الفصل الثاني.

5.2K 264 7
                                    

الفصل الثاني]]
قام أحد الرجال الملثمين بسحبها بقوة من ياقتها وهي جاثية على ركبتيها ووجهها ملتصقًا مع ذراعيها بالأرض وقد تلطخت تمامًا بالدماء الجارية في كُل مكانٍ حولها، أخذتها صعقة طويلة قبل أن تغمض عينيها تجنبًا لرؤية الجثث المنثورة حولها، حاولت جاهدةً ملء إرادتها أن تكتم صرخاتها داخلها حتى لا يغضبون عليها وتلقى حتفها ككل شيءٍ حولها ولكن داخلها لم يتوقف عن الصراخ والنواح كما أن عينيها أفاضت بدموع غزيرة لا تتوقف كالشلال ورجفة جسدها لا تهدأ أبدًا.
-إنتِ مين وجاية هنا تعملي أيه؟!
فتحت عينيها على مضض لتبصر حذاء أسود اللون أمامها، جاهدت أن تتكلم وصوتها لا يخرج من فمها، فقام أحد الرجال بوضع قدمه على ظهرها تأديبًا لها على صمتها فيما خرج صوتًا مُتحشرجًا مُرتجفًا منها وقالت:
-أنا والله كُنت بوصل طلبية أكل للمكان هنا.. أنا كُنت باكل عيش.. علشان خاطر ربنا متقتلونيش!!
-قومي اقفى!
هدر بها بصوت حاد؛ فأومأت وهي تنصاع مرتعدةً خشيةً أن تُثير غضبه أكثر، بالكاد وقفت على قدميها ثم وجهت نظراتها الخائفة إليه وما أن أبصرته حتى نظر داخل عينيها مُباشرة وبملاحظة عابرة بدأ يتفحص هيئتها التي لا تنتمي نهائيًا إلى هذه الطبقة من الناس وهذا يعني بأنها لا تقول سوى الحقيقة.
تجنبت النظر إلى عينيه في خوفٍ فيما تابع وهو يقبض على ذراعها بشراسة:
-إنتِ شوفتيني أو تعرفي اسمي!!!
أومــــأت مرات عديدة في سلبٍ تنكر رؤيته أو معرفتها باسمه الذي وصل إلى أذنيها عدة مرات كي تنفد بجلدها وهذا ما يريده هو بالتحديد أن تنسى رؤيتها له بلا لثام أو سماعها اسمه الذي تكرر كثيرًا وأن تلتزم الصمت حتى تنقذ روحها من الازهاق، بكت بصوت مُتقطع تقول بنبرة خافتة:
-أنا عايزة أمشي من هنا وبس.. أبوس إيدك!!
مالت على كفها تقبله في استجداء وذُل في محاولة منها لإثارة شفقته تجاهها رغم معرفتها بأن الذي يقتل كل هذه الأرواح حتى لو كانت آثمةً فلا يمكن أن يكون لديه مثال ذرة من شفقة أو رحمة، وهنا تكلم بصوته الغليظ في صلابة:
-هخليكِ تمشي بس مش النهاردة.
انتفض جسدها في فزعٍ ورعبٍ ما أن وصلتها كلماته، ما الذي ينوي فعله بها ولماذا يؤجل مغادرتها حتى الغد، وماذا سيفعل بها في هذه الفترة معه؟!! أجهشت بالبكاء وهي ترمقهُ بنظرات مُتسائلة فيما تابع هو بصوت حانق:
-خدوا المرا دي من وشي على العربية.. أنا مش عايز أسمع صوتها.
في هذه اللحظة تدخل أحد الرجال قائلًا:
-بس أوامر الباشا أن ميتبقاش نفر واحد في القصر عايش!!.. دي مخالفة لأوامره.. وبعدين إحنا هناخدها معانا نعمل بيها أيه يا تيِّم؟!
تيم بصوت حانق:
-أكيد مش هخليكم تخمسوا فيها ورديات طول الليل، البت دي مينفعش تروح لأهلها بالمنظر دا وإلا هنروح كلنا في مليون داهية.
الرجل بصوت حاد قليلًا:
-وأيه اللي يجبرنا نخليها عايشة أصلًا ونفضل طول الوقت خايفين لتتكلم؟! إنتَ ناسي إنها عرفت اسمك وشافت وشك يا تيَّم باشا!!
تيَّم بثبات:
-وعلشان السبب دا أنا قررت إننا متحفظ عليها النهاردة وأديها درس مهم وخطوط تمشي عليها.
أنهى جملته ثم تحرك مُسرعًا إلى خارج القصر بعد أن قام بجمع رجاله وتأكدوا من مسح كُل البصمات التي قد تدينهم أو يقعوا فيها بالخطأ ثم انطلقوا على الفور ولم ينسوا عملية تدمير كاميرات المراقبة وحذف الذاكرة.
أمر رجاله بوضع غطاء على عينيها حتى لا ترصد حركات السيارة ولا تتعرف على الطريق الذي يذهبون إليه، قرر أن يجلس بجوارها داخل السيارة متلذذًا بخوفها وانتفاضها ليتكلم بصوت غليظ يتخلله البرود:
-مش عايزك تخافي.. أنا قررت أتحفظ عليكِ النهاردة علشان محتاج أتكلم معاكِ في كام نقطة وبعدها هترجعي بيتك.
أردفت بعد صمت طويلٍ بشفاه مرتجفة:
-تقدر تقولي كل شروطك دلوقتي وأوعدك هنفذها بالحرف الواحد بس سيبني أرجع بيتي النهاردة!.
انتفخت أوداجه وراح يصرخ فيها بحنق:
-يووووه.. ما قولنا هتشرفينا النهاردة وبكرا غوري في داهية.. مش عايز أسمع صوت أهلك تاني يا بتاعة إنتِ.. سامعة ولا لأ!!
لكزها بقوة في كتفها فتابعت بتأوه مكتوم:
-حاضر.
•~•~•~•~•~•~•
-يارب تكون سبأ جت بالسلامة.
أردفت "عزيزة" بتلك الكلمات وهي تهرول نحو الباب الذي يرن جرسه، قامت بفتحه على الفور ولكنها وجدت القادم هي الصغيرة وليست "سبأ"، تنحت جانبًا تسمح للأخيرة بالمرور ولكن ذهنها شاردًا مع الشقيقة الأخرى والتي تأخرت كثيرًا عن موعد وصولها للبيت كما أن هاتفه قد أُغلق فجأة ولن تتمكن من الاتصال بالقصر لأن "سبأ" قد أخذت معها الورقة المدون عليها العنوان ورقم الهاتف، أخرجت "عزيزة" زفيرًا حارًا وقد استبد القلق منها وبدأ يأكل لحم رأسها بأفكار سلبية ومُخيفة فرددت وهي تقول بخفوت ونبرة أشبه للبكاء:
-يارب يا بنتي تكوني كويسة وتوصلي لحضني بالسلامة.. طمني عليها يارب.. جيبها سالمة غانمة أنا مليش غيرها.. يارب تركتها في معيتك فاحفظها وردها لي بخير.
طفقت تدعو من أعماق قلبها أن تستمتع إلى صوت ابنتها قريبًا عبر الهاتف أو تسمع صوتها على عتبه الباب في أية لحظة، دب الندم أبواب قلبها لأنها سمحت لها أن تذهب إلى طريق بعيدٍ وحدها بغير ونيسٍ أو شخص يحميها ولكنها سبأ العنيدة التي ترى أن جيشها الوحيد هو نفسها فعليها أن تروض نفسها بخوض الصعاب والمعارك وحدها دون مساعدة أو عون من أحدٍ.
-يقين، غيري هدومك على ما أعملك لُقمة تاكليها.
التفتت إلى ابنتها في محاولة منها لطرح هذه الأفكار السلبية أرضًا وقررت أن تلتهي بمصالح البيت حتى عودة ابنتها الثانية في أقرب وقتٍ وبررت أنه ربما كان هناك ازدحامًا أو أن المسافة تأخذ الكثير من الوقت.
•~•~•~•~•~•~•~•
شعرت بتباطؤ حركة السيارة ثم توقفها في النهاية ثم صوت باب السيارة يُفتح وكف يقبض بقوة على ذراعها يجذبها بعُنف كي تتدلى من السيارة بسرعة، بدأت تتحسس حركتها أثناء النزول حتى وقفت على قدميها، كان خوفها قد بلغ أشده وملك كُل الأجهزة العصبية بها فودت أن تصرخ بأعلى صوت لها كي يسمعها أحدٌ ويأتي في نجدتها ولكنها تذكرت أن مثل هؤلاء لا يعيشون بين البشر أو في أماكن عامرة بل يفضلون دومًا الأماكن النائية المُريبة التي تشبه البيوت المُريبة في أفلام الرعب وتوصلت في النهاية أنه لا جدوى من صراخها سوى إثارة غضبه وحنقه عليها وربما يدفعه هذا لقتلها.
تصلبت أقدامها بالأرض ولم تعد تقوى على الحركة فصاح بها بنفاد صبرٍ:
-اتحركِ يلا!
انصاعت مُذعنةً في خوفٍ أصاب نبضات قلبها فسرع من وتيرته حتى كاد قلبها أن يخترق عظام صدرها ويخرج من جسدها، لحظات من الصمت قطعها بصوته الغليظ الذي لا لين فيه حتى في لحظات هدوئه:
-قدامك سلم.
كان يوجهها بكلمات مقتضبة إلى أن دخلت من الباب ثم قال بصوت حازم يُملي أوامره على أحدهم:
-وديها الأوضة وأقفل عليها واتأكد إن كل الشبابيك أمان.
رد الأخير بانصياعٍ:
-أوامرك يا باشا.
تحرك الرجل مصطحبًا للفتاة معه؛ فيما هوى جسد "تيَّم" على أقرب أريكة قابلها وراح يضع رأسه بين كفيه من شدة الصداع الذي داهم رأسه بينما تابع زميله الذي بمثابة ذراعه الأيمن في هذه العملية:
-تيَّم، إنتَ مُتأكد إن إطلاق سراح البت دي هيكون هو الحل، أنا شايف إنه مش مُفيد لينا نهائي!!
رفع "تيَّم" بصره مصوبًا إياه نحو الأخير وردد بثبات:
-وأنا شايف نفس اللي إنتَ شايفة، بس مش قادر أقتلها، واحدة بتجري على لُقمة عيشها تموت ليه؟! وبعدين الأوامر بتقول قتل كُل اللي في القصر ودول معروفين، دي بقى تتقتل ليه!!
الرجل بحدة:
-علشان نعيش إحنا يا تيَّم!!
تيَّم وهو ينهض عن الأريكة حاسمًا أمره في قرارة نفسه:
-وأنا عندي الحل اللي يخلينا نعيش كُلنا.. أنا هتصرف.
تحرك فـــــورًا نحو الدرج عاقدًا النية على اسكاتها وتكميم فمها تمامًا بطريقته الخاصة، وصل إلى الطابق العلوي ثم إلى الغرفة المحجوزة بها، قام بوضع يده في جيب بنطاله ثم أخرج المفتاح الخاص بالغرفة وما أن سمعت هي انزلاق المفتاح في فوهة القفل حتى ارتعش جسدها وارتجفت شفتاها في ذعرٍ، لحظات وسمعت صوت الباب يُغلق وريح يقترب منها رويدًا رويدًا، أسرعت بوضع يديها أمام وجهها في محاولة منها لاحتواء جسدها المنهار وحمايته فيما خرج صوته ببرود يقول:
-متخافيش مش ناوي آذيكِ طول ما إنتِ شاطرة وبتسمعي الكلام.
ابتلعت ريقها على مضض فيما تقدم هو منها أكثر وما أن شعرت بجسده يلتصق بها حتى صرخت صرخة مدوية ظنًا منها بأنه سينال من جسدها لإخضاعها له ولكنها وجدت غطاء عينيها يسقط ويقول هو بهدوء:
-ما قولت لك ما تخافيش، إنتِ ما بتفهميش!
في هذه اللحظة دق على جانب دماغها بطرف إصبعه كنوعٍ من الغيظ من تصرفها، انكمشت على نفسها في حذرٍ وخوفٍ بينين؛ فيما تابع كلامه ببرود وهو يتجه نحو الدولاب ثم يفتحه ويلتقط منه سُترة أُنثوية تصل إلى ما بعد الركبة بقليل:
-دلوقتي هتدخلي تستحمي من الدم دا وبعدين نتكلم.
شهقت شهقة مكتومة وراحت تهز رأسها برفض قاطعٍ:
-لأ طبعًا.. أنا مش بستحمى برا بيتنا.. أنا مش عايزة غير إني أمشي من هنا.. اعتبرني زيَّ أختك وارحمني لوجه الله!!
-قولت لك متخافيش وبردو مُصرة تعصبيني.. إنتِ مُصممة تنهي حياتك بنفسك!!!
صرخ فيها بصوت جهوري مرتفع وهو يُلقي السُترة في وجهها؛ فارتفع نواحها وأخذت تردد بنبرة مُتلعثمة باكية:
-خلاص هعمل اللي إنتَ عايزه.. بس مش عايزة ألبس البتاعة دي.. قصيرة!
حدجها بنظرات نارية قبل أن يتجه مرة أخرى إلى الدولاب ويلتقط منه بنطالون من الجينز وسُترة صيفية ثم يرميهم لها، التقطتهم في صمت ثم توجهت إلى الحمام وقبل أن تدخله وجدته يقول بحزم:
-خدي راحتك أنا هخرج من الأوضة خالص وهرجع لمَّا تخلصي.
أومأت ثم دخلت إلى الحمام بسرعة وأغلقت الباب ولكنها ظلت تتنصت وتسترق السمع حتى تأكدت أنه خرج من الغرفة بالفعل، تأكدت أيضًا أن باب الحمام مُغلق جيدًا وكانت هذه اللحظة التي تركت فيها لجام جسدها الوهن لتسقط على ركبتيها بالأرض وتبدأ في البكاء بصوت عالٍ لا ينخفض بل يزداد ويعلو برجفة مرتعبة.
“على الجانب الآخر"..
توجه إلى غرفة مكتبه وتبعه "رضوان" زميله وما أن دخلا حتى أغلق "رضوان" الباب جيدًا فيما اقترب "تيَّم" من حاسوبه الموصل بالكاميرات الخفية الموجودة بالحمام الذي توجد داخله "سبأ".. أضاء شاشة الحاسوب ثم توجه إلى إعدادات الكاميرا لفتحها وما هي إلا ثوانٍ حتى ظهرت أمامه تجثو على أرضية الحمام وتبكي في انهيارٍ، ظل يراقب ما تفعل حتى نهضت مجددًا بقوة وهنة وبدأت تنزع الملابس عن جسدها وهنا أسرع بغلق الحاسوب مرة أخرى وفورًا؛ ليأتيه صوت صديقه مُتأففًا في ضيق:
-يا عم قفلت اللاب ليه ما كُنا ماشيين حلو وهنستمتع!
رماه "تيَّم" بنظرات ثاقبة حادة قبل أن يقول بكلمات تحوي بين طياتها على الكثير من الوعيدٍ والتهديدٍ:
-إنتَ عارف كويس أنا بعمل دا ليه.. علشان أخوف البت مش علشان معالي جناب اللي خلفتك تستمتع.. وحذاري تفكر تقرب من اللاب يا رضوان.. لو روحك غالية عليك.
رضوان بنظرات مليئة بالغيظ:
-اللي إنتَ تشوفه يا تيَّم.. ماشي.
قرر أن ينتظر خروجها من الحمام وما أن مرَّت ثلاثون دقيقة تقريبًا حتى قرر أن ينظر إلى الكاميرات مرة أخرى ليجد الحمام فارغًا بالفعل، تحرك على الفور نحو الغرفة مرة أخرى وفي يده الحاسوب، وبدون سابق انذار قام بفتح الباب لترتجف هي بفزعٍ فيما تابع بثبات:
-تمام.. كدا نعرف نتكلم.
ابتلعت ريقها على مضض قبل أن تسأل باشمئزازٍ وهي تنظر إلى الملابس التي ترتديها:
-هو لبس مين دا؟!!
نظر إلى الملابس التي ترتديها وتتسع على جسدها النحيل بشكل ملحوظ وقال ببرود:
-مالك قرفانة كدا ليه؟ دا لبسي يا ستي، قرفانة منه اقلعيه واقعدي عريانة.
رمقتهُ باستنكار وهي تتشبث بتلابيب السُترة بإحكام، بدأ يتحرك أمامها روحة وجيئة في ثبات وبؤبؤي عينيها يتحركان معه في كل خطواته إلى أن وقف أمامها أخيرًا وتوحشت نظراته وراح يقول ببرود:
-هنعقد صفقة أنا وإنتِ؛ ترضيني وترضيكِ وتكون في صالحك في الحالتين، قدرنا نتفق أول نور الصبح ما يشقشق هخلي حد من رجالتي يوصلك لحد أقرب محطة لبيتك أم لو ما اتفـ.....
أسرعت ترد على حديثه بوجلٍ:
-هنتفق إن شاء الله.. أنا معاك في أي حاجة بس أمشي من هنا!
أومأ موافقًا على كلامها ثم توجه إلى السرير وجلس إلى طرفه وهو يضع الحاسوب على ساقيه ثم بدأ يفتحه بهدوء وسط نظراتها المتسائلة وحاجبيها المعقودين ليقطع صمتها الطويل صوته وهو يقول بحزمٍ:
-تعالي شغلي الفيديو دا.. علشان أنا مش هينفع أشغله.. أصلها حاجة خاصة بيكِ لوحدك ومينفعش حد غيرك يشوفها.
تحركت بالقرب منه وهي تمشي بالكاد على أناملها في توجسٍ وما أن وقفت أمامه حتى ألف الحاسوب للجهة التي تقف فيما موجهًا الشاشة ناحيتها كي لا يرى منه شيئًا أثناء تشغيله وبنبرة حادة قال:
-شغليه بنفسك يلا!!
قامت بتوجيه أناملها المرتجفة نحو اللوحة الكتابية ثم ضغطت على محرك التشغيل لتجد مقطع كامل لها منذ دخولها إلى الحمام، اتسعت حدقتا عينيها في ذهولٍ وقد تجمعت الدموع في مقلتيها قبل أن تنظر إليه بكره وبُغض وما أن وصلت إلى اللحظة التي نزعت فيها ملابسها حتى صرخت بانهيارٍ وهي تغلق الشاشة بقوة:
-ليه؟! ليه عملت كدا؟! أنا مأذتكش في حاجة؟ دا أنا قولت لك إني واحدة بتجري على لُقمة عيشها؟ ليه تعمل فيا كدا.. أنا أيه الذنب اللي عملته علشان تفضح عرضي وأنا طول عمري ستراه!!!
-ذنبك إنك كُنتِ في المكان أثناء العملية وإنكِ شوفتينا كلنا وعرفتي أغلب أسامينا.. أنا معايا أمر من قيادات فوق قوي إني أقتلك وأخلص منك.. بس أنا مش عايز أعمل دا!!.
لطمت وجهها بقهرٍ وصرخت صرخة مدوية من شدة القهرٍ:
-دا أنتَ كُنت قتلتني أحسن.. سامع؟ القتل عندي أهون من اللي إنتَ عملته دا!!.
وما أن انتهت من البوح بهذه الكلمات حتى أسرعت تقترب منه ثم التقطت السلاح القابع في جيبه وراحت تضعه في كفه ثم تقول بانهيارٍ:
-خُد اقتلني.. اقتلني وامسح الفيديو دا.. اقتلني وأموت وأنا شريفة.
رمقها بنظرات خاوية من التعبير ولكنه لأول مرة يهتز داخله ندمًا على شيء، ظل متصلبًا في مكانه من حديثها للحظات وما أن أدرك صمته على ما تفعله هي من جنونٍ حتى نزع سلاحه منها بقوة ثم هدر بغيظ:
-الفيديو دا محدش هيشوفه طول ما إنتِ مش هتفتحي بؤك.. هو أصلًا محدش شافه غيرك.. وأنا هدفنه في بير محدش هيعرف له  طريق وإنتِ بقى مُخيرة يطلع للناس ولا لأ.. اتفاقنا إنك متفتحيش بؤك واسم تيم دا إنتِ مسمعتيهوش قبل كدا.
أومأت إيجابًا في ذعرٍ بينما أكمل هو بابتسامة باردة تليق بملامحه الجامدة والخالية من المرونة:
-دلوقتي تقدري تستعدي.. بعد الفجر هتتحركِ مع واحد من الرجالة، هيوصلك مكان ما إنتِ عايزة.
نهض من مكانه فورًا وأخذ الحاسوب معه وغادر الغرفة بأكملها وما أن صفق الباب وراءه حتى بصقت على الأرض في قهرٍ ونكران لمشاعر الذُل التي تعيشها.
ظلت تتحرك في الغرفة كشاه مجروحة لا يهدأ ألمها فتتحرك وجعًا في أرجاء المكان والدموع تتساقط من عينيها بغزارة في هذه اللحظة بدت كطفلة رضيعة لن يرضيها سوى رؤية أمها ولن تسكن أنفاسها الهائجة إلا بين ضلعي أمها ودت لو كان هذا كابوسًا وستفيق منه في غضون دقائق ثم ترى وجه والدتها وترتمي بين أحضانها تروي له بشاعة الكابوس وما تعرضت له من عُنف في غيابها.
ولكنها صرخت صرخة جريحة وهي تدرك جيدًا أن ما تتعرض له الآن هو واقعٌ مُحتم عليها أن تعيشه وتتجرع مرارته وصدماته.
هوت بجسدها الخاوي على الأرض ثم ضمت ساقيها إلى صدرها بذراعيها وراحت تدفن وجهها في ساقيها منهارةً من هول ما تتعرض له ولا تستطع مجابهته بجسد هزيل وأطراف تنتفض بشدة.
•~•~•~•~•~•~•~•
-وبعدين بقى، أنا خلاص عقلي هيشت!
أردفت "عزيزة" بكلمات نافدة من الصبر يتخللها كم هائل من الخوف والرعب على غياب ابنتها، ظلت تضرب ساقيها بقوة وهي تتشدق ببعض الكلمات المرتابة وعيناها لا تنزل عن رؤية الساعة القابعة على الحائط، كان عجزها يؤذيها فهي ليس لها من يعينها على مصابها أو تستند عليه بحثًا عن ابنتها الغائبة ولا أحد في هذا الزمان يحفل بشؤون غيره أو يهتم بمصابهم.
وهنا حسمت أمرها أن ترتدي جلبابها وتخرج إلى الشارع بحثًا عن ابنتها بنفسها علها تجد من يرأف بحالها ويكون عونًا لها في الأمر.
هرولت إلى الشارع وفي يدها الفتاة الصغيرة هائمةً على وجهها لا تعرف لمن تلجأ ولمن تشكي حالها؛ فذهبت في الحال إلى القهوة وبدأت تسأل عن الشاب الذي يساعدها في توصيل الطلبيات عله يتمكن من البحث عن ابنتها وكان هذا هو الحل الوحيد بالنسبة لها.
حاول الشاب إيجاد بعض الحلول وطلب منها تذكر العنوان مفصلًا أو رقم الهاتف ولكنها لا تستطيع ذاكرتها أن تُسعفها وهنا قال الشاب بتنهيدة يائسة:
-هي غايبة من كام ساعة بالظبط؟!!
عزيزة بصوت متحشرج:
-سبع ساعات!!
الشاب بحسمٍ:
-يبقى كدا مش قدامنا غير إننا نعمل محضر تغيب والبوليس يقوم بدوره وربنا يردها لك في أقرب وقت.
انسكبت الدموع من عيني "عزيزة" التي شهقت شهقة طويلة يملأها الألم والحسرة ولكنها قررت أن تلجأ للحل الأخير.
•~•~•~•~•~•~•
-إنتَ بردو ماشي بدماغك يا تيَّم؟! مش المفروض البت دي تكون ميتة دلوقتي؟!
أردف الرجل ذو الحلة السوداء الرسمية أثناء جلوسه على كرسيه واضعًا قدمًا فوق الأخرى ينفث دخان سيجارته الإلكترونية بغيظ وضغينة؛ فيما أجابه الأخير وهو يقف أمامه منتصب القامة شامخًا كعادته المهيبة التي لا تعرف الانحناء:
-البنت كانت بتوصل طلبية أكل للقصر ودا أنا بلغتك بيه قبل كدا يا باشا.
الرجل يصر على أسنانه مُجيبًا بحزمٍ:
-وحظها الوسخ إنها شافت كل حاجة يبقى مصيرها زيهم بالظبط.
سكت هُنيهة ثم قال بصوت أجشٍ:
-البت دي لو اتكلمت هيبقى مصيرنا المشنقة، قولت لك مليون مرة مينفعش حياتنا تبقى واقفة على كلمة من أي بني آدم مالوش لازمة على وجه الأرض.. إنتَ فاهم إن عيلة زيّ دي عُمرك كُله بين كفوفها وعلى لسانها!!!
اِفتر ثغره عن ابتسامة ساخرة من جانب فمه وقال ساخرًا:
-اوعى تقول إنك خايف عليا وعامل على مصلحتي والشغل الرخيص دا، أنا عارف إنك خايف على رقبتك من حبل المشنقة أما بالنسبة لي أنا راجل وحيدة لا عندي أم ولا أب ولا عيلة ولا حاجة أخسرها أصلًا.
في تلك اللحظة وضع كفه داخل جيب بنطاله ثم أخرج علبة السجائر مُلتقطًا منها واحدة، أعاد العلبة داخل جيبه مرة أخرى ثم وضع السيجارة بين شفتيه وراح يميل بجسده قليلًا مُقتربًا من الرجل الذي أمسك بقداحته ثم أشعل سيجارة الأخير؛ وهنا قال تيَّم وهو يأخذ نفسًا عميقًا:
-تحب تسمع قراري الأخير!
اعتدل في وقفته شامخًا بينما تابع الرجل بغيظ وقد فهم قراره قبل أن يمليه عليه:
-إنك هتسيب البت تمشي!!
حرك بإصبعه السبابة يمينًا ويسارًا قبل أن يتابع بصرامة:
-ومش بس كدا.. روح البت دي قصاد روحك.. أيه رأيك في القرار؟!!
انبسطت عقدة حاجبي الرجل الذي تابع باندهاش:
-ودا تفسيره أيه يا سفاح؟! لو مكنتش أعرفك كُنت قولت إنك وقعت!!.
تيم بحنقٍ:
-اللي زيّ البت دي الحياة دعكاهم.. هم عايشين في الدنيا دي ميتين.. الموت كلمة مش بترهبهم بالعكس دا بيتمنوه علشان فيه راحة ليهم.. مش هيبقى إحنا والدنيا عليهم!
الرجل بتصفيق ساخر:
-بقيت فيلسوف يا سفاح، وأيه كمان؟!
تيم بابتسامة جامدة:
-الناس دي ميراثها الوحيد من الدنيا هو شرفها وسترها.. حاجات اللي زي أمثالنا باعوها من زمان.. خلاصة الكلام البت دي هترجع بيتها في ظرف 24 ساعة ومن غير ما حد يتعرض لها من رجالتك.. خلينا حبايب يا وزير!!!
أومأ الرجل وقال:
-اعتبره حصل.. بس إنتَ كدا مش بتبيع عشرتنا علشان بت لا تعرف أصلها ولا فصلها!!
تيم بصوت حاد:
-أنا معرفش حاجة اسمها أصل وفصل يا وزير.. أنا بقرا البني أدمين وأبص في عينك أعرف آخرك أيه وأعرف بردو بتفكر فيا إزاي.. زيّ ما أنا قاري أفكارك دلوقتي وعارف إنك هتغدر!!
رمق الرجل بنظرة حادة وهو يرمي عقب سيجارته بالأرض ويدعسها بقدمه بكُل ما أوتي من قوة ليرمي له كلمته الأخيرة قبل أن يخرج:
-متحاولش.. دا علشانك.
أنهى حديثه وغادر على الفور وسط نظرات الأخير الحانقة والعدوانية له.
•~•~•~•~•~•~•~•~•
كانت الغرفة مُظلمة تمامًا ولا يوجد سوى بؤرة نور خافتة تأتي من فتحة ناتجة عن كسر في خشب الشباك الوحيد بالغرفة، لا تحتوي الغرفة على أثاث كثير؛ فقط سرير، دِكة خشبية، حصيرة، ثلاجة قديمة  وقارورة مياه كبيرة من الفخار.
احتوت الغرفة أيضًا على زحمة من الأفراد حيث يعيش فيها سبعة أفراد يتراصون بجوار بعضهم البعض بالأرض وآخرون على السرير، أمسك هاتفه بين يديه بحماسٍ ولهفة بعد أن جاب ببصره الغرفة وتأكد أن الجميع غط في سبات عميقٍ ولن يشعر به أحدٌ، ضوى بريق اللهفة في عينيه وهو يتصفح أحد المواقع الخاصة والمميزة بالنسبة له حيث يتردد عليها يوميًا دون انقطاع ويرى في المادة التي يعرضها راحة له.
بدأ يتصفح الموقع بغريزة جامحة للوصول إلى جديده؛ فهو لا يفوت فيديو على هذا الموقع لا يشاهده بمتعة ونشوة؛ ازداد بريق عينيه حينما رأى تحديثات جديدة لفيديوهات أخرى وبفرحة عارمة قام بوضع سماعة الأذن وبدأ يشاهد هذه الفيديوهات بغريزة جامحة وقد هاجت مشاعره وشعر بسخونة تسري في أنحاء جسده والعرق بدأ يتصبب قطرة وراء الأُخرى؛ لقد أدمن على المواد الإباحية وأصبح لا يطيق فراقها ولم يعُد قادرًا على لجم جماح رغبته التي تشتعل يومًا بعد يومٍ؛ فقد اقترب من عامه الثلاثين ولم يتزوج بَعد وبسبب ضيق المعيشة والفقر المدقع لا يستطيع أن يتخذ مسلكًا حلالًا؛ فكان هذا مُبرره لتخفيف آلام الشعور بالذنب بل ويرى في هذا حق له.
ابتلع ريقه بانسجام واستمتاع ولكنه انتفض فجأة في رهبة حينما سمع صوت والدته تتساءل بدهشة وضيق:
-حسن!!.. إنتَ لسه ما نمتش يابني!!!!!
يتبع
#حَرم_السفاح
#علياء_شعبان

حَرم السفَّاح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن