لا خير يموت

37 6 0
                                    

أول ما فتحت عيادة في مصر زمان، كانت ظروفي المادية صعبة شوية.
صعبة لدرجة إني مكنتش عارف أدفع إيجار العيادة و مرتب المساعد إللي شغال فيها، غير إني أصلاً كنت مستلف تمن العفش و اليافطة و التجهيزات، و مكنتش لسة سددت الدين إللي عليا.

ساعتها أنا كنت في عرض كل مليم يدخلي .

مرة جاتلي ست محتاجة عملية كبيرة في العمود الفقري،
عملية تكلفتها آلافات، من مسامير و مستلزمات،
طبعاً غير مصاريف المستشفى الخاصة و أجر الجراح و التخدير.

المريضة جاتلي مع أولادها، الإتنين، و إتفقت معاهم على العملية، و على ميعادها،
و لما سألوني على التكلفة المادية،
قولتلهم على تكلفة المستشفى الخاص إللي هي أصلاً مستشفي بسيطة و مبتاخدش أرقام كبيرة مقارنة بمستشفيات تانية كتير.

المريضة و ولادها متكلموش كتير
قالوا خلاص، حنفكر و نرجعلك.

بعد ما مشيوا، رجعت بنتها، و سألتني؛
إذا كان ينفع تعمل العمليات في مستشفى حكومي، لأن طروفهم متسمحش بالمصاريف كلها.
بس بشرط أنا إللي أعملها العملية.

أنا مترددتش،
و قولتلها طبعاً.

بعدها دخلي المساعد بتاعي و إتخانق معايا،
قالي إزاي ترجع عملية خاصة زي دي و تحولها على المستشفى الحكومي.
إزاي و أحنا مش عارفين ندفع الإيجار، و صاحب البيت بعتلنا يستعجلنا.
و عملية زي دي كانت حتفك زنقتنا و لو مؤقتاً.

قولتله،
يعني أنا علشان مزنوق، أزنق الناس معايا.

المهم،
حولت المريضة لمستشفى حكومي و عملتلها العملية هناك.

في أوضة العمليات قبل ما الست تنام تحت التخدير
لقيتها بتقولي؛
أنا مش عارفة أشكرك إزاي يا دكتور،
إنت أول دكتور يوافق يعملنا العملية ببلاش.

و دعتلي ربنا يرزقني من وسع…..

تقريباً ربنا إستجاب للست دي .
و فعلا رزقني من وسع،
لدرجة إني مكنتش ملاحق.

العيادة مفضيتش من العيانين
في أيام كنت بأضطر أقعد للفجر من زحمة المرضى.

سبحان الله
في يومين إتبدل الحال.
من واحد مديون مش عارف يدفع الإيجار،
لعيادة مليانة، و فتحت جنبها عيادة تانية في مكان أحسن.

مع إني بعدها بسنتين قفلت العيادتين و سافرت ألمانيا لأسباب تانية، منها إني كنت عايز أتعلم أحسن في مجال العمود الفقري.

لكن في السنتين دول مكنتش ملاحق على الشغل.
و مكتش بأفكر حأشتغل إزاي و فين و لا شايل هم الفلوس.

حتى الأماكن إللي كانت مقفولة عليا، إتفتحت لوحدها،
و إشتغلت في أكبر مستشفيات في مصر.

حتى في ألمانيا
لما إتعرضت بسبب ظروف لضائقة مالية كبيرة،
ربنا بعتلي صديق يفك زنقتي من غير ما أطلب.
هو إللي كلمني صدفة في وقت كنت خلاص داخل في الحيط،
و عرض عليا المساعدة،
و خلال يومين سلفني و زنقتي إتفكت.

النهاردة، و بعد ١٠ سنين من القصة دى، إبن المريضة بعتلي رسالة يسلم عليا و يطمني إن والدته بخير و بتدعيلي.
دلوقتي بس عرفت ربنا ساترها معايا ليه..

أنا لو كنت فكرت للحظة، كان ممكن أضعف قدام نفسي،
كان ممكن أبص لزنقتي، و مفكرش غير في الفلوس إللي تحت رجليا.
لكن الحمد لله.

علشان كده،
متترددش في فعل الخير،
متسألش نفسك و تستني.
حتى لو كان الخير دا تقيل عليك.

تصدقوا يا جماعة،
بحق الأيام المُفترجة دي تصدقوا، و زيدوا من العطاء
تصدقوا بفلوسكم و وقتكم و مجهودكم،
تصدقوا و متخافوش، الرزق موجود و حيزيد.

قال تعالى: مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنۢبُلَةٍۢ مِّاْئَةُ حَبَّةٍۢ ۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ.

صدق الله العظيم….

د/ احمد بسيم

سعادة بطعم الأخلاق والدينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن