الفَصلُ الثَّالِث: مُنظَمةُ البَابُوتشكَا.

134 16 157
                                    

«حِينمَا تَفقدُ شخصًا عَزيزًا عَلى القَلب، يُوبِقُ هُو مرةً وَاحدة، بينمَا تُوبِقُ أنتَ أَلف مَرة

<----«« »»---->

بَين أَروقةِ القَصرِ وَغُرفه، يَجُول وَيتجَول، يَستكشفُ المَكان، وَيُخزنُ كلّ شبرٍ فيهِ في ذَاكِرته؛ مَخافةَ اِكتشافِ شُذوذِه يَوما. وَكم كَان الأمرُ مُتعِبا؛ فَهذا القصرُ كَبيرٌ، شَاسِع! لكن مِن جهةٍ أُخرَى يُمكنُ اِعتبارُ هَذا كَتمرينٍ جَيدٍ لِشخصٍ بقيَ طرِيحَ الفِراشِ لأسبُوعٍ كَامل، وكادَت عِظامُه أن تتَفتت مِن الاِستلقاءِ دونَ فعلِ أيّ شَيء.

لَو علِمَ جدهُ بهذَا لأرغمهُ عَلى تَدريباتٍ شاقة، وَلساعَاتٍ مُتواصِلة؛ فَلطالمَا تَغنى فَوقَ رأسهِ أنّ تدريبَ الجَسد مُفيدٌ وَمُهم، وَيجعلُ منهُ صحِيا، وَخاصةً وَأنّه وُلدَ بجسمٍ ضَعيف، يُنهكُ من أَبسطِ الأَشياء. وَقد صحَ قولهُ فَما عَادت قُواه تَخورُ بسرعةٍ كَما اِعتاد، لكن مَناعتهُ بقيَت عَلى حَالهَا وَاهنة.

رُغم ذلكَ لَم يشتكِ يومًا مِن المَرض، فقَد عَاملهُ على أنّه إجازةٌ ليتكَاسلَ كمَا يشاء، لكنَ هذِه المَرة كَانت اِستثنَاء؛ إِذ كرِه مَا يُسمى السّقم بسببِ الرّجل الّذي يُفترضُ أنّه وَالده؛ فقَد لزِمهُ أسبُوعًا كاملًا دُون أَن يكل أَو يضجَر، لَم يعتَد حقًا عَلى كلّ ذلكَ الاِهتمامِ الزَّائد، وَلذَا فهُو يراهُ أمرًا مَقيتا، يَودُ لَو يكفُ عنه.

لَو كانَ ديلَان شخصًا ذا لِسانٍ سامٍ مِثله، لَم يكُن ليتَوانَى عَن الإِفصاحِ عمّا في خَاطرِه، وَبأفظَعِ الطُّرق. وَإن سُئلَ عن سببِ وَضعِ وَالدِه في القَائمةِ السَّوداء مِن أَول لِقاء، فهُو ذاتُه لَا يدرِي.

«سَيِدي الصَّغير، هَذا أَقصى مَا يُمكنكَ الوُصولُ إِليه.»

أُخرِجَ مِن دُوامةِ فِكرهِ إِثر نَدهِ كبيرِ الخَدم المُتناهِي إِلى مَسمعِه، فَحَص المكان مِن حَولِه، وَلم يجِد إلّا غُرفةً واحدةً أمامهُ تبعُد عنهُ بِضعَ خُطوات، بابُها بُنيٌ ضَخم، نُقِشتَ عَليه نُقوشٌ نَباتيةٌ تَروقُ لَلعيان، وَامتَلكت مقبضًا بالذّهبي مَطلي. لم يعِ سببَ مَطلبِه، وَلو سَألَ فحتمًا للرّيبةِ سيُثير.

«تُدركُ جيدًا أنّ دُخول هَذه الغُرفةِ مَحظُور، فلمَ لا تكُف عَن ذَلك؟» عِندِئذٍ وَعلى قولِ كَبيرِ الخَدم، طرقهُ الإِدراك؛ فمن أخيهِ سمِع ذَات مَرةٍ قصةَ هَذهِ الغُرفة؛ غُرفةٌ حيثُ حُظرَ عَلى الجميعِ دخُولها دونَ اِستثنَاء، لَا يلجُها إلّا كبيرُ الخدمِ للتّنظيف، وذلكَ الرّجُل بالطَبع. عنهَا تَسابقَت الإِشاعات، وبتشويقِها وَغرابتِها تَباهَت، عبرَ الأفوَاه بحماسٍ تَناقَلت، كلٌّ عَن نَظيرتِه اِختَلفت، وَتميزَت، وَللآن مَا زَال سِرُها مجهُولا، لَا يُدركهُ القريبُ وَلا الغَريب. ومِن هَذا الصَّدد أصرّ ديلَان عَلى اِكتشافِ مَا يقبعُ خَلفَ ذلكَ البَاب، إلّا أنّ سوءَ الحَظ كَان رَفيقًا وَفيًا له؛ فدائمًا مَا تبُوء محاوَلاتُه بالفَشلِ العقِيم.

شَطرُ مَنفَى -قيد التّعديل-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن