انها الاخيرة

1 0 0
                                    

جلس ياسر على كرسيه الخشبي، و هو يأخد به شمالا و جنوبا، يتأمل باقة الازهار امامه و يستذكر اشياء ما كان يجب ان يفعل بها ما فعله

كان كفيلا له ان يرى ورود الياسمين ليعلم انها هي دون غيرها، انها نفس المراهقة المندفعة، التي قلبت له مسار حياته لشهور طويلة، تفارق من بعدها كل واحد من هما بمساره

تحسس الظرف، و بقي يُبصر ما تُوِجَ به كعنوان " انها الاخيرة " و اخد يتنهد، كم سيبقى صامتا مؤجلا لفتح الرسالة ؟ يوم ام شهر ام بعد سنة ؟ ايترك الزهور تذبل حتى يفتح الرسالة ؟ ، ام يجففها و لا يفتح الرسالة ؟

يا ترى كيف حالها ؟

اعتلى صوت مصطفى من وراء باب غرفته قائلا، ليخرجه بذلك من شروده

" حسنا يا جدي، سأذهب لفراشي، و كما اوصيتك لا تأكل الشكولاتة ليلا "

لم يتشاكس الجد ياسر مع حفيده اليوم عن كمية السكر التي يتعاطاها، بل اكتفى بقوله

" إن شاء الله "

ادرك مصطفى حال جده، جده الذي كان بمثابة والده بعد ان غادر الاخير حياته، و فضل حياة اخرى، يا ترى لو انه عن نفسه فضل حياة اخرى قبل خمس سنوات، هل كان سيرضى الان  ؟ و بهذا السؤال وجد نفسه يسأل أليس راضيا الان ؟

مع اخر ذكرى تذكرها مصطفى، تذكر من بعدها قول زهرة الاخير

" بالمناسبة نسيت جدي ! صاحبة الورود قد توفيت قبل ثلاث ايام على حسب قول المرسل "

اعتلى الصمت محضرهم لدقائق حتى ابصر مصطفى يد جده ياسر و هي تلوح له ان يذهب، و بالفعل، قد ذهب مصطفى محترما لقرار جده و اغلب الظن ان تعبه ساهم بعدم تفكيره

بأصابع مرتجفة بانت العروق بها، و تجعد جلدها، فُتحت الرسالة، و بعينين منكمشتين و دموع مترقرة اُبصرت الحروف، و بدأ اللسان يتلو السطور

"

عزيزي ياسر

بما ان الرسالة قد وقعت بين يديك، هذا يعني انني لست هنا، لست بهاته الحياة او بقربك، فلا تستطيع ابصاري من بعد قراتك لها

لن اتوتر و لن اتعلثم، و لن اخطف النظارات و اراقب حالك و انت كعادتك تحاول ان تتحاشا

اتمنى ان تكون بنقطة راضياً عنها، انك لا تتذمر من اسلوب حياتك، و من الفرص الغير مقدمة لك، و من نوع المشكلات المتعامل معها

ارسم لك هاته الحروف و اراهن انك قد لاحظت تحسن خطي، فأبشرك من بعدها انني حققت هدفي بتحسينه و نسخ القران، و انني صرت ما حاججتك عليه، و افتخرت به ،رغم قولك للعكس

و من بعد هاته المقدمة الطويلة التي ظنها الكل عرضا، اخبرك انني قد لبثت بمشاعر المراهقة تلك حتى شيخوختي، و ان ابتسامتك لم تفارق خيالي، و ردات فعلك لم تتوقف عن تَجسُدها امامي، و حتى كلامك لم يلبث الا بلساني

اخبرك بهاته الرسالة و من بعد فراق اكثر من خمسين سنة، انني لازلت معجبة بك،و انني لازلت اريدك زوجا لي، و اسألك ان كنت ستنتظر خمس دقائق، بدل خمس سنين

اخبرك ايضا انني ركزت على اهدافي مثلما نصحتني، و انني لبثت اعيش فترات عمري، و انا لا ارفع سقف احتمالتي حتى لا انصدم بواقعاً مغاير و تيقنت ان الكثير يتغير بنا، الا اشياء محددة

انني من رغم حياتي الهادئة و الرائعة، و الصحبة الصالحة و الباقية، و الهدف و الطموح المحقق، تمنيت تواجدك بكل لحظة

و اختم الرسالة بالقول انني سامحت الدنيا على ما قدمته لي من قساوة، و  لم افعل مما قدمته عليك من سواد

اذا اردت ان تقدم لي ذكرى جميلة، فأزرع تلك الازهار بمنطقة جميلة و اعتني بها بما تبقى لك من العمر، و لا تبحث عن قبري، فعلى حسب ما اوصيت به، جنازتي قد انتهت مدتها، و قبري سيندثر مع الايام تحت التراب

                      مع خالص حبي صاحبة زهر الياسمين
"

تحسس ياسر كمية الدموع النازلة على وجنتيه المجعدتين، الا انه ابتسم، ليس لأنه اراد، بل لأن هذا ما كانت سترغب به هي دائما و ابدا

قصصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن