الفصل الأول : شبح مارلي

1.4K 33 17
                                    

كانت الأسماء المدونة على باب المكتب هي "سكروج ومارلي"
ومارلي مات "مات كمسمار الباب " ،كما يقول المثل.
ولا أدري لماذا من المفترض أن يكون مسمار الباب أكثر موتا من أي نوع آخر من المسامير ، لكن مارلي قد مات ..مات منذ سبع سنوات.
ولم يزل سكروج اسم مارلي العجوز أبداً ..
وظل مكتوبا على باب المكتب بعد ذلك بسنوات : "سكروج ومارلي "
وكان المكتب يعرف ب سكروج و مارلي .
وأحياناً ينادي الناس الجدد على المكتب سكروج وأحياناً ينادونه مارلي ، لكنه كان يرد على كلا الإسمين .
كان رجلاً جامدا في كل ما يختص بأمور المال ، جامدا كالحجر . وكان متحفظا كتوما ، عديم الأصدقاء و وحيداً
وكانت البرودة داخله تجمد وجهه العجوز ، كانت عيناه حمراوين ، وشفتاه الرفيعتان زرقاوين
ويبدو أن البرد قد جمد طريقته في المشي ، وكان الشعر في رأسه وفوق عينيه أبيض مثل الثلج . وكان يحمل برودته معه أينما ذهب ، فكان يثلج مكتبه في الصيف ، وكان في وقت عيد الميلاد بنفس البرودة .
لم يوقف أحد أبداً سكروج في الشارع ليقول له :
- عزيزي سكروج كيف حالك ؟ متى ستأتي وتراني ؟
ولا كان الشحاذون يسألونه إحسانا ، ولا الأطفال يسألونه
- كم الساعة ؟
ولا أحد سأله ذات مرة في حياته عن الطريق إلى المكان الفلاني .
حتى كلاب الناس فاقدي البصر باتت تعرفه ، وعندما يرونه قادماً ، يسحبون أصحابهم داخل دورهم .
لكن سكروج لم يكن يهتم . كان يحب ذلك ، كان يحب أن يشق طريقه عبر سبل الحياة المزدحمة محذراً كل الناس أن يبتعدوا عنه .
وفي الأمسية السابقة لعيد الميلاد . جلس سكروج مشغولاً في مكتبه ، كان الطقس بارداً ، واستطاع أن يسمع الناس في الخارج وهم يصفقون بأيديهم ليحتفظوا بدفئها .
وكان الضباب كثيفاً حينما كانت الساعة الثالثة بعد الظهر . فساد الظلام في الشوارع ، ولم يظهر للنهار نور على الإطلاق ، فكانت الشموع مشتعلة في نوافذ المكاتب المجاورة ، ملقية علامات حمراء في الهواء البني
وجاء الضباب منسكبا في كل شق ومتسللا من كل ثقب مفتاح . لقد كان الضباب كثيفاً فلا تكاد ترى المنازل المقابلة كان باب مكتب سكروج مفتوحاً حتى تظل عينه على على كاتبه الذي يعمل في غرفة صغيرة على الجانب الآخر من الممر . وكان الكاتب قد أشعل قليلاً من الفحم في المدفأة . ولأن باب حجرته كان مفتوحاً فقد كانت الحجرتان تبدوان كحجرة واحد ، ولم يستطع الكاتب أن يضيف ولو قليلاً من الفحم إلى نار المدفأة ، لأن سكروج يحتفظ بصندوق الفحم في حجرته .
صاح بصوت بهيج :
- عيد ميلاد سعيد يا خال ، وليباركك الله .
كان صوت ابن أخت سكروج
قال سكروج :
- ياه ! هراء ! كلام فارغ !
كان ابن أخت سكروج قد مشى بخطى سريعة في الهواء البارد ، لذلك فقد كان متوهجاً تماماً ،كان وجهه ساطعا ، وعيناه مشرقتين ، والدخان يخرج من فمه في الهواء البارد .
قال :
- هل تقول أن عيد الميلاد كلام فارغ يا خالي ؟..
إنك لا تعني ذلك أنا متأكد !
قال سكروج :
- نعم أعني ذلك ، فكيف يكون عيد الميلاد سعيداً ، أو بأي حق وبأي سبب تكون سعيداً ؟
إنك فقير جداً فكيف تكون سعيداً ؟ !
فقال ابن الأخت ضاحكا :
- وبأي حق تكون أنت جاداً وحزينا هكذا ؟ إنك غني بشكل كاف .
لم تكن لدى سكروج إجابة جاهزة أفضل ، لذلك قال :
- يااااه !
وأتبعها ثانية بكلمة
- هراء !
فقال ابن الأخت :
- لا تكن غاضبا
فقال الخال :
- وماذا أكون غير ذلك ، عندما أعيش وسط عالم من الحمقى .. عيد ميلاد سعيد ؟! كيف يكون عيدا سعيداً وهو وقت وقوعك في الديون التي ليس لديك المال لسدادها ، وهو الوقت الذي تجد نفسك فيه وقد كبر عمرك سنة أخرى ، وهو الوقت الذي تطلع فيه على دفاتر حساباتك فتجد أن مالك أقل مما كان لديك في عيد الميلاد الماضي ؟
ثم سكت لحظة وأضاف بغضب :
- إذا كان الأمر بيدي ، فكل أحمق يقول عيد ميلاد سعيد يج أن يغلى مع عشائه في عيد الميلاد .
فقال ابن الأخت محتجا :
- خالي !!
فقال الخال :
- يا ابن اختي ، احتفل بعيد الميلاد بطريقتك الخاصة ودعني أقيمه بطريقتي .
فقال ابن أخت سكروج :
- تقيمه ؟ ولكنك لا تقيمه !
- وما النفع الذي عاد لك منه ؟
قال ابن الأخت :
-لقد أعاد علي كثيراً من النفع ، فعيد الميلاد وقت طيب .. وقت التسامح والكرم والسرور . إنه الوقت الوحيد في السنة عندما يحاول الرجال والنساء أن يفتحوا قلوبهم المغلقة بلا كلفة ، ويفكروا فيما هم دونهم كأنهم رفاق سفر في رحلة الحياة ، لا كعنصر أو جنس آخر يسلكون طرقاً منفصلة .
ولذلك يا خال ، بالرغم من أن عيد الميلاد لم يضع أي ذهب أو فضة في جيبي ، لكن أعتقد أن عيد الميلاد قد فعل لي خيراً كثيراً وسيفعل ، وأقول : " بارك الله فيك " .
قال سكروج :
- لماذا لم تلتحق بالحكومة وتثقف الآذان بخطبك ؟
- لا تغضب يا خالي ، تعال وتناول العشاء معنا غداً.
قال سكروج :
- بالطبع لا ! وداعاً .
- لكني لا أريد شيئاً منك ، ولا أطلب شيئاً ، لماذا لا نكون على وفاق .
قال سكروج :
- وداعاً
- أنا آسف لأنك مصر على عدم الإنضمام إلينا ، إننا لم نتشاجر أبداً ، على الأقل أنا لم أتشاجر أبداً .
لكن بشرف عيد الميلاد لقد قمت بهذه الدعوة بوازع المودة وسأظل أحتفظ بمشاعر عيد الميلاد الكريمة لذلك عيد ميلاد سعيد يا خالي !
قال سكروج :
- وداعاً
- وعام جديد سعيد .
قال سكروج :
- وداعاً
وتوقف ابن الأخت عند الباب ليقول عيد ميلاد سعيد ، للكاتب الذي بالرغم من أنه كان يرتجف من البرد إلا أنه كان أكثر دفئا من سكروج و أجاب الكاتب :
- عيد سعيد لك يا سيدي .
قال سكروج الذي قد سمع ما قاله الكاتب :
- هناك شخص آخر ! كاتب بخمسة عشر شلنا في الأسبوع وزوجة وأسرة . ويتكلم عن عيد ميلاد سعيد ! لا بد أنه مخبول .
وعندما فتح الكاتب الباب ليدع ابن أخت سكروج يخرج سمح لرجلين بالدخول .
كانا بملابس محترمة و وقفا خالعين قبعتهما في مكتب سكروج ، وكانت معهما دفاتر وأوراق يحملانها في أيديهما .
إنحنى واحد منهما وقال :
- سكروج ومارلي ، أليس كذلك ؟ هل أنا أتحدث لمستر سكروج أم مستر مارلي ؟
أجاب سكروج :
- لقد توفي مستر مارلي منذ حوالي سبع سنوات ولقد توفي في مثل هذه الليلة .
قال السيد :
في هذه المناسبة السعيدة من السنة يا مستر سكروج ، نحن نحاول عادة أن نفعل شيئاً للفقراء .
إنهم يقاسون كثيراً في وقتنا الحالي ، آلاف عديدة منهم ليس لديهم طعام ولا دفء ، وكثير منهم ليس لديهم بيوت يأوون إليها .
قال سكروج :
- ألا توجد سجون ؟
قال السيد :
- توجد سجون كثيرة !
- ألا توجد إصلاحيات يمكن للفقراء أن يذهبوا إليها ؟
قال السيد :
- توجد
قال سكروج :
- لقد خفت مما قلت أن يكون قد حدث ما يمنع السجون والإصلاحيات من أداء عملها المعتاد ، أنا سعيد أن أسمع أن السجون والإصلاحيات ما زالت موجودة .
قال السيد :
- من الصعب أن تجعل السجون والإصلاحيات الناس سعداء وقت عيد الميلاد ، بعض منا يحاول جمع المال لشراء بعض الطعام والدفء للفقراء ، كم ستعطينا ؟
قال سكروج :
- لا شيء ، أنا لا أسعد نفسي شخصياً في وقت عيد الميلاد وليس لدي المال لأجعل الناس الآخرين سعداء . وداعاً يا سادة !
وغادر السيدان ، بعد أن وجدا عدم الجدوى من النقاش .
أصبح الضباب أكثر شدة ، وأصبح الظلام أكثر ظلمة ، والبرد أكثر برودة ، وأخيراً جائت ساعة إغلاق المكتب
ونزل سكروج من على كرسيه ، وأطفأ الكاتب شمعته وارتدى قبعته .
وقال سكروج :
- أتريد أن تأخذ إجازة غداً ، عاى ما أظن ؟
- نعم سيدي ، إن كان هذا يناسبك ؟
فقال سكروج :
- إنه لا يناسبني ، وهو ليس من العدل أو الصواب .. إذا دفعت لك أقل من ثلاثة شلنات مقابل ذلك الوقت الضائع لظننت أني ظالم لك .
فابتسم الكاتب .
وقال سكروج :
- ومع ذلك ألا تعتقد أنه ظلم لي عندما أدفع لك مقابل يوم لا تفعل فيه شيئاً .
قال الكاتب :
- إنه يوم في السنة .
قال سكروج :
- هذا ليس سبباً وجيها لسرقة ثلاثة شلنات من جيبي في الخامس والعشرين من ديسمبر من كل سنة .
كن هنا مبكراً في الصباح التالي .ووعد الكاتب أن يفعل ، وخرج سكروج وأغلق الكاتب المكتب ، وركض إلى بيته بأسرع ما يمكنه ليلعب مع أطفاله .
وتناول سكروج الطعام في أحد المحلات ، وذهب للبيت .. كان يسكن في منزل كان ملكاً لمارلي ، وكانت شقته معتمة وغير مريحة في منزل قديم له فناء معتم . وبقية الشقق في المنزل كانت مكاتب ، فلم يكن يسكن هناك سوى سكروج .
كانت هناك ' سقاطة ' دقاقة كبيرة على الباب ، وكانت مصنوعة على شكل وجه إنسان ، وعندما جاء سكروج إلى الباب وأوشك أن يفتحه ، نظر إلى الدقاقة ورأى فيها وجها يشبه وجه مارلي .
كانت العينان مفتوحتين ومثبتتين عليه ، وبدأ الشعر يتحرك مع الريح ، وسكن قلب سكروج ! ثم عندما نظر ثانية كانت الدقاقة كما هي من قبل .
فتح سكروج الباب ودخل وأشعل شمعة ، ولكن قبل أن يغلق الباب نظر ثانية وكأنه يتوقع رؤية قفا مارلي على الجانب الآخر من الباب ، ثم أغلق الباب وقال :
- يووه ، هراء !
صعد سكروج إلى شقته ، وقبل أن يغلق بابه الثقيل مشى في أرجاء الشقة ليرى أن كل شيء على ما يرام.
لم يكن هناك أحد تحت المائدة ، ولا أحد تحت السرير ، كانت هناك نار صغيرة مشتعلة في الموقد ، وإناء به مشروب ساخن بجانبه .
وأغلق باب شقته بالمفتاح ثم ذهب وجلس بجانب الموقد .
وكانت رؤوس الأنبياء المذكورين في الإنجيل منحوتة في الحجر حول الموقد ، وعندما كان سكروج ينظر إليهم كان كل واحد منهم يبدو وجهاً لمارلي .
فقال :
- هراء ، خداع !
ومشى عبر الحجرة ، ثم عاد وجلس ثانية ، ونظر إلى أعلى فرأى جرسا ، جرسا لم يعد مستعملا لكنه بقي معلقاً في الحجرة ، وبينما هو كذلك رأى الجرس يتحرك ، تحرك بهدوؤ في البداية فلا يكاد يصدر صوتا ، ثم رن بصوت مرتفع وهكذا فعل كل جرس في المنزل ، ثم فجأة توقف رنين تلك الأجراس
وكان هناك ضجة في الأسفل ، وكأن شخصاً ما كان يسحب سلسلة ثقيلة .
فقال سكروج :
- إنه هراء ، خداع ، لن أصدقه !
ودخل عبر الباب الكبير ، ومر في الحجرة أمام عينيه ، والهب الخامد يقفز متوهجاً في الموقد .
وكان نفس الوجه ، هو ذاته ... مارلي مرتديا نفس الملابس التي كان يرتديها دائماً أثناء حياته ، لقد التفت السلسلة حوله وامتدت خلفه كالذيل ، كانت مصنوعةمن صناديق ادخار النقود ، ومفاتيح وأقفال ، ودفاتر محاسبة ، وسندات وأكياس نقود .
وأثناء نظر سكروج إليه كان يستطيع أن يرى الأشياء من خلال جسمه .
قال سكروج بصوته البارد :
- لماذا ؟ ماذا تريد مني ؟
- كثيراً
نعم إنه صوت مارلي
- من أنت ؟!!
- إسألني من كنت
قال سكروج :
- من كنت إذن ؟
قال الشيخ :
- في الحياة كنت يعقوب مارلي ، إنك لا تؤمن بي .
قال سكروج :
- لا ، لا أؤمن بك .
- إنك لا تصدق عينيك .
قال سكروج :
- لا ، لا أصدق فأنا لا أثق دائماً بعيني ، يمكن لأي شيء صغير أن يؤثر على نظر الإنسان ، فإذا أكلت قطعة من الخبز أو بعضاً من اللحم غير المطهو جيداً ، قد يجعل بصري يرى أشياء مغلوطة ، هذا خداع ! أقول لك خدااع .
عندئذ صرخ الشبح صرخة مخيفة وهز سلسلته بشكل عنيف و فظيع ، جعل سكروج يتشبث بكرسيه لينقذ نفسه من السقوط فاقد الحس .
ثم خلع الشبح قطعة القماش التي كانت مربوطة حول رأسه فسقط فمه مفتوحاً مثل فم الميت .
وسقط سكروج راكعا على ركبتيه ورفع يديه أمام وجهه متوسلا وهو يقول يصرخ :
- الرحمة .. لماذا جئت لتزعجني ؟
قال الشبح :
- والآن هل تؤمن بي أم لا ؟
قال سكروج :
-أؤمن ، أؤمن !ولكن لماذا على أشباح الموتى أن تمشي وتتجول في الأرض ؟ ولماذا يأتون إلي ؟
فأجاب الشبح :
- كل إنسان يجب أن يمشي في حياته بين رفاقه من الناس ويجول ، ويجب عليه أن يشاركهم أفراحهم وأحزانهم ، ولك إن لم تفعل روح الإنسان هذا في الحياة فيجب عليها أن تجول العالم بعد الموت وترى ما لا تستطيع أن تشارك فيه وكانت لابد أن تشارك فيه على الأرض وتحوله إلى سعادة.
وصاح الشبح ثانية صيحة مهولة وهز سلسلته .
قال سكروج ، منتفضا من الخوف :
- إنك مقيد بالسلاسل ، أخبرني لماذا ؟
أجاب الشب :
- إني أرتدي السلسلة التي صنعتها خلال حياتي ، صنعتها بوصة بوصة وقيدت بها نفسي بإرادتي الحرة .
هل ترغب في معرفة وزن وطول السلسلة التي تحملها أنت نفسك ؟
لقد كانت بثقل وطول هذه السلسلة منذ سبعة أعياد ميلاد مضت ، ولقد أضفت إليها الكثير منذ ذلك الحين .
- لا تقل لي المزيد .. قل لي شيئاً يريحني يا يعقوب !
أجاب الشبح :
- لا راحة عندي لأعطيها ، أنا لا أستطيع الراحة .. ولا أستطيع البقاء هنا ، يجب أن أذهب .
في الحياة لم تمشي روحي خارج المكتب أبداً ، لكن الآن أمامي الكثير من الرحلات المرهقة .
فكر سكروج :
- منذ سبع سنوات وأنت تسافر ، كل هذا الوقت ؟
قال الشبح :
- الوقت كله .. لا راحة ولا سلام ، ألا تدري أن أي روح تجد حياتها على الأرض قصيرة للغاية إزاء الفرص النافعة التي لا حد لها ، ولا يمكن لأي أسف بعد ذلك أن يعوض تلك الفرص الضائعة ؟ أما أنا فأضعتها كلها .
ورفع السلسلة على ذراعيه وكأنها سبب حزنه وألقى بها على الأرض وقال :
- في هذا الوقت من السنة تزداد معاناتي ،لماذا مشيت بين الناس وبصري خلفي ولم أرفعه أبداً في تلك النجمة المباركة التي قادت الحكماء إلى الرضيع عيسى المسيح عليه السلام ؟ ألم توجد بيوت فقيرة يقودني نورها إليها ؟ .... إسمع كلامي .
قال سكروج :
- سأفعل ... سأفعل ! لكن لا تكن قاسياً علي .
- لقد جلست بجانبك دون أن تراني أياماً كثيرة
لم تكن هذه الفكرة سارة بالنسبة لسكروج ، واستمر الشبح قائلاً :
- و أنا هنا الليلة لأحذرك ، لا زالت لديك فرصة وأمل للهروب من مصيري .
قال سكروج :
- لقد كنت دائماً صديقا طيباً ، شكراً لك .
قال الشبح :
- سوف تزورك أرواح ثلاث ، توقع الروح الأولى غداً عندما تدق أجراس الكنيسة الساعة الواحدة .. وتوقع الثانية في الليلة التالية في نفس الساعة ..والثالثة في الليلة التالية عندما تنتهي الدقة الأخيرة للساعة الثانية عشر ، ولن تراني مرة أخرى .
لكن تذكر من أجل مصلحتك ما قلته لك .
وأخذ الشبح قطعة القماش عن المائدة وربطها حول رأسه، فاصطكت أسنانه بسبب شدة ربطها ، وأصدرت صوتا حاداً .
ثم تراجع للخلف مبتعدا عن سكروج ، وفي كل خطوة يخطوها الشبح كانت النافذة ترتفع قليلاً إلى أن وصل إليها عندها فتحت تماماً ، وأصدر الشبح إشارة لسكروج لكي يقترب ، وعندما أصبحا على بعد خطوتين من بعضهما ،مد شبح مارلي يده يحذره ألا يقترب أكثر .
وسمع سكروج في الخارج صرخات أسى ونحيب ، وأنصت الشبح للحظة ثم انضم للأصوات وأخذ يطفو فوق عتمة الليل .
تبعه سكروج إلى النافذة وأطل منها فكان الهواء ممتلئاً بالأشباح الهائمة هنا وهناك بسرعة ، وكانت متململة ضجرة ناحبة باكية أثناء ذهابها .
وكل واحد منها كانت يرتدي سلسلة تشبه سلسلة مارلي ، وبعض الرجال ممن كان سكروج يعرفهم في حياتهم وجميعهم كانوا يبكون لأنهم قد ضيعوا القدرة على مساعدة الناس أما الآن فلا يستطيعون .
إختفت الأشباح في الضباب وتلاشت أصواتها ، وأصبح الليل ساكناً كما كان عندما عاد سكروج للبيت وأغلق سكروج النافذة ، وجرب فتح الباب فوجده مقفلا كما تركه تماماً .
وحاول أن يقول : خداع ... لكنه توقف هذه المرة
ثم ألقى نفسه على سريره وسقط نائماً دون أن يخلع ملابسه .

ترنيمة الميلاد ل تشارلز ديكنزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن