الفَصلُ الثَّانِي: مَحُكومٌ عَليهِ بِالمَنفى.

170 17 143
                                    

هَذهِ الغُرفةُ تُشبههُ حَقا. هَذا مَا فَكّر فِيه وَعيناهُ حَول الغُرفةِ تجُولان؛ أَزرقٌ مَلكِيٌ زَحفَ بِكُلّ تَفاصِيلها، بِجُدرانِها، أَرضيّتِها، سَقفهَا، وَحتّى أَثاثِها. لَم تكُن الغُرفةُ كَثيرَة التَّفاصيل؛ فديلَان مُحبٌ لكلِّ مَا هُو بَسِيط، فِي مُنتصفِ الغُرفةِ اِنتصبَ سريرٌ حَديدِيٌ بِلونِ الفِضةِ مُزدَان، اِفتُرش بِحِشيةٍ مِن ذَاتِ لَونِ الغُرفة، كَان كَبيرًا بِمَا يَكفي لِشخصَين، بِجانبهِ استقَرت خِزانةٌ صغيرةٌ خَشبيةٌ تَموضَع فَوقهَا إِطارُ صورةٍ ذَهبي، دَنا إِليهَا لِمعرفةِ مُحتوَاها. حَال اِقترَابهِ اِرتسَم عَلى ثغرهِ بسمةٌ بَاهتةٌ وَهُو يناظِرُ صورةَ تَوأمهِ فِي عمرٍ لَا يقلُ عَن الخمسِ سنواتٍ، مَع والدِهُما، وَالضِّحكةُ عَلى سِحنتهِ بَاديةٌ لَا تُفارِق.

أَعادَ الإِطارَ إِلى مَكانِه، مُتابِعًا تَفحُصَ الغُرفة؛ عَلى بُعد خُطواتٍ تَواجَدت نَافذةٌ كَبيرة، تَدلَت فَوقهَا سَتائرٌ مِن الدَّانتِيل الأَزرق، تُطلُ عَلى مَنظرِ شَجرةِ الوِيستِيريا الضَّخمة؛ وَعلى ذِكرهَا فَقد أَعادتهُ ذاكرتُه إِلى الوراءِ حَيثُ كَان شَقيقُه يَتغَنى حُبًا بِأزهارِها كُلّما اِلتَقاه.

فِي جهةِ اليسار، كَانَ هُناكَ مكتبٌ صغير، رُصّفت فَوقهُ القِصص، نُظمَت، وَرُتبتَ الدَّفاتِر، وَالكُتُب، إِلى جَانبِ حَاسُوبٍ مَحمُول، وَكم كَان مَكتبهُ مُنظمًا أَكثرَ مِن حَياتِه البَائِسة!

تَوقفَ أخيرًا أَمامَ مِرآةِ دُولابِ المَلابِس، أَمعَن النَّظرَ جَيدًا فِي مَلامِحهِ المُتهالِكة، اِمتلَك شعرًا سماويًا، طويلَ الخُصلَات، عُيونًا يُفترضُ أنّها اِنعكاسٌ لسمَاءٍ صَافيةٍ دُون غَمام، عَدا أَنّ التَّرحَ قَد حَجبَ برِيقهَا الأَخاد، فَأضحَت كَمن لَا رُوح فِيها. وبَشرةً قِشطِية، اِزدَانَت بِهالَاتٍ دَعجَاء أَسفلَ الجَفنَين.

مَد يدهُ إِلى اِنعكَاسِه، كَأنّه يُخاطبُ ذَاتهُ الأُخرَى، بَثّ بعزمٍ اِتقدَ فِي العَينَين: «مَا هُو إلّا وَقتٌ قَليلٌ يَا أخِي، اِنتظِرني؛ سَأنتقمُ لَك وَأمحقُ كلّ من كَان سببًا فِي فَنائك!»

دَقةٌ، دَقَتان، اِنتشَلتَ الصَّبيَ مِن بحرِ الأَفكار، فَزمّ شَفتيهِ بكلُوح؛ فَمن ذَا الّذي يجرُؤ عَلى إِزعاجِ خلوَتِه؟ وَسريعًا عَلى إِجابةٍ حَصل، فَما كَانَ إلّا كَبير الخَدمِ يدعُوهُ لتناوِل العَشاء، وَمع ذَلكَ فَقد رَفض؛ فَمن أَينَ لهُ الشَّهيةُ للأَكل، وَالرُّوح بِالأترَاحِ قَد شُبِعَت؟

حالَ اِنصرافِ الخَادِم، اِرتَمى عَلى السَّرير، وَالحاسُوب المحمُول فِي حُضنِه، ولحُسنِ الحَظ أنّ كلمةَ المُرور كَانت يَومَ مِيلادِهما المُشترَك.

«لمِ تَأخَر هَذا المُزعجُ في الرَّد؟» كَلح الصَّبي مُحدقًا فِي وَاجهةِ الدَّردشة، يَنتظرُ بصبرٍ أن يَرُدّ عليهِ المُتلقِي وَيخَلِصه.

شَطرُ مَنفَى -قيد التّعديل-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن