عطرها النفاذ يتسلل لأنوف كل الجالسين بينما كعبي حذائيها يدقان على الأرضية المصقولة في إيقاع قوي واثق يدعمه ابتسامتها الهادئة وهي تتخطى الصفوف كلها ببدلتها النسائية الرسمية وشعرها الأسود المفرود حتى منتصف ظهرها .. تصافح الرئيسة وتتسلم منها الدرع المذهّب وتدور بجسدها نصف دورة لتواجه الكاميرا التي لمع (فلاشها) أربعة مرات، مرتان مع الرئيسة ومرتان لها هي والدرع فقط..
تقف على المنصة لتواجه الجميع بعينين سوداءان واسعتان تمسحان الحضور بذكاء وكبرياء واضحان ..عندما انتهى التصفيق، قربت الميكروفون من فمها وقالت: أشكركم .. وأشكر المجلس على هذا التكريم الذي لا أستحقه .. لكنني بالأكثر أشكره على وجوده، فقد كان المجلس القومي للأمومة والطفولة أهم أعمدة دعم كل امرأة في بلدنا .. وأنا لا استثني نفسي من كوني ممن استفدن بذلك الدعم، فلولا تشجيع صديقاتي في المجلس، لما حصلت على الماچستير وما كان ليكون احتفال اليوم.. وما كنتم لتحصلون على هذا العشاء المجاني..
ساد الصمت لحظة ثم أدرك بعض الحضور المزحة فضحكوا، لينتشر الفهم ويضحك البقية ..
ثم أكملت هي: عندما جلست مع مشرف رسالتي في البداية، استخدمت كل قدراتي على الاقناع لأجعله يوافق على أن يكون موضوع الرسالة عن التغيرات في الموصّلات العصبية في المخ عند التعرض للعنف، والعنف ضد النساء نموذجا.
ثم أشارت لرجل مسن بدا عليه الوقار جالسا في الصف الأول وقالت: ولكن -لدهشتي- لم يمانع د. عبد العظيم، بل انه تحمل معي سنتين طويلتين حتى وُلدَت الرسالة الأسبوع الفائت خلال مناقشة، كان هو -للغرابة- ناقدي الأكبر فيها، حتى أن باقي أعضاء لجنة المناقشة في النهاية كانوا يتوسلون له أن يتركني هذه المرة وأن يعوضها عند مناقشة الدكتوراة.
ضحك الجميع بينما اتسعت ابتسامة د. عبد العظيم لتملأ وجهه وهو يوميء برأسه موافقا على كلامها ..
أكملت هي: حسنا .. لست ممن يطيلون الحديث حتى يمل المستمعون. لا شيء آخر لأقوله اليوم، ولكنني سأترككم مع احصائية الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء التي توضح ان هناك امرأة من كل ثلاث نساء تتعرض لنوع من العنف بشكل متواصل من الزوج او من أحد أفراد أسرتها .. دعوني أشير أن هذه هي الحالات المسجلة والتي تم الإبلاغ عنها، فكم تكون في رأيكم الحالات الفعلية؟ .. سأترك هذا السؤال معلقا في الهواء لأذكر نفسي وإياكم أن هناك ماراثون طويل لدينا كمجلس لحماية كل امرأة في بلادنا وأن المعركة الحقيقية لا تزال في بدايتها ..
اخذت نفسا عميقا ثم استعادت ابتسامتها الهادئة وقالت: أكرر شكري لأعضاء المجلس، ولدكتور عبد العظيم، ولزوجي د. زين على دعمه وتشجيعه اللذان لم يتوقفا والذي لولاه لما استطعت أن أنهي رسالتي ولا حتى أن أكون ضمن أعضاء هذا المجلس .. اشكركم مرة أخرى وأتمنى لكم أمسية سعيدة وعشاء لذيذا ..
أنت تقرأ
دوائر حمراء
Romanceطبيبة نفسية تعيش حياة مستقرة .. ومن اللا مكان تتخذ حياتها مسارا عجيبا لا يمكن تصديقه .. بين ما يحدث وتعليق الطبيبة في يومياتها، نعيش أحداثا تبدو خيالا أكثر منها واقعا ...