الفصل الحادي عشر (3) [دجاجة]

73 3 134
                                    

دجاجة

_لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كلّ شيء قدير.

تمتم يوشيرو بصوت خفيض خاشع قبل أن ينهض من على سجادة الصلاة ويضعها على الأريكة بجانبه.

رفع عينيه إلى الساعة المعلّقة في الجدار، إنّها الرابعة مساء .. الوقت مناسب الآن للذّهاب..

قصد وجهته خافضا بصره لا يرفعه إلا ليتبيّن الطريق أمامه، على غير عادته لم يكن يرتدي ملابس رياضيّة ولكن أخرى أنيقة لا يلبسها إلا للأمور الهامّة، جينز أزرق مع جاكيت سوداء تنفتح على قميص ناصع البياض.

ركب في القطار وإتّخذ مقعده وحيدا بجانب النّافذة واضعا السماعات على أذنيه ينصت إلى القرآن بينما يتأمّل الشوارع والأبنية، وكعادته إذا إختلى بنفسه تتسلل إلى قلبه الأحزان حتى تكاد تغشاه وتُذهِب قواه لولا تصديه لها بإستماتة.

شيئا فشيئا أخذت العمارات الضخمة تتلاشى لتحل محلها أشجار الخريف الصفراء والسهول والمنازل المستقلّة في ضواحي المدينة.

نزل في وجهته، محطة " تيلدروك"، تفحّص المكان حوله بعين مشرقة وثغر باسم، إستنشق الهواء المنعش متنعّما به وقد خطر على باله كم هي محظوظة شيهارو لكونها تقطن هنا، كان ذكرها في نفسه كفيلا بأن يذهب الغمام عن قلبه ويعيد له صفوه.

نظر في هاتفه ليتبيّن الطريق إلى العنوان الّذي أرسلته له وجعل يسير في تؤدة، وعدها أن يلبّي دعوة أمّها في القريب العاجل وقد مرّ على ذلك أكثر من أسبوعين، يرجو أن تكون وأخوها أمّها بخير.

كان الطريق معبدا، في تصاعد إلى الأعلى ينتهي إلى الجبل، تحفّه السهول والمزارع يمنة وشمالا وتكاد تكون الحركة فيه منعدمة لولا سيارة أو شاحنة تمر بين الفينة والأخرى.

جعل يرمي بصره في السهول الممتدة وقد توسطتها منازل متباعدة منثورة هنا وهناك تحيطها مزارعها الخاصّة، معظم المنازل لا سور لها ولكن يحميها كلب تراه جالسا بقربها.

هؤلاء صبية يلعبون الكرة في فناء أحد المنازل، وذاك صغير يقود دراجته بصعوبة متعثّرا في الأحجار التي تعترض سبيله وكلبه جالس على مقربة منه ينظر إليه متململا، أبقار يأكلون العشب في الأنحاء وبعضهم إجتمعوا حول حوض يشربون الماء، وهناك إمرأتان كهلتان تتحدثان بينما تترشفان الشاي ودجاجات تصول وتجول أمامهما تنقّب في الأرض عن الكلس، نظرت له إحدى المرأتين من بعيد نظرة إستطلاع ملأها الفضول فلما إلتقت عيناهما أخفض بصره حياء، ثم لفت إنتباهه قطيع غنم يقودهم رجل نحيف كبير في السن يهشّهم بعصاه الطويلة ويصرخ بكلمات غريبة بلغة لا تشبه شيئا سمعه من قبل. أفتر ثغر يوشيرو عن إبتسامة حنان وأحلام وهو يتأمّل هذه الحياة الجديدة والمشاهد المختلفة عن تلك التي في المدينة، وقد بدت له بسيطة وسعيدة.

المختارونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن