الفَصلُ الخَامِس: ليلةٌ طَويلة.

106 12 73
                                    

مُستلقٍ علَى السَّرير، يُحدقُ في السّقف بشُرود، وَمرقفهُ على جَبينِه مُتموضِع، في حِين تَبعثَرت خُصلات شعرِه السّماوِية عَلى الوِسادةِ بِغير هُدي، غَارقٌ في التّفكّير، وَالتّأمُل، هَذا مَا بَدى عَليه. لم تمُر لحظاتٌ طويلةٌ مُنذ تسلُله إِلى مكتَب وَالدِه بحثًا عمّا قد يُفيدُه في الوُصول إِلى طرفِ خَيطٍ يدلُه عَلى تلكَ المُنظمة، وللأسفِ عن مُرادهِ المنشُود لَم يجِد، فَفتحَ بذلكَ لنفسهِ بابَ التّساؤُولات، وَالاِستفسارَات؛ لِمَ تمَ اختيارُ ديلَان مِن بين كلّ المُتواجِدين في المَبنى؟ أكانَ سهوًا أم مقصُودا؟ فإن وَقعَ عليهِ الاِختيارُ عن طريقُ الصّدفة لَا غير، فمَا هدفُهم من تَفجيرِ المَبنى؟ لا يظنُ أبدًا أنّ ذلكَ سيرجعُ إليهِم بفَائدة، وَخاصةً أنّ عددَ الوَفيات لا يتخَطى عدد الأَصابع، وَلم يلحق به ضررٌ كَبيرٌ.

زَفرَ بِعُمق؛ أَسيقفُ مكتوفَ الأيدِي في اِنتظارِ معلوماتٍ من آشر، قد تكُون ذَا نفعٍ ورُبما لا؟ فكّر وَتقطيبةٌ بين حَاجبيهِ اِنبثقَت؛ لكَم يكرهُ شعُور أن يكُون مكبلًا بأصفادِ العَجز، وَالضّعف!

دَقةٌ، دقتّان، وَاستمرَ صوتُ الدّق في التّغلغُل إِلى الأُذنين، سُكونٌ رَهيبٌ ساد المَكان، جَعلَه يسمعُ أَبسطَ الأَصوات، حتّى حَفيفُ الرّياح، وَتراقُصها مَع الأَغصانِ مَسمعهُ قد طرَقت.

اِنغمَس في تَأمُله، يُرتبُ كلّ ما في جُعبتِه من قِطعٍ للأُحجِية، وَبينما هُو فِي الفِكر شَارد، تَذكر سرًا لَم يُزح عنهُ سِتارَ الغُموض بَعد، اِستقامَ سريعًا مِن مكانِه، يهتفُ بغيظٍ داخِله، فكيفَ نسيَ شيئًا بتلكَ الأهمِية؟!

رُبمَا لَن يُفيدهُ ذلكَ في شَيء، لكِن لا ضَير مِن المُحاوَلة، الجميعُ نيام، وَهذه أفضلُ فُرصةٍ للتّسلُل. بِخُطًى رَشيقَةٍ لا يُسمعُ لهَا صدًى مَشى، بِخفيةٍ وَحذرٍ اِتجهَ صوبَ الطّابِق الأَول، إلّا أنّ صوتًا مُريبًا اِستَوقفه.

«دَخيل؟» فكّر داخِله فِي حين يُمعن السّمع إِلى صوتِ الضّجيج الخَافِت، مَصدرُه قادمٌ من الغُرفةِ المُقابلةِ له، وَالّتي خَصت وَرشةَ الرّسم.

وَقبل أن يتخِد خُطوةً لاِكتشافِ سببَ هَذا الضّجيج، يدَان كَبيرتَان حَاوطَتاهُ حَالتَا دُونَ ذَلك، أَنفاسٌ بَاردةٌ ضَربت شَحمةَ أُذنِه مَا جَعلَ دَقاتَ قَلبهِ تتَسارَع، وَقدمَاهُ تَكادَان تَخونَانِه، وَما زَادَ الطِّينَ بِلةً هُو مَا تَبعَ ذلكَ مِن كَلمات.

«لَم أَتوقَع لحظةً أن تَقدرَ على الهَرب، والنّجاةِ بِحياتِك ديلَان فِلسر.»

اِستلَ الدّخيلُ سكينًا، قامَ بتوجيههِ نحوَ عُنقِه، وَعيناهُ شُعتا ببريقٍ من العَداء، بينمَا الأَصغرُ حَاولَ قمعَ الكَراهيةِ الشّديدة الّتي نَمت دَاخِله؛ كَيف لَا وَأحدُ قتلة شقيقهِ وَاقفٌ بِجانِبه الآن؟!

شَطرُ مَنفَى -قيد التّعديل-حيث تعيش القصص. اكتشف الآن