الفصل الخامس عشر (2) [خطة رد الضربة]

51 4 87
                                    

بسم الله الرحمان الرّحيم

قال الله تعالى:
إنّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يسرا

____________________________________________


يوشيرو

عند الثالثة إلا ربع كان يوشيرو واقفا أمام مبنى الجمعيّة وقد وجد بابها مفتوحا بينما عُلّق فوقه شعار يقول " إنما العلم بالتعلم " وعلى يمينه إطار مستطيل أبيض كتب فيه بالأسود " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طلب العلم فريضة على كل مسلم ".

قرأ الكلمات بإيمان وإخلاص وولج إلى الداخل فوجد سلّما لولبيا رقاه بخطوات ثابتة لينتهي به إلى البهو، هناك تعلق بصره بغرفة الدراسة الّتي وجدها أمامه، في نهايتها يجلس الشيخ إلى مكتبه وقد كان منكبّا على القراءة تفيض منه الهيبة والوقار، بينما رُصّت الطاولات قبالته صفّين عن اليمين وعن الشمال خلالهما مساحة للمرور كما في أقسام المدارس وقد جلس في الطاولة الأماميّة إثنان يضع كلّ منهما على رأسه طاقيّة بيضاء.

عبر يوشيرو المدخل الواسع قائلا بأدب:
_السلام عليكم.

ليلتفت إليه التلميذان رادّين السلامَ متطلّعان في وجهه الجديد عليهما بينما قال الشيخ وهو يرفع عينيه إليه:
_وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

فلمّا تبيّنه أشرقت أساريره بإبتسامة زادته وقارا وأضاف بصوت قويّ عذب:
_يا مرحبا بك.. كنت أرجو الله أن تأتي، الحمد للّه على سلامتك.. (ثم وهو يشير إلى الطاولة الأماميّة) تفضّل إجلس وفّقك الله.

كانت تلك الكلمات وحدها كفيلة بإسعاد يوشيرو وإشعاره بالخجل، ورغم رغبته في التفرّس في وجه الشيخ إلا أنّه غضّ بصره قائلا:
_الحمد للّه..

وقبل أن يجلس بادل التلميذان عن يمينه النظرة الباسمة الّتي كانا يرمقانه بها كعلامة على المودّة والمحبّة، نزع حقيبته وأخرج كراسه وقلمه ليضعهما أمامه.

وعاد الشيخ للقراءة فوجد يوشيرو الفرصة مناسبة ليملأ عينيه منه؛ كان كهلا في الخمسين قويّ الملامح واضح التّعبير، لحيته طويلة سوداء مخلّلة بخصل بيضاء ويلبس على رأسه طاقيّة مثل تلميذيه إظافة إلى نظارة وراءها عينان تفيض منهما الحكمة والقوّة الدالة على بروز الشخصيّة.

هكذا وإقترب موعد بدأ الدرس وجعل التلاميذ يتوافدون أفواجا لا تسمع منهم إلا السلام يليه همس خفيف أو ضحك مكتوم ربّما لأنّهم أشفقوا أن يزعجوا الشيخ أثناء قراءته، حتّى عندما حانت الثالثة كان القسم ممتلأ تقريبا.

أغلق المعلم كتابه ورفع عينيه ليلقي نظرة متفحّص على مريديه حتى توقّف بصره على أحدهم في المنتصف، أمعن فيه النظر ثم إبتسم قائلا ببشاشة:
_يوحنا كيف كانت الفلافل البارحة ؟

المختارونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن