إلتجاء

1 0 0
                                    

من بعد الشجار الالف مع والدتها، و كما هو العادة لم يخف عن كونه اقوى، انفجرت بالبكاء، و هي متعبة، متعبة جدا من هاته العلاقات السامة التي تعيش بها، انها دائما المخطئة و دائما بالكفة الاخيرة بيد الكل

انفجرت بالبكاء و هي تغطي كامل وجهها، لقد تعبت حقا ..بدرجة يائسة، انها ترى كل ما يقدم لها هو فضل من والديها و ليس حقا عليهم، انها عبئ فقط، هم مستغنين عنه

لم تتوقف عن البكاء، فنهضت و لفت حجابها و هي تبكِ و تخطو مشيا سريعا، نحو طريق لا تعلم صحيحه من خطئه، فقط ارادت ان تخرج من تلك الدار، الدار التي لم تكن ابدا داراً بالنسبة لها

بل مكان اطرت لتعيش به، مع اشخاص لم تخترهم، لكنهم فُرضوا عليها، حتى وجدت نفسها في المحطة المعتادة التي تستقلها، و كل شيئ ضبابي بنظرها دون ان تفهم شيئ

الساعة الواحدة ظهرا، و المحطة شبه خالية، رجال بالمساجد و نساءا ببيوتهن، و ابناءا بمدارس، و هي هنا تبكِ، تبكِ شيئ لا تعلم ان كانت دموعها قادرة على تغييره، و لكنها قادرة على رثاءه

عصرت عينيها بقوة تحت كفيها القماشيين، و ادخلت يدها لحقيبتها و هي تشهق، حتى وجدت نفسها تضع الهاتف على اذنها و هي تسمع رنينه بعد ان رمت نفسها على احد المقاعد

الشمس لم تأخد الا صفحة وجهها و هي تشرق عليه، كأنها ترغب بأن تقدم القليل من النور و الامل لملامحها المظلمة

" الو ؟ من معي "

لم تستطع ان تتكلم، انفجرت الغصة على حلقها و هي كلما رفعت نبرة لصوتها ابى ذلك و الدموع تنفجر من عيونها بتسابق

كرر منادته للمرة الثانية فوجدت نفسها تتكلم بصوت مرتجف خائفة من ان يقطع الاتصال

" السلام عليكم "

" و عليكم السلام ؟ من معي ؟ "

انفجرت الدموع للمرة الف، و هي تَعِد و تكرر انها لن تتوقف حتى تهلك عيني صاحبتها

نطقت بتعب جم و قوة كبيرة

" ياسمين، معك ياسمين "

لم يأخد سكونا كعادة الكل من التفاجئ، بل انطلق بنبرة مهتمة يسأل و تأتأة تأخد به مأخده

" هل انت تبكين ؟ "

و كأنه كان تصريح، بل لقد كان و انفجرت هي تبكِ و تبكِ، غير راحمة لا نفسها و لا غيرها

قالت بصوت تغلب عليه كل الضعف

" احتاجك.. "

لم يأخد للأمر ثانية و هو يقول

" اين انتِ ؟ "

رفعت عينيها و هي تمسحهم ناسية انها اصلا تعلم، بل كأنها تريد ان تتأكد

" بمحطة اول نوفمبر "

" انا اتي، لا تتحركِ "

اجابته بعد ان انتظرت ان يقطع الاتصال و هو الذي لم يفعل

" لن افعل "

دام الصمت طويلا حتى قررت هي و قطعت الاتصال و انغمست ببكائها ترثي نفسها مدة لا تدري متى بدات و متى ستنتهي

حتى استمتعت لمنادته الخافتة و هو يجلس جانبها، وجدت نفسها تطرق براسها للاسفل و هي ترى عصر يديها لها ...و للأسف لا زلت تبكِ

" هيا معي "

قالها و هو يعتدل جالسا، رفعت نظرها له و هي تبصره، فابصر عينيها الحمراويتين و هي تسأله الى اين ؟، فأشار بيده

" هيا هيا، ثق بي "

اعتدلت مثله و هي تتبعه دون ان يتكلم احد منهما، لا تعلم وجهتها، لكنها تعلم من هو رفيقها

صفعتها الرياح بغتتا و هي تحت ظل كبير و حجابها الاسود يرفرف من كل جهة

و امام المسجد كانت، امام احب مسجد لها و هي تبصر لونه الازرق السماوي، و طول علته الجميل ورغم ان صوته قطع عنها افكارها، الا انه لم يقطع تأملها و استكانتها

" ادخلِ و توضئي و صلي، تستطعين تلاوة القرآن و الشكوى الكثيرة لله، لك كل الوقت، سادخل معك، و اخرج ربما قبلك، اذا احتجتني و لم تجديني، رني على هاتفي، انا هنا دائما "

تأملته للحظات و قالت كشبه سؤال

" انت هنا دائما..."

ابصرها للحظات و قال

" اذا كتب الله سأكون دائما هنا امامك ببدني، و اذا لم يكتب الله فأنا دائما هنا بفكرك و بأركان هذا المسجد، انا فاني، الا ان الله باقي، اذا تعلقت بي فأنت ستفنين، و اذا تعلقت بالعظيم ستبقين "

و ها هي تتأمل نفس المسجد بعد خمس سنوات، كأن اليوم يكرر نفسه، و كلامه بحقه باقيا بحضوره مع كل ركن إلتجات اليه بكل حزنها

قصصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن