البوابة الحديدية الضخمة من جديد..
نفير سيارة مرة واحدة، ثم نفير متواصل عالي واكثر ازعاجا..ينفتح الباب الصغير من البوابة ليرى الشاب بالداخل السيارة فيرفع كفه معتذرا ثم يهرول ليفتح البوابة الكبيرة على مصراعيها، ثم يهرول ناحية نافذة السيارة الجانبية..
يقول الشاب: معذرة يا (ست هانم) لقد كنت نائما، لم اكن اعرف انك آتية اليوم.
تنظر له ريهام ماطة شفتيها وقائلة: من اليوم سأكون هنا كل يوم جمعة في هذه الساعة، عليك ان تستيقظ مبكرا وتحضر (مهرة) لي قبل ان أصل. هل فهمت أم انك لازلت نائما؟
يهز سعد رأسه قائلا: فهمت.. فهمت يا هانم. هل تريديني ان احضر لك مهرة الآن؟
تنظر له بتعجب وتقول: بالطبع أيها الغبي، ما الذي كنت اقوله منذ ثانيتين؟
يزدرى سعد لعابه ثم يقول: اسف.. اسف يا (ست هانم)
تهز رأسها وتقول: أمامك عشر دقائق ريثما أبدل ملابسي، واحضرها لي عند بوابة الڤيللا
ثم تنطلق بالسيارة للداخل غير منتظرة لرده..
تتوقف بالسيارة عند موقف سيارات المزرعة ثم تترجل منها وتفتح الباب الحديدي المغشى بالزجاج نصف الشفاف لتدخل الڤيلا وتصعد إلى غرفتها. تفتح خزانة الملابس وتلتقط الغلاف القماشي المعلق بالداخل وتفتحه وتخرج بذلة فروسيتها القديمة. تلوح نصف ابتسامة (نوستالچية) على فمها.
تخلع بلوزتها وبنطالها وترتدي قميص البذلة وبنطالها، كانا ضيقان والازرار بالكاد تنغلق. تحشر ذراعيها في سترة البذلة. تجمع شعرها الطويل وتربطه في شكل ذيل حصان، ثم تدس قدميها في الحذاء الجلدي طويل الرقبة.
تلقي على نفسها نظرة أخيرة في المرآة، ثم تتنهد وتذهب معطية لها ظهرها...
تخرج من باب الڤيلا لتجد سعد واقفا ممسكا بلجام مهرة ويربت عليها بيده الاخرى..
ترتسم ابتسامة سعيدة بالرغم منها عندما تلتقي عيناها بعيني مهرة. تقترب وتقبلها على عنقها في تأثر..
تلتقط اللجام وتستعد للركوب. يقول سعد: هل تحتاجين مساعدة يا ست هانم؟
تبتسم ابتسامة ساخرة ثم ترفع قدمها اليسرى لتضعها على حلقة السرج وفي حركة ماهرة رشيقة تعتلي ظهر مهرة.
تقول وهي تبتعد: سأعود بعد نصف الساعة، انتظر هنا لتأخذها مني.
يقول شيئا ولكنها لا تسمعه.. فهواء الصباح كان قويا يبدد الاصوات، ولكنه ايضا شديدا متحديا مغريا بالانطلاق بمهرة، وهذا ما فعلته..
تشد على لجام مهرة لتزيد من سرعتها.. مهرة تستجيب بشكل تلقائي.. حدائق المزرعة واسعة ممتدة باستثناء بعض الاشجار والنخيل المتباعدة، وشمس الصباح لا تزال لطيفة لم تشتد بعد.. كل شيء مثالي ورائع..
تزيد من سرعة مهرة اكثر واكثر، تدور بها في كل اتجاه، تخترق لفحات الهواء بإصرار، تجتاز كل ارجاء المزرعة الفسيخة التي لم تقترب منها منذ سنوات..
أخيرا تعود.. تجد سعد عند باب الفيلا..
تترجل من على ظهر مهرة وتقول: الجمعة القادمة أريدك ان تضع حواجز الفروسية القديمة، ستجدها مكدسة في المخزن المجاور للاسطبل. هل تعرف كيف تضعهم بشكل صحيح؟
يرتبك سعد قليلا ويقول: يمكنني أن أسأل (أبويا) وأعرف منه
تمط شفتيها مرة أخرى وتقول: الأجدر بك ان تضعها جيدا. حسنا، سأنزل بعد نصف ساعة أخرى، أوصل مهرة للاسطبل ولا تبرح البوابة، لا اريد أن انتظر مثل كل مرة.
تدخل الڤيللا وتصعد إلى غرفتها مرة أخرى. تلتقط ملابسها الداخلية من حقيبتها ثم تدخل إلى الحمام. تفتح المياه ثم تخلع ملابسها المليئة بالعرق. تنظر لجسدها العاري في المرآة نظرة صامتة، ثم تخطو لتغمر نفسها بالمياه الساخنة. تمتد كفها تلقائيا لتلتقط أداة (الدُش) الشبيهة بسماعة التليفون. تتردد قليلا ثم تعيدها لمكانها. تلتقط الصابونة عوضا وتغسل جسدها بها.
تغلق المياه وتجفف شعرها ثم باقي جسدها بالمنشفة. ترتدي الملابس الداخلية ثم تخرج للحجرة وترتدي باقي ملابسها.
تنزل لأسفل، ثم تلقي نظرة على داخل الڤيللا لثواني قبل أن تغلق الباب.
تذهب ناحية سيارتها لتجد انها تبدو اكثر نظافة. تركب السيارة وتتجه بها نحو بوابة المزرعة. ترى سعد الذي ما ان رأى السيارة انتفض وألقى الكتاب الذي يقرأه جانبا ثم جرى ناحية البوابة الكبيرة وفتحها.
تتوقف ريهام بالسيارة عندما تصل للبوابة وتسأله: هل غسلت السيارة؟
يقول سعد: نعم.. غسلتها فقط من الخارج لئلا تكون هناك أشياء ثمينة بالداخل.
تقول: انا لا احتفظ بأشياء ثمينة في السيارة، يمكنك المرة القادمة ان تغسلها من الداخل أيضا. ماذا قلت لي اسمك؟
يجيب: سعد.. سعد يا ست هانم.
تسأله: ماذا كنت تقرأ يا سعد؟
يجيب: رواية يا ست هانم.
تهز رأسها وتقول: ما اسمها؟
يجيب بسرعة: العنكبوت
تبتسم وتقول: لمصطفى محمود.. كم عمرك؟
يجيب: أنا في التاسعة عشر يا ست هانم.
تمط شفتيها وتقول: اختيار منطقي للكتاب إذا.. حسنا، لا تتوقف عن القراءة يا سعد، وسيتحسن ذوقك مع الوقت..
ثم فتحت حقيبتها والتقطت خمسون جنيها وقدمتها له.ينتفض سعد وكأن أفعى لدغته ويقول: لا لا يا ست هانم، أكثر الله من خيرك، المرتب يصل لأبويا من (البيه) الكبير ولا نحتاج شيئا الحمد لله.
تقول: هذه غير المرتب، اعتبرها لشراء كتب افضل المرة القادمة.
يهز رأسه رافضا ويقول: انا أذهب لسور الأزبكية وأجد هناك ما أريد بأسعار جيدة.
تمد يدها بعصبية هذه المرة وتقول: هل ستحكي قصة حياتك؟ عندما اعطيك شيئا خذه ولا تناقش.
مد يده واخذ منها النقود في تردد، وأغلقت هي زجاج النافذة وانطلقت بالسيارة التي أصدرت اطاراتها صرير عالي عنيف نحو الشارع الواسع بالخارج...
أنت تقرأ
دوائر حمراء
Romanceطبيبة نفسية تعيش حياة مستقرة .. ومن اللا مكان تتخذ حياتها مسارا عجيبا لا يمكن تصديقه .. بين ما يحدث وتعليق الطبيبة في يومياتها، نعيش أحداثا تبدو خيالا أكثر منها واقعا ...