي حادث و معد امداني أرجع ، همام كلّم الدوام و رفع اوراق المستشفى لهم و اخذ لي الاجازة من غير لا ادري
-افتكر لما غبت ثلاث شهور سألت عنك قالوا اخذ اجازة بس ما علموني ان صايرلك حادث ، توقعت اجازة زواج في البداية بس لما طولت شهرين زيادة سألت عنك ما احد عنده علم و لعد سألت الضابط
-ثلاث شهور من حياتي مرّت ما ادري حيّ والا ميّت ، جيت اهلي و انا دمي مغطيني ، اخذني همام اخوي للمستشفى طلع عندي نزيف و لأني تأخرت شوي و هم يحاولون يقفون النزيف دخلت في غيبوبه و جلست ثلاث شهور مدري عن أحد
يربت على كتفيّ مهاب : الحمدلله على سلامتك .. " يخرج السؤال لطرف لسانه ثم يعود ، يتردد كثيرًا في أن يسأل ، لكن مهاب بفراسته و ذكائه التقطها من فمه ليُجيبه قائلًا : يوم اللي جيتك و قلت لك اهلي تعبانين غطّى مكاني لين ارجع .." سكت قليلًا ليُشعل سيجارة تحرق روحه قبل أن يحرقها ، و يمد بالأخرى لعُديّ ليلتقطها و هو يقول بصعوبةٍ بالغة فكيف لشخصٍ كما مهاب أن يعترف بما في خُلده ؟ : كنت احب وحده من اهل هالمنطقة و اشتدت بيننا و طلعت لها من هنا بتفاهم معها .." ثم سكت ليُكمل عُديّ المعادلة في باله ليهمس قائلًا : تدري انك اخر واحد متوقعه يحب أو يغلط غلط زي هذا؟
ينطق مهاب بتوقعٍ سخيف و لا يهمه أساسًا : طحت من عينك يعني ؟
يدخن السيجار لنهايته لينفث الدخان في الهواء و هو يقول : اي
ينطق مهاب ببرود دمٍ : جلّ من لا يخطئ
-بس هذا مو خطأ هذي كارثة !
-فعلًا هي كارثه ، بس الكارثة الأكبر إن أخوك يدري بولدك قبلك؟
يلتفت إليه بستغراب ليكمل مهاب قائلًا : بعدما ما عرفوا اهلها بالسالفه هربها واحد من اخوانها لبيت مهجور سكنت فيه لين ولدت بعد سنتين يعني قبل شهرين او شهرين و شوي اتصل اخوها بهمام و قاله
-و طيب ؟ انت الى الان مخلي الموضوع كذا ؟
-وش تبيني اسوي ؟
-ما جا في بالك انك تتزوجها ؟ تعدل غلطتك !
-لا و لا أفكر أصلًا ؟
يلتفت إليه عدي بصدمة ليختنق في الحروف و لا تخرج الا سؤالًا بسيط : كيف ؟؟
يجيب مهاب بحرقة : تتوقع انت انها باقي طبيعية يعني ؟ و اذا ما تدري الولد مسجل ب اسم زوج اختها !
-ما يحتاج اعلمك بالدين و اقولك انه خلط الانساب حرام !
-طيب و لو تزوجتها كيف بيكون شكلي و شكلها يوم ان الولد اكبر من تاريخ زواجنا ؟
-ليه يهمك الشكل اكثر من الدين ؟
يطأطئ رأسه بقلق ليقول : مدري ، همام مشغول هالفترة بقضية مع محامي ثاني و مو فاضي لي
يقول عدي بغضب : تراك مو طفل عشان تنتظر همام يمشيك
-طيب مشني انت عندك حل ؟ لان ابوي بيتبرى مني لو عرف
-اقل شيء يسويه اصلًا .." سكت قليلًا ثم طرح عليه فكرة : شرايك تزور اوراق الزواج بتاريخ قديم !
-تعرف احد يسويها ؟
-ابشوفلك

كسرت جناحيّ اليمامة فكان الجرح سندًا مُهاب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن