رواية #حرم_السفاح
[[الفصل الثاني عشر]]
"مناوشة"
•~•~•~•~•~•~•~•
"لا يذل الطاغية إلا مثله، كذلك يضرب الظالم بالظالم، ودهائي مقابل قوتهم".
•~•~•~•~•~•~•
استخرجت من الفريزر قطع من الدجاج الجاهزة على القلي فقط، كانت والدتها قد أعدت القلقاس ووضعته في الثلاجة، قررت "سبأ" أن تقوم بطهي الأرز بجانب هاتين الأكلتين حتى لا تتأخر عليه بينما يتصور جوعًا، اندمجت في إعداد الطعام له وكلما تذكرت أن هذه المرة الأولى التي تطهو الطعام من أجله اتسعت ابتسامتها وبرقت أضواء عينيها تلمعان بحماسٍ شديدٍ وترقبٍ، أنجزت الطعام في أقل من نصف ساعة ثم رصت الأطباق على الصينية بنظامٍ وسارت عائدةً إلى الغرفة، وما أن دخلت حتى أبصرت زوجها قد غرق في سُباتٍ عميقٍ لدرجة أنه لم يعي على الصوت المزعج الذي يصدر وقت فتح الباب أو قفله، كان "تيم" نائمًا على ظهره باستسلام تام واضعًا الصغير على صدره ويحتويه بذراعيه، كانا ينامان بشكلٍ دافئ وجذاب بعث السكينة والابتهاج على نفسها، تلك هي أفضل لوحة قد تراها عيناها مدى الحياة، بيت هادئ تنبعث منه رائحة الطعام الطيب، زوج يحتضن صغيره وينام في سلامٍ وبلا مخاوفٍ وأم تنتظر استيقاظهما حتى يُعيدان إليها بهجة حياتها!!
قامت بوضع الصينية على الطاولة المجاورة للفراش، ثم اقتربت من زوجها وهمَّت تلتقط الصغير من على صدره حتى يتمكن الثاني من الاستيقاظ وتناول الطعام، قبضت برفقٍ على جسد الصغير وهمَّت ترفعه عن صدر الأخير إلا أنه استيقظ مفزوعًا يقبض بغضب وشراسة على ذراعها، فتكلمت "سبأ" بنبرة هادئة تحثه على التريث والهدوء:
-دا أنا يا تيم.. اهدى!!
أخرج "تيم" زفيرًا سريعًا قبل أن ينزل بعينيه إلى ملامح طفله الحبيب فوجده غائصًا في نوم هانئ، مال بهدوء يلثم وِجنته شديدة النعومة قبل أن يرفع نظراته إليها ويقول بابتسامة هادئة:
-نايم بقالي كتير!!
أومأت سلبًا وهي تلتقط الصغير من بين ذراعيه القابضين على الطفل بقوةٍ وكأنما ثمة من يرغب في تفريقهما فينام "تيم" واعيًا للأمر ومترقبًا لأي هجوم، أرخى ذراعيه عن الطفل فتناولته "سبأ" بحنانٍ بالغٍ قبل أن تنيمه بجوار والده، توجهت إلى الطاولة والتقطت صينية الطعام ثم وضعتها أمامه وقالت بحماسٍ:
-دي المرة الأولى اللي هتاكل فيها من إيدي.
اِفتر ثغره عن ابتسامة ودودة، تفحص الأطباق بعينيه للحظات وما لبث أن غابت ابتسامته فورًا وردد بامتعاضٍ:
-وشكلها هتبقى الأخيرة.
اتسع ما بين حاجبيها دهشةً، فأشاح "تيم" للجهة الأخرى وقال متذمرًا:
-شيلي البتاع دا من قدامي، أعصابي تلفت.
نظرت إلى محتويات الأطباق قبل أن تتساءل بتعجب:
-أنهي بتاع؟! القُلقاس؟؟؟
أومأ مُسرعًا، فانفجرت ضحكة حاولت كأنها قبل أن تلتقط الطبق وتضعه بعيدًا عن ناظريه، ثم تقول:
-يظل سفاح أمام الناس حتى تأتيه الهزيمة في صورة طبق قُلقاس.
لم يستطع كتم ضحكاته، جلجل يضحك وكانت المرة الأولى التي تتراقص فيها معدته من فرط الابتهاج الصادق، قبض مغتاظًا على ذراعها ثم ردد بعد أن هدأ انفجار ضحكاته:
-محدش يعرف سر القلقاس غيرك، أنا جوزك يا ستري وغطايا!!
وضعت "سبأ" كفها على فمها تتحرز من استيقاظ رضيعها الذي قد يحول دون انفرادهما ببعضهما للحظات، كابدت لحظات منهارة من الضحك قبل أن تهدأ ثم تردد بنبرة خافتة:
-كدا عرفت الأكلة الرسمية لخناقاتنا، ودا يعلمك إنك متفكرش تزعلني أو تخانقني.
تيم وهو يردد قبل أن يلتقط كفها ويقبل باطنه:
-لا وعلى أيه، قلبك أبيض يا أم غيث.
مطت شفتيها في هذه اللحظة وهي تردد بتنهيدة منهزمة:
-بس أنا كدا مش عارفة أيه اللي بتحبه وأيه اللي مش بتحبه!!
-هعلمك.
قال كلمته قبل أن يتسلل إليهم صوت "حُسن" التي تصرخ منفعلةً غاضبةً، قطب ما بين عينيه فيما تكلمت "سبأ" باستغرابٍ:
-خالتو حُسن!!!
هرعت "سبأ" نحو الشرفة فأبصرت خالتها ووالدتها وباقي العائلة متجمهرين أمام الباب، بينما تصرخ "حُسن" باحتدامٍ شديدٍ، عادت داخل الغرفة ثم هرعت صوب الباب بعد أن ارتدت عباءتها وحجابها وقالت بقلقٍ:
-في مشكلة حصلت تقريبًا.
تحرك "تيم" خلفها يهبطان الدرج إلى أن وصلا حيث يتجمع البقية أمام الباب، نظر "أنس" بسخطٍ نحو شقيقه الذي أخبر والدته بقيام خاله "عصام" بلطم خد "أنس"، جن جنونها وغل الغيظ في صدرها، كيف تجرأ "عصام" على ضرب أكبر ابنائها؟ هل الرجال يُضربون؟ لقد نفد احترامها وتقديرها لكونه أخيها بعد تجرئه وتعديه على ابنها الأسد، فلم تربه وتعلمه وتجعل منه رجلًا لا يأبه من الأمور شيئًا، فيأتي من لا قيمة له ويُقلل من كبريائه، لقد سكتت كثيرًا على ظلمه لها وشقيقتها ولكنها لن تصمت إن طال ظلمه أبنائها.
-يا أمي، خالي وضربني، عادي بتحصل!!
أردف "أنس" بتلك الكلمات وهو يطبطب على كتف والدته محاولًا إقناعها ببساطة الأمر، إلا أنها صاحت باختناقٍ:
-يضربك يعني أيه؟! إنتَ مش مالي عينه، راجل ملو هدومك وظابط تملا عين التخين، إزاي تسمح له يضربك!!
نفخ "أنس" بقوةٍ قبل أن يلتفت إلى "مُنذر" ويصر على أسنانه متوعدًا له بالكثير، تدخلت "عزيزة" في هذه اللحظة وقالت تهدأ من روعها:
-اهدي يا حُسن، دا مهما إن كان خاله، يعني يرد له الضربة!!
قامت "حُسن" بدفع الجميع من أمامها في غيظٍ قد انفجر من زمن، قبل أن تمشي صوب بيت أخيها الذي لم يكُن يبعد كثيرًا عن بيتها، حاول "أنس" منعها ولكنها حذرته من ذلك وإلا غضبت عليه للأبد، تركوها تذهب وتفضي غضبها مما حدث ولكن ما قد يفعله "عصام" غير متوقعٍ، لذا اندفع ولداها خلفها، فصاحت "أمل" تفرك كفيها بتوترٍ وهي تتحدث إلى شقيقتها الأخرى:
-أمال فين حاتم ابنك يا حنان لتقوم عاركة!!
حنان وهي تزفر بقلقٍ:
-في شغله.
رفع "تيم" أحد حاجبيه قبل أن ينظر إلى زوجته ويتساءل باستغرابٍ:
-عاركة؟ هم مش إخوات وهيتعاتبوا؟؟
أومأت "سبأ" سلبًا وقالت بنبرة حزينة:
-خالي عصام بينه وبينها مشاكل كبيرة، وعنده رجالة وحراس بيدخلهم في كل مشكلة بتحصل معاه ومش بيفرق معاه هي أخته ولا حد غريب.
اندهش مما سمع، قرر "تيم" اتباع الشابين ومراقبة ما يجري عن كثب حتى إذا استدعى الأمر تدخله، فعل.
تحرك خلفهم ثم جلس إلى أحد كراسي القهوة المقابلة لبوابة البيت المقصود، فنجل الصبي المسؤول عن الخدمة بالقهوة عينيه ووسعهما يتابع ما يجري، رفع "تيم" بصره إليه وقال بلهجة حادة:
-لسه بنجهز الحَلبة، عقبال ما تعمل لي كوباية شاي يكون الماتش بدأ.
نحا الصبي ببصره إلى "تيم" الذي صاح بغيظٍ:
-إنتَ لسه واقف؟؟ شاي!!
أومأ الصبي ودخل، وضع "تيم" قدمًا فوق الأخرى، بينما ظلت " حُسن" تطرق على البوابة لمدة من الوقت حتى خرج "عصام" أمامها بملامحٍ غاضبةٍ، وفي هذه اللحظة صرخت فيه "حُسن" بغضبٍ شديدٍ:
-إنتَ إزاي تمد إيدك على ابني يا عصام؟؟ ولا لسه متغاظ إنه علم على رجالتك وبهدلهم قدام أمة لا إله إلا الله، ولا تكون فاكر إن سكوتنا على ظلمك لينا أنا وأخواتي البنات وإنك تاكل علينا ورثنا وحقنا وحق ولادنا هيخليني أسكت لمَّا تفكر تقل من قيمة راجلي وابني!!
وقف "عصام" أمامها شامخًا ثم تكلم بلهجة صارمة:
-قولي لابنك يقعد في حارة عصام شرف الدين القط بأدبه وفي حاله.
جلجلت بضحكة ساخرة قبل أن تقول بلهجة حادة وعالية:
-الحارة دي حارة شرف الدين القط وأخوه عبد الواحد.. اوعى إنتَ تنسى إن عيالي هم نسل القط لحم ودم وغصب عنك.. يعني اسم العيلة مش مُقتصر عليك إنتَ وابنك.. عيالي معاكم.. يعني مش لوحدك ابن القط.. ولادي هم كمان ولاد ناصر عبد الواحد شرف الدين القط.. عايشين بحس وسُمعة أبوهم وأجدادهم.. أما إنتَ فملكش علينا جمايل.
جاءت زوجة "عصام" وكذلك "هاجر" ابنته وشقيقها "بشار"، كانوا يقفون خلف "عصام" يتابعون ما يجري بترقب، احتدت نبرة "عصام" وقال بعصبيةٍ:
-خافي على عيالك واشتري سلامتهم يا حُسن وامشي من هنا، وحذاري ابنك دا أو دا يقربوا من عيالي وبالأخص هاجر.
تكلمت "حُسن" بلهجة شديدة:
-عندك حق دا غلط ابني، إنه بيحابي على اللي له وفاكر كل الناس أصحاب مبادىء وأخلاق زيه.
صاح "مُنذر" الذي استشاط غضبًا بلهجة حادة:
-بنتك عندك أهي.. لو اشتغلت رقاصة وكان معايا فلوس ساعتها هبقى أرميها عليها.. يكش عنها ما اتربت خالص.. هنستنى الرباية من واحد نصاب بياكل حرام!!
تقدم "عصام" من "مُنذر"، رفع ذراعه وهمَّ أن يصفعه ولكن الأخير كان فطنًا بردة فعل مثل هذه، فأسرع يقبض على ذراع "عصام"، ليتدخل "بشار" في الحال، قام بدفع "مُنذر" بحركة ثائرة يحثه على ترك ذراع والده في اللحظة التي هرع مجموعة من الرجال الخاصين بـ "عصام" من أجل التدخل، قام أحدهم بالقبض على ذراعي "مُنذر" وكذلك فعل آخر مع "أنس"، بينما صرخت "حُسن" في وجه أخيها بحقدٍ:
-إنتَ بتسيب كلابك على ولادي؟! مش مكفيك الفقر اللي رامينا فيه وإحنا حقنا اللي عندك يعيشنا في قصور، كمان بتمارس سلطتك على عيالي بشوية كلاب حراسة!!.
عصام وهو يصيح فيها باستنكارٍ:
-أنا اللي شقيت وتعبت أجمع الأملاك والعز دا كله مع أبويا، البنات مش بتورث، خُدي عيالك وامشي يا حُسن واشتري سلامتهم للمرة التانية، أنا مش مسؤول عن أي غشم هيحصل من الرجالة.
تكلمت "هاجر" تقول بصوتٍ مخنوقٍ متهدجٍ:
-دول أنس ومُنذر يا بابا، عيال أختك، إنتَ إزاي بتدخل حد بينكم!!!
حدجتها والدتها بنظرة جامدة قبل أن تدفعها بقوةٍ حتى تدخل بينما صرخت "هاجر" باختناقٍ شديدٍ:
-أنا مُعترفة إني غلطانة وأنس صح.. فضوها سيرة بقى!!.
انفلتت ضحكة ساخرة من فم "مُنذر"، فقال باستهجانٍ:
-إنتَ بتخوفنا برجالتك؟؟!
عصام بحدة:
-بخوفك ولازم تخاف يا مُنذر ويلا خُد أمك وأخوك وامشوا من هنا.
حُسن بنبرة غاضبة:
-حسبي الله ونعم الوكيل فيك يا عصام.
تكلم "مُنذر" في هذه اللحظة بلهجة عدوانية:
-تمام.
التفت ببطء فظن الجميع استسلامه، إلا أنه أفلت ذراعيه وقبض مُسرعًا على ياقة الرجل وطفق يكيل اللكمات العنيفة إلى وجهه، كذلك فعل "أنس"، أخذت "حُسن" تصرخ بعويلٍ، وقف "بشار" على جنب وقد استعصى عليه الأمر في صف من يبقى؟! هل رجال والده أم أبناء عمته وأصدقاء طفولته؟؟، مسح على وجهه باختناقٍ شديدٍ وقرر الانسحاب من هذه المهزلة فدخل إلى البيت على الفور وسط كلمات والدته الساخطة عليه وحثها له على مؤازرة رجال والده ضد هذين الشابين، فصاح "بشار" مختنقًا:
-أنا مش هدخل عاركة ضد أنس ومُنذر ولا هكسر بخاطر عمتي علشان أرضيكم، اللي بيحصل دا مهزلة أنا مش هشارك فيها، لأني لو شاركت هكون في صفهم ووقتها مش هخلص من أبويا واللي هيعمله معايا.
انصرف من أمامها ساخطًا، انتفض "تيم" من مكانه على الفور ثم هرع إلى ذلك الرجل الذي يلف ذراعه حول عُنق "مُنذر"، أسرع "تيم" بالقبض على وجهه ثم ركل ساقه بغتة فسقط الرجل بالأرض، قام بالضغط على عنقه فتفاجأ باقتراب رجل آخر منه لإنقاذ زميله، بقى كفه يضغط على عنق الأول وبالكف الآخر أصاب معدة الثاني الذي تأوه ومال جذعه العلوي قليلًا فاستطاع "تيم" القبض على عنقه بكل سهولة، وأصبح يقبض على عنقين في آن واحد، بينما انشغل كلًا من "مُنذر" و "أنس" بالعراك مع باقي رجل "عصام"، لاحظ "عصام" انضمام رجل غريب إليهما، فصاح موجهًا حديثه إلى "تيم":
-إنتَ مين؟!!!
قام "تيم" بجذب الرجل حتى تمدد بجوار زميله وبقيت قبضتيه تحاصران عنقيهما، رفع بثباتٍ بصره نحو "عصام" وردد:
-السفاح.. إزيك يا أبو النسب؟!، معلش بقى بنتعرف في ظروف مهببة زي وشك، وبعدين عيب يا حاج، دي مشاكل عائلية ما ينفعش تدخلوا الناس بينكم!!
جاء "حاتم" مهرولًا من بعيدٍ على أهبة الاستعداد للهجوم ومؤازرة أبناء خالته، لحظات أخرى ولم يستطع "بشار" الاستمرار في بقائه على الحياد أكثر من ذلك، حيث خرج مهرولًا من باب البيت ثم انقض على أحد رجال أبيه وبدأ يلكمه بغليلٍ شديدٍ، أصبحوا خمسة رجال مقابل خمسة، وتبينت النتيجة بوضوحٍ قبل أن تنتهي الحرب، حدق "عصام" في ابنه مصدومًا قبل أن يصرخ في رجاله بالانسحاب، توقف الشباب عن الضرب فتراجع رجال "عصام" فورًا، ابتلع "بشار" ريقه على مهلٍ حينما أبصر النيران الناشبة في نظرات والده له، بينما التفت الشباب إليه يمدحون عدم تفريطه بهم بنظرات فخورة صامتة، وهنا تكلم "عصام" بلهجة جهورية:
-بشار!!!
رفع "بشار" بصره إلى والده الذي صاح بلهجة شديدة الغضب والانفعال:
-والله يا ابن الكلب ما هتطول مني جنية تاني، ولو شوفت وشك في البيت، هقطع لك رجلك، خليهم ينفعوك.
التفت إلى رجاله وأشار بأصابعه فغادروا، توجه "عصام" على الفور بالدخول إلى بيته ثم صفق الولاية خلفه بقوةٍ، برق "بشار" بعينيه يستوعب ما حدث لثوانٍ قبل أن يندب حظه:
-يا حاج!!.. يا حاج طيب مصاريف الدروس!!.. طيب هبات فين طيب!!.
قرر "تيم" العودة إلى زوجته، وصار الشباب من بعده عائدين، بينما تحركت "حُسن" نحو "بشار" ثم رددت بنبرة هادئة:
-أينعم أبوك نصاب وواكل ورثنا.. بس عمتك موجودة يا واد.. ولا يهون عليَّا أفرط فيك.. يلا تعالى!.
زفر "بشار" بضيقٍ قبل أن تضع "حُسن" ذراعها على كتفيه وتسير به إلى البيت، هرعت "حنان" إلى "تيم" ما أن رأته عائدًا من بعيدٍ ثم وقفت أمامه ورددت بفضولٍ وثرثرة:
-أيه اللي حصل يا أستاذ سفاح.. احكي لي بالتفاصيل.. عملتوا أيه مع رجالة عصام؟.. حاكم أنا أحب التفاصيل أوي!!.
رمقها "تيم" بنظرة ساخطة قبل أن يتجاوزها متابعًا سيره دون أن ينبس ببنت شفةٍ وكأنها ذرة هواء اخترق جزيئاتها ومر، وصل إلى زوجته التي وقفت على عتبة البوابة تنتظر قدومهم وما أن أبصرته حتى تساءلت بقلقٍ:
-إنتوا كويسين؟!
أومأ بهدوء، قبل أن يطوق كتفيها بذراعيه ثم يسير بها صوب درجات السلم ويستكمل بثباتٍ:
-كُنت عايزة تعرفيني على أفراد عيلتك مش كدا؟؟
أومأت تزوي ما بين عينيها، فأكمل بابتسامة ساخرة:
-بس أمك وأخواتها البنات في بينهم عامل مشترك كبير، لو واخدة بالك منه!!
أومأت سلبًا وتساءلت:
-خالص.. مفيش واحدة شبه التانية.
تيم بضحكة ماكرة:
-لأ إزاي بقى.. العامل المشترك بينهم إنهم نسوان عايزة الحرق.. أمك مرا وَشاشة.. خالتك حُسن مرا قادرة.. خالتك حنان مرا رطاطة.
انفتح فمها على وِسعه وما هي إلا لحظات حتى قالت:
-وخالتو أمل!!
-اللي كانت عاملة زيّ الحَمل الوديع وبتعيط على جنب دي؟!.
أردف يتساءل بهدوء، فهزت رأسها، ليستكمل هو بابتسامة ماكرة:
-مرا نواحة.
•~•~•~•~•~•~•~•
في صبيحة اليوم التالي، دغدغت نسمات الهواء العليل خديه وتحركت أهدابه حينما تسلل صوت زقزقة الطيور إلى سمعه، فتح عينيه بجفنين متراخيين وأول ما أبصر كان "وجهها"، أقسم في نفسه وقتئذٍ بأن هذا الصباح هو أفضل الصباحات التي شهدتها سنوات عمره بأكملها والتي خلت دومًا من منظر خلاب كرؤية شخصه المُفضل ينام ساكنًا بجواره دون صعوبات أو حواجز تحول دون تأمل براءة تطغى على ملامحها، بقى ثابتًا يُطالعها بنظرات عميقة ومُتفحصة، ود لو أن عينيه كاميرتان تستطيعان التقط صورًا لها تُحفظ على جدران ذاكرته أبد الدهر!!
تجاوز التطلع إليها، يتأكد بأن الصغير الذي ينام بجوارها لم يستيقظ بَعد، عاود التحديق بها قبل أن تمتد أنامله تتحسس خصلات شعرها المُموجة، في هذه اللحظة، شعر بحركة تأتي من الخارج، فمال بوجهه قليلًا لا ثمًا وِجنتها ثم بدأ ينزل بروية وهدوء عن الفراش كيلا يزعجهما، مشى بخطوات وئيدة متباطئة حتى فتح باب الغرفة وخرج منه، رفع أحد حاجبيه وسار بثباتٍ نحو الحمام ولكنه رأى "عزيزة" تقف أمام الموقد لإعداد وجبة الفطور، أراد أن يتجاوزها مُضيًا إلى الحمام دون أن يحتك بها ولكنه تذكر ما جاء به "الزير" تلك الليلة، فلم يستطع السيطرة على استفزاز غضبه كلما يراها واقفةً أمام عينيه، تراجع عدة خطوات ثم استدار ودخل من باب المطبخ، تحول بصرها إليه، فانكمشت صفحة وجهها بضغينة فجأة، ابتسم "تيم" ببرود رغم علمه بانزعاجها حينما رأته، أسند جسده إلى الباب وعقد ذراعيه أمام صدره، وقال بنبرة هادئة:
-صباح الخير يا حماتي!!
تلوى شدق "عزيزة" التي ردت باقتضاب:
-أهلًا.
امتد بصره نحو الصحن القابع على النار ثم قال بابتسامة مُستفزة مُحافظًا على هدوئه:
-هتعملي لنا فطار أيه؟!، أبقى زودي الليمون على طبق الفول دا علشان دا كيف عندي، ويا سلام بقى لو فركتِ عليهم طعمية، صدقيني هنسى لك كل عمايلك السودا.
رمقتهُ "عزيزة" بحنقٍ قبل أن تقوم بتقليب الفول وهي تردد:
-لو تقصد إني بلغت عنك، فلازم تفهم إني مش ندمانة ولو الزمن رجع بيَّا تاني، كُنت بلغت عنك تاني، ولو كان بإيدي كُنت قتلتك قبل ما تلمس بنتي وتغتصب براءتها وتوسخها بحمل لأنك شخص أناني ودا المتوقع من قتال قُتلى زيَّك.
انفلتت ابتسامة ساخرة من شفتيه، وقال يراوغها:
-على حد علمي، تاري معاكِ مش بس لأنك بلغتي عني، بالعكس مفيش أسهل من إني أتجاوز حركة غدر زيّ دي لأن الغدار مينفعش نرمي نفسنا في حضنه عشمانين في الأمان، بس أتجاوز عن حبوب السقط إزاي؟!.
توقفت عن تقليب الفول، سيطرت المُفاجأة فورًا على وجهها، نظرت جاحظةً أمامها قبل أن تبتلع ريقها على مهلٍ بينما يتابع "تيم" بلهجة شديدة الحدة:
-حماتي العزيزة عزيزة اللذيذة، حبوب السقط مجابتش نتيجة مع شِبل أبوه، دي مش إشارة لحاجة؟!.
-إن الواد ابني، غتت زيي، وحالف بالله ليجلطك، بس صعبانة عليا رغم الحربئة، فكرة إن عدوك يتكاثر كدا وتلاقي حواليكِ منه سفاحين صغيرين، فكرة ترعب، بس الأنيل من أني بتكاثر.. إن إنتِ تيتا السفاحين.
ألقت الملعقة من يدها بعصبيةٍ مكبوتةٍ، وتحركت منفعلةً صوب باب المطبخ، فأبى أن يسمح لها بالخروج مُعترضًا طريقها وردد بلهجة حادة:
-طيب بلاها من حوار حبوب السقط اللي كانت بتتحط لمراتي في أي حاجة بتشربها، فسري لي يطلع أيه تعاونك مع كلاب السكك علشان يخطفوا ابني!!!
ارتجف جسدها بأكملها ونظرت جاحظةً في نتوء داخل عينيها، كيف علم بهذا الأمر؟ فلم تُخبر أحدًا بما فعلته ذلك اليوم، فك "تيم" عُقدة ذراعيه ووضع كفيه على كتفيها يضغطهما بقوةٍ قائلًا بنبرة نارية:
-ابني آذاكِ في أيه؟!.
نبج صوته بصورة أكبر وهدر في وجهها يكرر سؤاله بصيغة أخرى:
-حفيدك دا ولا لأ بعيد عن إنه ابني؟! بتنتقمي منه لمين؟ هان عليكِ عيَّل ضعيف ما يملُكش أدنى علم بطرق الدفاع عن نفسه ورمتيه بين قتالين القُتلى؟ اختلفتِ أيه عني وعنهم؟ الحاجة الوحيدة اللي مبينة قدام الناس إنك أحسن مني.. إنك مُدعية للمثالية.. وإلا أنا وإنتِ منفرقش عن بعض كتير.
أسرعت "عزيزة" بدفع كفيه عن كتفيها، سيطر الغضب على ملامحها ثم تكلمت ساخطةً تعترف أمامه بكُل شيءٍ دون مواربة:
-أيوة أنا كنت بحط لبنتي حبوب سقط في شعورها الأولى وأنا اللي سلمت "غيث" للمُمرضة علشان تاخده لدار أيتام وبنتي تفتكر إنه اتخطف وتفقد الأمل في رجوعه وبعدين ميبقاش في أي حاجة تربطها بيك تاني، هل فاكر إن كُل دا كان بالسهل عليَّا؟!!
حدق فيها بعينين ناريتين وصاحب مغلولًا:
-ليه؟!
أردفت بغيظٍ وضغينةٍ يفوحان من بين حروف كلماتها القصيرة:
-إنتَ بقيت أب وقريب أوي هتفهم.
قام بالقبض على ذراعها بشراسة وصرخ:
-بسألك ليه؟!
هتفت "عزيزة" بسخطٍ ونبرة متهدجة:
-علشان مش عايزة بنتي تعاني بجوازها منك، أعدائك عاملين زي خلية النحل مش بيخلصوا، ليه بنتي تروح ضحية جوازها من سفاح؟؟ ليه مسبتهاش في حالها؟ استفدت أيه من وجود عيل بينكم؟ إنتَ عارف وأنا عارفة إن سبأ طول ما هي على ذمتك ميتة هي وابنها، إنتَ حرقت قلبي على أغلى ما ليَّا، انتهكت براءتها بأنانية وخليتها تخوض تجربة كانت المفروض تعيشها بطريقة أحسن من دي ومع شخص يستحقها، إنتَ الجُزء المُرعب في قصة بنتي.. إنتَ أذى.. أذى مش عارفة أدفعه بعيد عنها.
ابتلع كلماتها المُرة بغصة حرقت قلبه، فكر للحظاتٍ في صحة اعترافاتها من خطأها، هل تصرف بأنانية حينما أراد استكمال حياته مع امرأة أحبها لأن الحُب لا يليق برجل عنفواني مثله، يحوم حوله الأعداء في تربص؟! يتحينون الفرصة المناسبة لإنهائه وإنهاء كل ما يخصه؟! أصاب زلزال عنيف جدران قلبه حينما تخيل أن تطولها براثن أعدائه فيتخلصون منها ويُبقونه بلا روح، مسح مُسرعًا على غُرة شعره قبل أن يقول بلهجة حانقة:
-دا المكتوب في أقدارنا يا حماتي.. مكتوب إن سبأ لتيم السفاح.. إن سبأ هتخلف عيال لتيم السفاح.. ومكتوب في قدرك إنك ستهم.. يبقى إنتِ مُجبرة تحبيهم.. مُجبرة تحميهم.. ومفيش حلول تانية قدامكم.. حبي ابني.. حبي كل تفصيلة ناتجة من علاقتي ببنتك.. غيث جه نتيجة حُب مش غصب.. حبيه وخافي عليه.. اوعي تاني مرة ترمي ابني وكأنه حتى لحمة للكلاب.. اوعي تزعليني منك.. ماشي يا تيتا؟!.
نكست رأسها بالأرض في مرارةٍ، كان اتخاذ القرار في هذا الأمر قاسيًا وقاتلًا ولكنها لم تجد بُدًا من التخلص من آخر خيط يربط عُنق ابنتها بهذا السفاح، ولكن ما فعلته بالصغير كان يؤرقها كل ليلةٍ، رفعت بصرها مرة أخرى حينما جاءت "سبأ" حيث يقفون، زوت ما بين عينيها وتساءلت بشكٍ:
-مالكم واقفين كدا ليه؟!.
توجهت "عزيزة" بنظراتها إليه، كان الارتياب مسيطرًا على نظراتها خشيةً أن يكشف عمَّا فعلته بها وبالصغير، رفع "تيم" أحد حاجبيه يرمقها بنظرة جامدة قبل أن يلتفت إلى زوجته ويقول بابتسامة ثابتة:
-كُنت بشرح لها طريقة أكلها بحبها، المهم دلوقتي، البسي ولبسي غيث، هنروح بيتنا.
قرَّب كفه يمسح برفقٍ على وِجنتها، زمت شفتيها في استغراب ورددت:
-بيتنا؟! إنت لحقت تلاقي مكان نسكن فيه؟!.
خرجت من بين شفتيه ابتسامة بسيطة وردد مستنكرًا:
-نسكن وعندنا قصر؟ طب دا كلام، يلا اجهزي يا أم غيث ونتكلم وإحنا في الطريق!.
اندلعت نيران الغيظ داخل صدر "عزيزة" التي هتفت بضيقٍ متوارٍ:
-من أول يوم قررت تبعدها عني؟! الشقة كبيرة وتساعنا كلنا خليكم قاعدين معايا!!.
تيم بلهجة حاسمة:
-هبقى أجيبها لك هي وغيث يوم في الأسبوع يقضوه معاكِ وتشبعِي شوقك ليهم، مفيش حاجة اسمها نعيش معاكِ، إحنا بقينا تلاتة، يعني أُسرة، ولازمنا استقرار.
أومأت "سبأ" ثم مالت إلى والدتها وقبلت وِجنتها قبل أن تلتفت متوجهةً إلى غرفتها للاستعداد، رمقها "تيم" شزرًا قبل أن يتجه خلف زوجته مُعلنًا عقد هدنة تجريبية معها، فإن هي تراجعت عمَّا تفعل نسي لها ما ارتكبت في حقه وإن لم ترجع ستنال ما تستحق من ازدراء ابنتها لها والفراق الأبدي بينهما، ويمكنها أن تختار بملء إرادتها، أي الطريقان تسلُك؟!!!.
•~•~•~•~•~•~•~•~•
جلست "زهراء" على ركبتيها أمام الطبلية، تقوم بإعداد شطيرة سريعة تتناولها قبل المغادرة، فقد تأخرت عن درسها من اليوم الأول، نهضت على الفور وبدأت تلتهم الشطيرة في عجلٍ بينما تابع "منار" تحثها على التريث:
-ما تفطري زيّ الناس يا بنتي وبعدين أمشي!!
أومأت "زهراء" سلبًا فيما تكلمت "حنان" تسألها بقلق فطري:
-الدرس دا بعيد يا زهراء؟! وهترجعي إمتى!!
تنهدت "زهراء" تنهيدة ممدودة بعُمقٍ وقالت:
-ماما، بيني وبين الدرس عربية عشر دقايق وبعدين عندي درسين النهاردة يعني أربع ساعات وعشر دقايق رايح وعشر دقايق جاي وعشر دقايق بين الدرس والتاني، يعني إن شاء الله مش هتأخر عن كدا، وبعدين يا أمي اتعودي، أنا مُدرسة ودي طبيعة شغلي، مش أنا بس اللي بعمل كدا، كُل المُدرسين على نفس الحال، أكل العيش مفيهوش قلق.
زفرت "حنان" بضيقٍ وقالت:
-من حقي أقلق، الله أعلم بيوت مين اللي بتدخليها!!
زهراء وهي تميل إلى أمها ثم تقبل خدها وتردد بهدوء:
-بيوت ناس مُحترمة وذوق وراقيين، لا تقلقي.
أومأت "حنان" مُستسلمةً، فأردفت "رضوى" زوجة شقيقها وابنة خالتها:
-تعالي قبل رجوع حاتم، إنتِ عارفة إنه مش عاجبه الحوار من أوله وبيتلكك!!
أومأت بثباتٍ ثم ودعتهن وغادرت، تمكنت بسهولة من ركوب سيارة أجرة قابلتها أول ما وصلت إلى ناصية الشارع، أخذت المسافة أقل من عشر دقائق قبل أن يتوقف السائق وينظر إليها عبر المرآة الأمامية ويقول:
-دا العنوان، ڤيلا المُهندس علي غُنيم.
أومأت "زهراء" شاكرة إياه، نقدته حقه وترجلت من السيارة ثم سارت صوب الباب الذي يجلس أمامه رجل، فبدا حارس المكان، تنحنحت "زهراء" بهدوءٍ وقالت:
-أنا ميس زهراء، ممكن تبلغ أستاذة ميرنا بوجودي!!
أومأ متفهمًا، فقد طلبت منه "مِيرنا" أن يرافق المعلمة التي ستأتي بعد قليل حتى الباب الداخلي، طلب منها أن تدخل ثم سار معها حتى دق الباب وقامت المدبرة باستقبالها بحفاوة وترحيب، بدأت الطمأنينة والسكينة تغلبان توترها، صاحبتها المدبرة حتى غرفة الصغيرة، طرقت "زهراء" برفقٍ على باب الغرفة ثم دخلت بترقب لتجد الصغيرة تجلس إلى مكتبها وتضع الكُتب أمامها وعلى يمينها يقبع مقعد فارغ، أبصرت "زهراء" ملامح ناعمة للغاية وعينين لوزيتين تحدقان فيها من بعيدٍ على استحياءٍ، تبدو صغيرة للغاية، مطت "زهراء" شفتيها بانبهار وهيام بجمال الطفلة من الوهلة الأولى، دخلت "زهراء" على الفور وأغلقت الباب خلفها ثم سارت إلى الصغيرة ذات البشرة البضة والشعر الكستنائي الفاتح الحريري الذي لا يتجاوز طوله كتفيها.
-Hi!!
تكلمت الصغيرة بصوتٍ طفوليٍ له وقع رنان على القلوب:
-Hi.
ذابت "زهراء" مأسورةً في رقتها وجمالها، فتكلمت مرة ثانية وهي تمد يدها للمصافحة:
-My name is miss zahraa, and you?
-Toya.
جاوبتها الصغيرة بابتسامة هادئة، في هذه اللحظة، جاءت "ميرنا" التي دقت على الباب بهدوءٍ قبل أن تتقدم مصافحةً الأخيرة، صافحتها "زهراء" بابتسامة ودودة، بينما التفتت "ميرنا" إلى "تويا" ورددت:
-تويا، العبي شوية مع نانا سامية لأني محتاجة أتكلم شوية أنا والميسر!!
أومأت على الفور ونزلت عن مقعدها ثم سارت خارج الغرفة، التفتت "ميرنا" مرة أخرى إلى "زهراء" وتكلمت بودٍ:
-أنا ميرنا غُنيم، عمة تويا، تويا ليها ظروف خاصة شوية، حبيت تكوني على دراية بيها.
أومأت "زهراء" بتفهم، فأكملت الثانية حديثها:
-تويا عندها خمس سنين، والدتها تركية مش مصرية، وحصل الانفصال بينها وبين أخويا من سنة وتنازلت بالكامل عن حقوقها في بنتها، تويا في العربي ضعيفة جدًا، بقول الكلام دا علشان تكوني على دراية إن هي وارد جدًا متفهمش كلامك لو قولتيه بالعربي، بس إحنا شغالين على تعليمها اللغة العربية ونتمنى أنها ما توجدش صعوبة في قراءته أو فهمه علشان دا مسبب لها مشكلة في التواصل مع كل اللي حواليها أما بخصوص مادتك، فهي بتجد صعوبة في تعلم الانجلش وفق المناهج المصرية اللي بتعتمد اعتماد كلي على الحل، هي متكلمة جيدة للغة بس ممكن لو اتعرض عليها امتحان انجلش مكتوب احتمال كبير أوي تفشل في تجاوزه!!
تنهدت بهدوء وقالت بابتسامة هادئة:
-آسفة إني طولت عليكِ في الشرح، نورتينا.
زهراء ترد بابتسامة هادئة:
-شكرًا.
نادت "زهراء" على الصغيرة مرة أخرى، فجاءت وعادت مسرعة إلى مقعدها، بدأ الدرس، وأُعجبت "زهراء" كثيرًا بذكاء ومهارة الصغيرة، استمر الدرس سهلًا يسيرًا تجتهد "زهراء" على تعليم الصغيرة كيفية الحل إلى أن جاء صوت رجل ما من الخارج، فصاحت الصغيرة بعينين تلمعان بحماسٍ:
-dady!!
اِفتر ثغر "زهراء" عن اِبتسامة ناعمة، بينما نزلت الصغيرة مسرعة عن كرسيها وأثناء هرولتها إلى الباب، قام "علي" بفتحه وهو يصيح باشتياقٍ:
-Toya, I came back.
اقتحم الغرفة فجأة، فنظرت إليه "زهراء" في إحراج وخجل، بينما هرعت "تويا" إلى ذراعيه، قام بضمها بين ذراعيه قبل أن يتراجع بخطواته مرة ثانية ثم يردد باعتذار بالغ بينما بقيت عيناه تطالعها بدهشةٍ:
-بأعتذر جدًا.
غادر الغرفة على الفور وتشبثت الصغيرة بعنقه، حكت "زهراء" مقدمة رأسها بحيرة من تصرفه، ليقطع شرودها دخول "ميرنا" التي تابعت باعتذار:
-أنا آسفة ليكِ جدًا على اللي حصل قبل شوية، والد تويا كان مسافر لمدة شهر وميعرفش إن حضرتك معاها في الأوضة.
أومأت "زهراء" بتفهم، قبل أن تستكمل "ميرنا" بهدوءٍ:
-هروح أجيب الهانم اللي متشعلقة في رقبة باباها ومش عايزة تيجي تكمل الدرس.
ضحكت "زهراء" من عفوية الصغيرة وأومأت مقدرة غياب الأب عن ابنته دون الشعور بالضيق.
•~•~•~•~•~•~•
نظرت "سبأ" حولها بانبهارٍ وشدوهٍ، يزداد إعجابها ودهشتها كل ثانية تنظر فيها إلى القصر وتفاصيله، هل ستعيش هنا برفقة زوجها وصغيرها؟! أخبرها "تيم" بأنهم سيعيشون برفقة أبيه وأمه وبهذا يضمن حمايتهما، كان القصر في عظمته وكأنه يخرج من فيلم تاريخي قديم ولكنه مواكبًا للتطور والأناقة الحديثة، صحبتها "آماليا" إلى غرفة الصغير، فجابت "سبأ" الغرفة بعينيها في سعادة وابتهاج، لتقول "آماليا" بنبرة مُبتهجة:
-يا دوب إن القصر هيكون له روح.. غيث باشا نورنا.. وأم غيث كمان.. عارفة إن تيم بيحب يناديكِ بـ "أُم غيث".
التفتت "سبأ" بنظراتها إليها وقالت بابتسامة واسعة:
-المكان هنا خيالي حقيقي.
آماليا وهي تربت على كتفها:
-ولا يساوي قيمة غيث عندنا صدقيني.. أخيرًا بقى لي صديقة تشاركني يومي وأسراري ولحظاتي بالقصر.
في هذه اللحظة، قامت "آماليا" بالتقاط الصغير ثم وضعته بفراشه الهزاز واستكملت:
-هنيمه في سريره ونكمل جولتنا في القصر، متخافيش هيكون معاكِ زي سماعة صغيرة هتعرف منها إذا صحي أو لأ.
توجهت على الفور إلى الكومود والتقطت السماعة القابعة عليه، ثم حثتها على الانطلاق خارج الغرفة واستكمال جولتهما، على الجانب الآخر، وقف "تيم" أمام مرآة التسريحة يهندم من بذلته السوداء الأنيقة بعد أن حصل على حمامًا دافئًا، أرخى ربطة عنقه قليلًا ثم التقط المشط وبدأ يسرح شعره باهتمام، ليدخل عليه كلًا من "كمال" و "الزير"، صفر "الزير" مازحًا فقد اشتاق إلى هيئة صديقه المنمقة، اِفتر ثغر "تيم" عن ابتسامة هادئة قبل أن ينظر إلى "كمال" ويقول بهدوءٍ:
-الرجالة جاهزين؟!!
أومأ "كمال" ثم أضاف:
-وزيّ ما طلبت بالظبط، كله تمام وزيّ ما خطط له.
ترك المشط ثم التفت ينظر إلى "كمال" بنظرات مُمتنة، قبل أن يتوجه صوب باب الغرفة وقبل أن يخرج، قال "كمال" بثباتٍ:
-خليك حَذِر يا تيم، خلي بالك من نفسك علشان ابنك، إنتَ وعدتني إنها مناوشات بس!!، مش عايزين أي حاجة تصعب علينا الأمور في تخفيف الحكم!!
أومأ "تيم" دون أن يلتفت، تقدم مغادرًا القصر وسار "الزير" خلفه إلى أن خرج من بوابة القصر ليقوم السائق بفتح باب السيارة له، بينما جلس "الزير" مجاورًا للسائق وثمة سيارة أخرى تسير خلف الأولى يوجد بها مجموعة من الرجال الماهرين!!
تحركت السيارتان إلى وجهتهما، لم ينقضِ سوى بضع دقائق قبل أن تصل السيارتان، انفتحت البوابة الإلكترونية ودخلت السيارات إلى فيلا قام "كمال" باستئجارها قبل يومين فقط، اندفع "تيم" من سيارته مسرعًا ثم هرول داخل الفيلا وقصد درجات السلم حتى وصل إلى سطحها، أخرج زفيرًا طويلًا حينما نظر بأعين حادة وصقرية نحو حديقة الفيلا المجاورة له، فأبصر ضحيته تجلس على مقعد يقبع بمنتصف الحديقة وتتناول الشاي بأريحية شديدة، هرع "الزير" صاعدًا الدرج ومعه الرجال حتى وصلوا إلى السطح، فقفز "تيم" واقفًا على السور بقلبٍ صلبٍ وملامح جامدة، بينما تخفى الرجال في أماكن متفرقة بالسطح ليتضح أنهم مجموعة من القناصة الماهرين بنفس مهارة "تيم" في النشان بالضبط، قام "الزير" بإعطائه البندقية، فرفعها "تيم" أمامه ثم نظر داخل العدسة بدقة وعناية لضبط التصويب قبل إصابة هدفه، ضبط زوايا البندقية قبل الانطلاق وما هي إلا لحظات حتى انطلقت الرصاصة من فوهة سلاحه وخرج معها زئيره الناقم وهو يصيح عاليًا:
-يا رئيــــــس!!!
أصابت الرصاصة كوب الشاي الذي كان يتناوله فتهشم من بين أنامله وتساقط شظايا حادة على الأرض، انتفض "الرئيس" فزعًا ما أن سمع صوته الذي يحفظه عن ظهر قلب، نظر تجاه الصوت فرأى "تيم" يقف على السور بجُرأة صقر لا يخشى السقوط، التفت "الرئيس" إلى رجاله بابتسامة ماكرة فبدأوا يوجهون فوهة أسلحتهم عليه ولكنه تفاجأ بضوء ليزر مُصلبًا على جبهته وعينيه، وقد لاحظ أن الضوء مصلبًا على رجاله أيضًا فأدرك أن "تيم" قد نصب له فخًا وأن معه مجموعة لا يُستهان بها من القناصة، رفع "تيم" أحد حاجبيه، فصر "الرئيس" على أسنانه وأمر رجاله بإنزال أسلحتهم، بينما أخذ الضوء الموجود ببندقية "تيم" يتحرك على كل زاوية بجسد الأخير، فأدرك "الرئيس" أنه قد انحسر في الزاوية وأصبح بين براثن السفاح تفتك بلحمه من جديد، افتر ثغر "تيم" عن ابتسامة عريضة ماكرة وردد بصوت جهوري:
-يا رئيــــــس، اقــــلع!!!
يتبع
أنت تقرأ
حَرم السفَّاح.
Açãoنوڤيلا 2023 (حَرم السفاح) تأليف/علياء شعبان كاملة. ••••••••••••••••• "مُقدمة" أنا مُجرد فتاة كانت تعيش حياة هادئة هانئة إلى أن رأيته فتحول هدوء يومي الساكن إلى عواصف هوجاء ترعد طوال عامي وما كدتُ انتفض في ثورة لإبعاده عني حتى رأيت يداي مقيدتان بسلاس...