12-طفل معتكف.

1.1K 191 47
                                    

مر الشهر تعلمت فيه جلد وصبر واحتساب عشر أواخر هلت علي، اصطحبني فيها مهتدي للاعتكاف فى مسجد مجاور، اقنعني مهتدي أن اتخلى عن هاتفي في تلك الليالي العشر، أول ليلة مرت علي كنت أشعر وكأن طرفا مني قد قطع، أتعلمْ هذا الشعور بشيء ناقص!

ذلك الشعور لم يستمر كثير،  كنت في السابق دائم النظر لهاتفي، كنت أراسلها أتتبع أخبارها على مواقع التواصل الاجتماعي، كنت من وقت لآخر أتطلع إلى صور التقطها لها خِلسة قبل سفرها من بلدي، فليغفر لي ربي، لم أكن أعلم حرمانيتها، بل لم اكن مسلما للبدء بالحديث،  لكنني حتى بعد ان صرت مسلما لم أقو على مسحها! اعلم ان هذا خطأ أعلم انه حرام الآن، يارب اعطني القوة والثبات وقومني.

في بداية تلك المدة شعرت بالضجر واليأس والغضب، لن أكون مثاليا وأقول أنني اهتديت فى لحظتها!  أنا إنسان! وليس أي إنسان بل كنت أحبو فى طريق واسع كبير علي!

في تلك الليلة اتاني مهتدي ووضع في يدي مسبحة إلكترونية، وقال لي:
اِشغل ايدك ولسانك!

فقلت:
بماذا أُشغلها؟

ابتسم ورد:
بالذكر، بص كل ذكر تقوله اضغط هنا ضغطة، قسمهم مثلا كل عشرة كل عشرين تسبيح وتكبير وحمد، وادعي يا سليمان أدعي احنا فى أيام مفترجة!

أمسكت المسبحة وضغط أول مرة بدون ذكر فرأيتها تحسب علي الضغطات، للحق أقول!  الجزء الطفولي مني قد تمت دغدغته بنجاح! صرت أضغط على الزر وانا أراقب العدد يزداد أعتقد أنني كنت مبتسم كطفل أمسك لعبة فيديو جيم أو ما شابه، واعتقد أيضا أنني ظللت أراقب الرقم المتزايد لأول مئتين ضغطة! ألم أقل أن الجزء الطفولى مني اشتعل.

تحول بسيط فى مشاعري من ضجر ويأس أعراض انسحاب التخلي عن الهاتف، إلى شعور بسيط بانجاز صغير لطيف دافئ، كانت بداية سلسال دافئ آخر من مشاعر لم أعهدها،  كنت يوما رون جي شاب أخرق لا خطط لديه، أما الآن فأنا عبدالله سليمان، الذي رأى قدْره الحق وقدْر خالقه عندما تخلى عن ما لا يُتَخلى عنه!

اعتكاف يشبه خلوة أحزاني وقراراتي فى حياتي السابقة،  كنت كلما حزنت أو تعرضت لموقف ما وعلي اتخاذ قرار مصيري،  كنت اسلك طريق خلوة وانقطاع عن العالم لا أخرج منها إلا بالقرار في صحبتى، لكن كنت دائما ما أكون شاعر بعدم رضا!

أما الان فقد استشعرت أنس جديد،  وليس من المحيطين فى المسجد، بل الأنس بالخالق، شعور غريب بعدم الوحدة،  تعلم إنك مراقب ولكن ليست تلك المراقبة البشرية المريرة التي تشعرك انك مكشوف الظهر، لا مراقبةمن نوع آخر نوع تشعر فيه وكأنك مغلف بالبركات والامان!

مهلة العشر الاواخر! نعم كانت مهلة رأيت فيها ذلاتي واضحة، يقال إنك عندما تزيل الكماليات والاضافات تظهر الاولويات جلية، وهذا ما حدث معي، رأيت الاولويات وتجرعت الذلات.

سنة أولى سُليمان  "الوصول"  انيجما 2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن