الفصل الثالث عشر [الخسوف] (4)والأخير

92 5 128
                                    

الخسوف

فلمّا يئس ليون من محاولة الإنتقام لأبيه الغارق في دمائه، ورأى أمّه وأخته يُعتدى عليهما أمامه. ورأى نفسه لعبة بين أيديهم يسخرون منه ويضحكون عليه. وقد إشتعل غضبا لم يجد من حيلة لإفراغه إلا عن طريق صرخة غليظة طويلة أطلقها في وجوههم.

وإذ بالضّحك حوله يقلّ ويتلاشى، '' هل أخافهم صراخه؟ وإذ بالجميع ينظرون في إتّجاه واحد نظرات حائرة، هل ينظرون إليه؟ هل صرخته كانت أقوى من اللازم ؟ كلا بل ينظرون وراءه! ''

سمع صوت خطوات وشعر بيد تربّت على رأسه بخفّة فإلتفت بسرعة إلى صاحبها فإذ به رجل يرتدي قناعا غريبا قد مضى يسير نحوهم.

نظر أحد أفراد العصابة إلى ذلك المقنع يسير إليهم ووراءه ثلاث جثث لأصحابهم، '' أيُعقل أنه الخسوف؟ هل هو من صرع ؤلاءك الثلاثة؟ متى حصل ذلك؟ مالذي ينوي فعله؟'' تلك التساؤلات كانت تدور في عقله بينما هيمن الرّعب فجأة على قلبه وصرخ مستنكرا:
_من تكون أيها الوغد؟!

وإذ بالمقنع يركض إليه فيتأهّب للقتال مشهرا فأسه ويسمع صرخات رفاقه الفزعين:
_إنّه الخسوف!

_ نادوا الآخرين!

_نادوا القائد!

وأطلق هو صرخة تشجّعه ولوّح بفأسه نحو رأسه لكنّ خصمه تجنّبها وأظلم المكان فجأة إذ تلقّى لكمة كسرت أنفه وغُرست في وجهه لشدّتها وقبل أن يعود بصره تلقّى لكمة في معدته خيّل له أنّها إخترقت جسده ولمست عموده الفقريّ تقوّس لها جسده ورخّت أوصاله ثمّ هوى على أرض يسمع صرخات رفاقه المتقطّعة من وراءه وسقوط أجسادهم الواحد تلو الآخر، فكان آخر ما فكّر فيه '' هل سأموت؟... هل سيهزمونه؟ '' قبل أن يفقد وعيه.

****

قبل بضع سنوات..

يحتفل القوم بسلسلة إنتصاراتهم. وعلى رأسهم قائدهم قد إجتمعوا له ليلقي كلمته كما إقتضت العادة بعد كلّ نصر ساحق يحقّقونه.

يقف فيهم برأس شامخ وصدر مرفوع فتسلّط إليه الأسماع ويعلو صوته:
_وحوش الياكوزا! أعداؤنا يقلون يوما بعد يوم! وقد بلغنا من القوّة والعدد مايخيف الكلّ! حتّى رجال الشّرطة يئسوا من مجابهتنا! وخافوا من إعتراضنا! إفخروا بأنفسكم! فأنتم إذا سرتم في الطّريق خشعت الأبصار لكم وأصبح العزيز ذليلا بين يديكم! نحن لانقهر! لاأحد يقدر على إيقافنا! سنواصل التّوسع حتّى لاتبقى عصابة أخرى غير عصابتنا!

وصرخوا وراءه صرخة رجل واحد ثم سكتوا وأكمل:
_والآن فل-

_الرّب قادر على قهركم!
سكت القائد وقد صدرت صرخة من خلف الجمع بلغت مسامعه ضعيفة يكاد لايستبينها. وإذ بالأنظار كلّها تحوّل إليه، وكاد رجلا عجوزا جفّت عيناه من فرط البكاء.

وهو يحاول التكلم بصوت عال يضع فيه كلّ جهده، وقد بانت فيه شدّة شعوره بالقهر:
_لعنكم ﷲ! لقد قتلتم أبنائي وإخواني دون رحمة! لو أنّ لي بكم قوّة فأنتقم! لعنكم ﷲ! إنّه هو ينتقم لعباده! فعسى أن يخسف بكم الأرض ويقهركم كما قهر الّذين من قبلكم!

المختارونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن