الفصلُ السّادِس: صَديقٌ أَم عَدُو؟

133 10 77
                                    

قَبلَ طُغيَانِ شُعاع الظُّهر الحارِق، يَستَغِلّ نَسائمَ الضُّحَى اللَطيفَة لِبَدءِ اليَوم بِقِراءةِ كِتاب، فِي الشُّرفَة المُطِلّةِ علَى حَديقَةِ المَنزلِ يَانِعةِ المَنابِت. فمَعَ إحسَانِ الإنصَاتِ تَسمَعُ هَمسَ الشُّجَيرات، الّتِي نُسَمّيها نحنُ الحَفيف، يُقلبُ الصّفحات بتروٍ وعيناهُ مع كلّ حرفٍ مِن حُروقهِ مُركزَة، يستلِذُ بفحَوى الكِتاب دُونما أيّ إِزعاج، مُبحرًا إِلى عالمٍ يوَدُ لو كَان حَقيقةً لا خَيالًا رُقِش على الأورَاق.

وَبينمَا هُو مُنصبٌ في تركِيزه على مَا بِيدَيهِ لم يُدرِك قُدومَ أرَان إِلى الشّرفة، والّذي مكَث لِفترةٍ يُحدقُ فيه؛ وجهٌ مَألُوفٌ بِمِزاجٍ عمّا سبَق مُختَلف، لم يُلاحِظ هَذا قبلًا ولكِن هُدوءَه أشبهُ بِسكُون البَحر، أو بِصفةٍ أدَق وَأقرب يُشبهُ سكُون مَن قلبُهم عن النّبض تَوقف.

حَمحمَ الأصهبُ جاذِبًا الاِنتباهَ إلى نَفسه، فرفعَ الأصغرُ عينيهِ وتَقطيبةٌ مُستاءةٌ بين حَاجِبيه بَزرت؛ لا يُحب مُقاطعةَ أحدِهم لِخلوتِه. وسريعًا ما حل محلَ العُبوسِ دهشَةٌ أُخفيَت بمَهارةٍ تحتَ قناعِ الحِيرةِ والاِستغرَاب؛ خلفَ والدِه يقفُ شابٌ بِاِبتسامةٍ مُستفِزةٍ على شَفتَيه، وعيناهُ عن كَثيرٍ مِن المُضايقاتِ تحمِلان.

«دعنِي أُعرِفُك على حَارسكَ الشّخصي، آشَر ماكسِيميليَان، إنّه شخصٌ مَوهُوب. أملُ أن تتوَافقا مَع بعض، فرفقتُكما ستدُومُ طويلًا.»

تَقدمَ آشر إِلى الأمامِ بعد تَعريفِ أران له، اِفتر ثعرهُ عن بسمةٍ مُهذبةٍ حِين قال باِستهزاءٍ لم يُدركهُ إلّا الأصغر: «سُررتُ بِلقائِكَ سيدِي الصّغِير.»

شخرَ السّماوِي بِسُخرية، وهُو يحملِق في الشّاب الأنِيق، شعرٌ طويلٌ مُسرحٌ بعنَاية، وملابسٌ لابد وأنّها اختِيرت بِحرصٍ شديد، ثمّ نطَق بحاجبٍ مرفُوع، وزهزقةٌ مُستهزئةٌ على فاههِ نمَت: «مُنذ مَتى صارَ عارِضُوا الأَزياء حُراسًا شخصِيين؟ مَاذا لو فَسدَت تسريحةُ شعرهِ أثناءَ القِتال، أسيصلِحها أم يستمِر في القِتال؟»

«ما زَال لِسانهُ سامًا كالعادة.» فكّر الأشقرُ بينمَا ينقرُ على لِسانهِ بِغيظ، مُفضلًا الصّمت كَإجابةٍ على اِستهزائِه اللاذِع.

تَأوهَ الصّبي مُمسكًا برَأسهِ بعد أَن تَلقى ضربةً مِن وَالدِه يُخبرهُ فيهَا أَن يَصُون لِسانَه، ثمّ اِلتفت هَذا الأخيرُ مُعتذرًا إلى الأَشقر عمّا بدرَ مِن اِبنِه.

«لَا مُشكلة، لَا ألُومهُ على اِنعدامِ ثقتهِ فيّ، يُمكنُ لها أَن تتَولدَ مع مُرورِ الأَيام، فيُدركَ بعدَئذٍ أنّ حياتهُ في أيدٍ أَمينة.»

هَمهمَ الأكبرُ كرد، وَلَم ينسَ قبلَ مُغادرتهِ الغُرفة أَن يُحذرَ اِبنهُ وَيُوصيهِ بِحُسنِ التَّصرُف.

شَطرُ مَنفَى -قيد التّعديل-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن