أصدر الباب صوت صرير نتيجة فتحه، تابعه انبعاث ضوء الشمس الخافت وقت غروبها لتلك الغرفة المظلمة، دلف العسكري وعينيه تتجول في الغرفة حتى رأها، فقال بصرامة:
_هيا انهضِ، الضابط يستدعيكِ.
راقبها العسكري بجمود وهي تنهض وتربت على ملابسها حتى تزيل الأتربة، ثم رفعت عينيها ونظرت له بقوة وخرجت معه.
سارت معه في ممرات متداخلة حتى وصلت إلى مكتب الضابط.
دلفت بعدما طرق العسكري واستأذن منه، نظرت للضابط الذي تجولت عيناه إلى الدماء المتحجرة جانب شفتيها وتلك الأصابع التي تركت أثر على وجنتها وملابسها المبعثرة، فهي الأمس عندما أرادوا استجوابها ولم تتحدث، تطاول عليها العسكري حتى تقر وتعترف.
قال الضابط بصرامة:
_جاء اليوم ذلك الشخص الذي اتهمك بدخول بيته ومحاولة سرقته، وتنازل عن المحضر، وأفرجنا عنكِ، أيا كان يا نَرجِس خطتك لسرقة ذلك الرجل حقيقة أم لا، ولكن إذا دخلتي إلى هنا بأي اتهامات أخرى، لا أعدك أنني أرحمك وأتركك مرة ثانية دون اعترافك.
أومات نَرجِس واستأذنت وخرجت.
نظرت نَرجِس للسماء بتعب بعدما خرجت من قسم الشرطة بأكمله، ثم أخذت تجر قدمها في اتجاه منزلها.
______________________________
وصلت نَرجِس إلى منزلها، ولكن تحولت نظرتها من فرحة بخروجها من السجن وشوق لأهلها إلى صدمة بعدما رأت أنقاض منزلها بعدما هُدم، شعرت بيد ترتب على منكبها وصوت إمرأة من جيرانها تتحدث بحزن:
_منذ شهر سقط البيت بسبب الأمطار الغزيرة وكما تعلمينَ أنه كان على المحك.
قالت نَرجِس بهدوء وكأن شيء لم يحدث
_هل نجى منهم أحد.
هزت المرأة رأسها ب"لا"، ولكنها قالت بسرعة
_يمكنكِ البقاء معي في منزلي.
_ولكن....
قاطعتها تلك المرأة وهي تجذبها من يدها وتتجه نحو منزلها
_لقد أوصاني والديكِ أن عندما أراكِ أعتني بك، ولا تقلقي لقد تزوج ابني ولا يوجد أحد غيري بالمنزل.
_حسنا، ولكن سأذهب في الغد للبحث عن مال وأعود إلى حياتي السابقة.
_كما تريدين.
توقفت المرأة أمام منزلها وأدارت مفتاحها في الباب ودلفت ومعها نَرجِس.
_سأجلب لكِ ملابس وسأذهب لإعداد الطعام قبل آذان العشاء حتى تنعمين بالنوم مبكرًا.مر اليوم كما خططت له تلك المرأة، وعند شروق اليوم التالي، كانت نَرجِس تقف أمام النافذة تراقب الشروق وتتذكر كل ما مرت به، منذ دخولها لذلك المنزل الذي كان قد نسى أخيها الصغير قصته بالداخل عندما كان يلعب مع صديقه، وقد استأذنت من الخادمة أنها ستجلب شيء من غرفة الطفل، ولكنها صدمت عندما جاء صاحب المنزل واتهمها بالسرقة وعندما حاولت التبرير له، كان قد سبقها واتصل بالشرطة وجاءت لأخذها، لا تعلم لماذا تنازل عن المحضر وتم الافراج عنها بعد ثلاثة أشهر، فمن المستحيل أن يكون اكتشف برائتها بعد ثلاثة أشهر ولم يكتشفها قبل ذلك.
طرقات على باب الغرفة كانت كفيلة إنت توقظها من ذكرياتها وتعود بها إلى هذا العالم، دلفت تلك السيدة وقالت بحنان:
_لقد أعدتُ الفطور، هيا لتأكلِ.
أومات نَرجِس وخرجت خلفها.
______________________________
بعد حوالي نصف ساعة كانت تقف نَرجِس على باب المنزل وتودع السيدة بلطف، خرجت من المنزل واتجهت إلى منزلها ودون تفكير دخلت بين الأنقاض لتبحث عن أي شيء خاص بأهلها.
مسكت فستان ممزق لوالدتها وابتسمت عندما تذكرت أنهم كانوا يتشاجرون لارتداءه، ثم أمسكت بقصة قديمة وورقها مُكرمش قليلًا ولكنها متحاوطة بجرنال، وتذكرت أن أخيها الصغير كان يأخذ الجرنال الخاص بوالده ويحاوط به قصصه حتى لا تتمزق أطرافها وتبدو كأنها جديدة.
أخذت القصة معها وغاصت أكثر في ذكرياتها مع أهلها.
بعد فترة كانت تسير في الطرق المليئة بالمحلات وتبحث عن عمل، حتى وصلت إلى محل بيع زهور.
دخلت بثقة وقالت:
_هل تحتاجون إلى أحد ليعمل هنا.
نظر لها صاحب المحل بتحفص وقال:
_أنا لم أطلب أحد للعمل، ولكن إذا كنتِ تحتاجين إلى عمل سريعًا، فحسنًا موافق.
قالت نَرجِس بتوجس:
_على أي شيء موافق؟
أجابها الرجل بهدوء:
_على عملك هنا، ولكن لن تمضي كثيراً لأنني لست بحاجة لأحد كي يعمل، فيجب عليكِ تكملة البحث عن عمل، وإن لم تجدي عمل آخر فتعالي إلي هنا في صباح الغد.
_حسنًا حسنًا.
قالتها نَرجِس بلا مبالاة وهي تخرج من المحل، وعندما ابتعدت عدة خطوات عن المحل، قالت بعصبية:
_تبًا، هل يظن أنني أشحذ منه حتى يتعامل معي بتعاطف ويوافق وهو لا يحتاج إلى أحد ليعمل معه.
زفرت بحنق وأكملت رحلتها في البحث عن عمل، بعد عدة ساعات قالت بضيق وهي تجلس على أحدي الكراسي المصفوفة أمام محطة السيارات:
_تبًا له مرة أخرى، يبدو أن جميع الأمور تُعانِد معي حتى أعود إلى ذلك الرجل.
ظلت دقائق لترتاح ثم نهضت وذهبت إلى منزل جارتها.
______________________________
دلفت إلى المنزل بعدما فتحت لها السيدة الباب، وقالت:
_ماذا فعلتِ، هل وجدتِ عمل مناسب؟
أجابت نَرجِس بضيق:
_كان يوجد محل زهور في أخر الشارع، فقلتُ في نفسي اذهبي إليه وبالتأكيد هو لن يوافق على عملي، وخاصة أن المحل صغير ولا توجد أقدام كثيرة عليه، ولكن هذا المحل الوحيد الذي وافق صاحبه عليَّ، وأنا حقًا لا أطيق الذهاب.
_لماذا؟ أنتِ ستعملين لفترة مؤقتة بالتأكيد.
_بالضبط، ولكن أنا احتاج مال حتى استأجر بيت، وهذا العمل لن يزداد عن 1500ج في الشهر.
عنفتها تلك السيدة ووكزتها في كتفها وقالت:
_استأجار ماذا!!
أنتِ حقًا حمقاء، هل أنا أزعجتك في شيء، لا تشغلي بالك الآن بالمنزل واعملي حتى تجلبي مال وتعودين إلي تلك الحياة التي فقدتيها بسبب السجن.
ابتسمت نَرجِس في خفية على تلك السيدة اللطيفة، وقالت:
_حسنا، لن أذهب من المنزل وسأكتفي بالعمل فقط، والآن أنا سأذهب للنوم، هناك ألم في قدماي رهيب وأريد الراحة.
نهضت نَرجِس ودلفت إلى غرفتها ومددت فوق الفراش بتعب، وأخرجت تلك القصة التي كانت تضعها في معطفها.
بدأت في قراءة القصة، ولكنها لم تقرأ بتركيز على قدر ما كانت تسترجع ذكرياتها مع أخيها، وفجأة وقع خاتم فضي يتوسطه غرزة زرقاء، أمسكت نَرجس الخاتم وعلى الفور علمت أنه خاص بأخيها، ولكنها صدمت عندما ظهر لها .........بارت صغير عشان اعرف رأيكم.
رأيكم يا سكاكير🧡🧡