باقة زهور

2 0 0
                                    

لعلع صوت الجرس لمرته الرابعة على التوالي، و مصطفى لازال واقفا يحرك اطرافه بسرعة حتى ينزع ابريق القهوة من فوق النار، فلا يؤدي ذلك الى اي كارثة اوصاه والده عليها

لطالما كانت تعليقات والده بمكانها، فإذا نبه على احتراق القهوة، فستحترق، و اذا نبه على الكأس من انكساره، فسينكسر، كأنه يتنبئ دون ان يفتخر بذلك، بل و يعبس من فكرة جريانه، و اذا افتعل، اطلق بذلك مجموعة من الاسطر المنبهة و الموبخة من انه قد قال ذلك

رمى خطوات كبيرة بعدما توقف رنين جرس على رنته السادسة، و تحركت اصابعه الرفيعة و هي تفتح القفل، حتى انفتح الباب بنفسه

لم يعرف مصطفى هوية الفتاة التي امامه و هي التي قد قدمت له ظهرها، فأدرك انها قد ظنت ان لا احد بالبيت، فإطر لتكلم بصوت يشوبه التوتر و ربما الخجل

" عذرا ! اسف على تأخري .."

انكمشت ملامحه مع اخر حروف و هو يعترف بفعلته، حتى لاحظ انكماش كتفي الفتاة كذلك، رغم السترة ما فوق حجابها، و أطرافها المستورة

تراجع مصطفى للوراء و هو يبصر باقة الورود التي امامه، بعد ان ابصر استدارت الفتاة كلها بمئة و ثمانين درجة، و تسائل ان كانت تخفي وجهها ما وراء الباقة

الا ان التساؤل توقف عندما اردفت زهرة امامه

" مصطفى ؟ "

ارتفع حجباي مصطفى و هو يرد السؤال الإسمي بسؤال إسمي اخر

" زهرة ؟ "

ضحك كلا من زهرة و مصطفى ضحكة اجتاها التوتر و جعلت من يد زهرة دماء سائلة بعد ان شدت على اغصان الزهور المملوءة بالشوك

تداركت ذلك و هي تخفي اصابع يديها تحت اكمام حجابها الازرق الغامق، فأطرق قائلا

" كيف حالك ؟ انها لمدة طويلة لم اراك بها، ما هاته الصدفة الجميلة ؟ "

انزلت زهرة الباقة من امام وجهها فلمح مصطفى تغير ملامحها، كأن لمعة حزن طافت بين عينيها

" نحمد الله و نستعينه "

الا انها اكملت ملامح وجهها  الفاتنة بإبتسامة عليلة، و هي ترفع من وجنتيها و تظهر صف اسنانها

" خمس سنوات، انها مدة ليست بطويلة للغرباء، و قاهرة للقرباء "

اومئ مصطفى براسه، و وافقها قولا

" ذلك مفروغ منه "

القت بعينيها لباقة الزهور، و همست لنفسها بصوت سمعه كلاهما

" كل شئ مفروغ بالنسبة لك"

غيرت نبرة صوتها و اكملت قائلة بصوت شابه الحماس

" المهم ! اتيت بباقة الزهور من وصاية احد الجدات للعم ياسر، اتعرفه ؟، فإن لم اخطئ هذا هو العنوان "

اخد مصطفى باقة الزهور من يدي زهرة دون ان يلامس يديها، و لم يغب عليه جرحهما، الا انه فضل عدم التعليق على الامر و التغاضي عنه

" انه والدي، فور ان يعود سأقدمها له، هل لك علم بهوية الجدة حتى يعلم المرسل ؟ "

عصرت زهرة يديها و هي تنظر لجانبها الايسر و رياح تلامس صفحة وجهها

" انها احد اعز الجدات عندي، كانت رفيقة جدتي رحمها الله، لطالما كانت تسرد و تنصح، و حتى تهدي قطع حلوة كثيرة لي "

توقفت عن كلام و بدأت تعبث بحقيبتها حتى اخرجت منه ظرفا ابيض، دون عليه جملة لم يقراها مصطفى لحظتها، بل فضل ابصار التي امامه لستشعاره انها اخر دقائق بحديثها

اكملت قولها و هي تمد يدها

" الا انها قد اوصتني ان اقدم له هذا الظرف، مع باقة ورود الياسمين تلك و هي تقول انه سيفهم كل شئ وحده، ارجو ان تقدمها له دون ان تعبث بشئ "

اومئ مصطفى بإخلاص و بدد قلقها الخافت و هو يقول

" اتركِ الامر علي، امانة برقبتي "

ابتسمت زهرة و ردت قائلة

" اثق بك، اعلم انك لها "

و استدارت متقدمة، مغادرة ذلك المحيط الذي شمله الا انها توقفت بنصف الطريق و اخبرته

" بالمناسبة، تلك الجدة قد ماتت قبل ثلاث ايام "

و لوحت مكملة طريقها ذاهبة

الا ان مصطفى هسهس من تحت انفاسه

" حفظك الله "

قصصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن