طبيب الغلابة

110 13 3
                                    

بمناسبة الدكتور مشالي..

في نوع من الناس الدولة بتحبّه وتلمّعه جدًا..الفقير المعدم، اللي مفيش في جيبه جنيه، ومش عارف يسد أبسط احتياجاته الآدمية، ومع ذلك عمره ما يسألها حقي في التعليم والرعاية الصحية والإعانات الإجتماعية فين؟..لأ..بيحمّل نفسه المسئولية..فقره بسبب كسله وقلة مجهوده..ما هو أصل ربنا خلق الناس طبقات..وإيه هتكسب من الدنيا لو آخرتك خسرانة..الغني غني النفس والحساب يوم الدين..الفقير أبو جلابية مقطّعة، اللي بيتلخبط في إسم الجنرال الأول، وبينطق بلكنة فلاحية أو صعيدية غائرة، الدولة دائمًا تسمّيه..أهالينا البسطاء..مبارك يأخد معاه فنجان شاي، وينزل علي شاشات القناة الأولي أيام تزوير إنتخابات 2005 علي أنغام ‘‘اللي ضحّي لأجل وطنه‘‘، أو الجنرال السيسي، يشوفه سايق ميكروباص، فيصطاده من علي الطريق، ويعطيه اللي فيه النصيب، ويعمل علي حس العطيّة، كام فيلم قصير، تذيعهم القنوات السيادية.

الدولة استثمرت كويس جدًا عشان تنتج هذه النوعية من ‘‘أهالينا البسطاء‘‘..وأكبر استثماراتها كان الخطاب الديني الوقح في انبطاحيته..خطاب بيقدّمه جيل جديد من مشايخ السلطة..شاب لطيف، بدقن خفيفة، وقميص ضيّق بيوضّح مجهوده في الجيم، ومش بيعمل شيء في حياته، غير أنه بيكلمك عنك..بس مش عنك كجزء من دائرة أوسع اسمها السلطة والمجتمع وتراتبية القرار وهرم الثروة..لأ..عنك كجزء منبّت الصلة بكل التفاعلات التي أنتجته..مش معني أنك خريج جامعة، لا تيجد ألف باء بحث علمي، ومستواك في سوق التوظيف رديء..أنك تلقي باللائمة علي فشل قطاع التعليم الحكومي..مش معني أنك تعبت ومش لاقي دوا وعلاج وسرير في مستشفي، أنك تسأل عن مخصصات قطاع الصحة..ولا معني أنك مش قادر تجيب شقة إيجار جديد وتفرشها عشان تتجوّز، أنك تسأل اللي فوق عن حقك في السكن.

أنت مش ضحية للسلطة..أنت ضحية لنفسك وسوء عبادتك وتعلقك الزائف بالحياة الدنيا..وفي الآخر من أعمالكم سُلط عليكم، ودي الحكومة اللي تستحقها، ولا يُغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم..متفهمش غلط وتفكّر أن ‘‘ما بأنفسهم‘‘ تعني تغيير أحوالك الكلية، بمحاسبة السلطة وانتزاع حقوقك، لأ، ما بأنفسهم، اللي هو أنت، غيّر الأول الفقر والجهل والمرض اللي الدولة زرعتهم فيك، وبعدها ابقي اسألها عن حقك..والنتيجة مواطن فقير وخانع، لا هيغيّر نفسه، ولا عيغير السلطة، وهيفضل في دائرة العبودية، يشتغل بأقصي جهد، وبأقل أجر، ويرضي بنصيبه، بل وسيتحوّل إلي كلب السلطة المسعور حرفيًا، لو غيره فكّر يسأل عن حقه..الدولة استثمرت في بناء المواطن الذليل وكسبت فعلًا..وموت مبارك كان مؤشر هائل علي تقديس الناس لجلاديهم الذين أفقروا وأمرضوا وطغوا..قطاع واسع كان يترحم بصدق شديد جدًا، وهو مقتنع أن مبارك قدم ما عليه، وأنهم المسئولين فقط عن مصائرهم التعيسة.

دكتور فقير، بيساعد فقراء، في منطقة فقيرة...دكتور لا يعتني بلبسه أو هندامه وهيئته وشكل عيادته تشيان بإنعدام أبسط إجراءات الإعتناء بالنظافة الشخصية الضرورية لممارسة المهنة وثقة المرضي..دكتور مبيسألش الدولة عن التأمين الصحي وعن حقه في أجر عادل يوازي مجهوده والمصاريف التي تكبّدتها أسرته لتعليمه وتوظيفه..هو ده بالتحديد النموذج اللي الدولة ممكّن تلمّعه بداية من برنامج المذيع التائب عن السياسة بعد قرصة ودن، والمتّجه لبرامج الوعظ المجتمعي والصعبانيات علي قناة النهار، لغاية برنامج غسيل السمعة الإماراتي..نموذج أهالينا البسطاء في الدكتور مشالي، مش بيتلمع لشخص الرجل..إطلاقًا..بل لإدانة كل شخص يطالب بحقه..لما تبقي دكتور ومتخرج وبتطالب بمرتب كريم أو بدل عدوي، يمنعك من الإستقالة أو الهرب للخارج، هيحط صورة مشالي في وجهك، ويصدّرك للمجتمع باعتبار مطالبتك بحقك، جشع، لأن غيرك بيمارس المهنة بمنتهي الذل، تحت شعار لوجه الله الكريم..ومش بس كده.

سعادة بطعم الأخلاق والدينحيث تعيش القصص. اكتشف الآن