احتلت الصدمة ملامح نَرجِس بعدما ظهر ضوء كبير على هيئة باب، نظرت نَرجِس للخاتم بخوف ثم إلى الباب وتقدمت إليه بفضول وأغمضت عينيها بترقب.
فتحت عينيها ونظرت حولها، فلم تجد أي اختلاف عدا أنها في غرفتها ولكن في منزلها.
خرجت من الغرفة ووجدت والدتها تبكي بحرقة ووالدها يشتد على ملامحه الحزن والهم وأخيها يجلس في زاوية بجوار باب المنزل ويضم قدميه إلى صدره ويبكي، فقالت نَرجِس باستغراب:
_ماذا بكم؟ ما الذي حدث؟
نظروا جميعهم إليها بصدمة ثم ضموها بفرحة.
قالت والدتها بدهشة:
_كيف خرجتِ من الغرفة وأنتِ منذ دقائق أخذكِ الشرطي.
حاولت نَرجِس التحدث بطبيعية وقالت:
_لقد تنازل الرجل عن المحضر، وها أنا عدتُ.
قال أخيها وهو يمسح دموعه بكفيه:
_هل أعادكِ الرجل إلى غرفتك؟
لم تعرف نَرجس بماذا تجيب، فقالت بسرعة وهي تخرج من المنزل:
_يجب عليَّ الذهاب وعندما أعود سأجيب على أي سؤال.
أنهت جملتها وخرجت، تحدثت نَرجِس بضيق مع نفسها:
_يا إلهي، حتى عندما عدتُ بالزمان، عودتُ لأقذر أيام حياتي، ذلك لو كان قرد تبول في حياتي لكانت أفضل من ذلك.
ظلت تفكر ماذا تفعل في هذا العالم، وكيف تعود إلى عالمها، حتى جاءت فكرة في خاطرها.
ذهبت نَرجِس إلى قسم الشرطة وطلبت الزيارة ل(نَرجِس الثانية) وأخبرتهم أنها شقيقتها التوأم وانتظرتها في مكتب الضابط.
دخلت (نَرجِس الثانية) وصدمت عندما رأت نَرجِس التي كانت تنظر لها ببرود.
فقالت (نَرجِس الثانية) بصدمة:
_من أنتِ؟ وكيف تشبهيني إلى هذا الحد؟
ردت نَرجِس ببرود وتجاهلت أسئلتها:
_هيا استبدلي ملابسك معي، وأخرجي من هنا، واتركي الأمر لي.
فرحت (نَرجِس الثانية) وقالت بسعادة:
_هل يمكنني الخروج من هنا؟
لم تنتظر (نَرجِس الثانية) إجابة نَرجِس، بل أنها خلعت ملابس المساجين وبدلتها مع نَرجِس.
قالت لها نَرجِس وهي تعطيها مال:
_خذِ هذا واشتري بعض الحلوى وعندما تذهبين إلى المنزل أخبريهم أنكِ ذهبتي لجلب الحلوى كإحتفال بخروجك من السجن.
_حسنا حسنا.
خرجت (نَرجِس الثانية) بتوتر من أن تنكشف، بينما نَرجِس ذهبت مع العسكري خلف القضبان.
_______________________________
مرت ثلاثة أشهر وخرجت نَرجِس من السجن وما أثارها أن كل شيء حدث كما حدث في عالمها ولم يختلف شيء، بينما أكملت (نَرجِس الثانية) حياتها ولكنها استطاعت انقاذ أسرتها على عكس العالم الأخر.
عندما خرجت نَرجِس من قسم الشرطة لم تتحمل السيطرة على قدمها وسقطت على الارض بضعف ولم تستطيع الوقوف مرة ثانية، نظرت إلى قدمها بخوف، فوجدت أن قدمها تختفي تدريجيًا وأيضا باقي جسدها.
نظرت نَرجِس حولها، وجدت نفسها في غرفتها في منزل جارتها.
خرجت من الغرفة وجدت جارتها تضع الطعام على الطاولة.
سألت نَرجِس السيدة:
_كم مضى من الوقت يا خالة حسناء؟
أجابت حسناء:
_لقد مضى ثلاث ساعات فقط، الساعة الآن السادسة مساءً.
صمتت للحظات ثم تساءلت:
_هل نمتِ جيدًا أم أن صوتي وصل إليكِ في الداخل وأزعجكِ؟
هزت نَرجِس رأسها بنفي وهي تجلس امام طاولة الطعام وقالت:
_لا لم أنزعج لقد مر الوقت وكأنه ثلاثة أشهر وليس ساعات.
ابتسمت حسناء ظنًا منها أن نَرجِس تمزح وقالت:
_هل تخليتي عن شخصيتكِ الباردة وأصبحتِ تمزحين!
_لكنني لا أمزح يا خالة.
نظرت لها حسناء بإستغراب ولكنها تجاهلت كلامها وجلست هي أيضًا لتأكل.
______________________________
مر اليوم دون أحداث كثيرة واستيقظت نَرجِس في صباح اليوم التالي وذهبت إلى محل الزهور.
قابلها صاحب المحل الذي قال عندما رأها:
_يبدو أنكِ لم تجدِ عمل.
نظرت له نَرجِس بضيق وقالت ببرود:
_ويبدو أنك تظن أنني جئت حبًا في المكان.
ابتسم الرجل ببرود، ثم اخذ زهرة بيضاء ومد يده لها، وقال بلطف:
_لا تأخذِ كل الكلام على محمل الجد، اقبلِ مني هذه كإعتذار على حديثي أمس.
أخذت نَرجس الزهرة ووضعتها على أنفها وقالت:
_شكلها غريب ورائحتها مميزة.
ابتسم الرجل وقال بغموض:
_وهي أيضًا مميزة؛ لذلك أعطتها لكِ.
_شكرًا لك.
مرت ساعة فقط، وجلست نَرجِس على إحدى المقاعد بتعب وقالت:
_كنت أظن أن المحل لا يأتي إليه زبائن نهائيًا.
رد الرجل عليها بهدوء:
_كل شيء هنا مميز.
_ولماذا وافقت على أن اعمل هنا بما أن كل شيء هنا مميز؟
أجاب الرجل بغموض:
_لأنكِ مميزة.
نظرت له بإستغراب ثم قالت:
_متى سأغادر؟
_وقت الغروب.
_لماذا وقت الغروب، يمكنك أن تقول الوقت بتحديد.
أجابها الرجل بهدوء:
_لأن وقت الغروب مميز.
انفعلت نَرجِس ولكنها قالت ببرود:
_يبدو أن كل شيء هنا مميز عدا صاحب المحل.
ابتسم الرجل ببرود ولم يتحدث.
مر الوقت وعادت نَرجِس إلى المنزل، دخلت إلى غرفتها سريعًا وأمسكت الخاتم حتى يظهر الباب، ولكن لم يظهر شيء، حاولت عدة مرات ولكن دون جدوى.
جلست على الفراش بيأس وقالت بضيق وهي تضع الخاتم في حقيبتها:
_تبًا لك وتبًا لذلك المستفز صاحب المحل.
خرجت نَرجِس من الغرفة وعندما وجدت حسناء تضع الطعام على الطاولة، اتجهت لمساعدتها.
قالت حسناء بتساؤل:
_ماذا فعلتي في العمل؟
أجابت نَرجِس بضيق:
_لم أفعل شيء مهم إلا أنني علمت أن المحل مميز والزهور مميزة ووقت الغروب مميز، وكل شيء هناك مميز، وصاحب المحل أكثر شخص سمج بالحياة.
قهقهت حسناء وقالت:
_لماذا تبغضيه هكذا؟!!
هل هو رجل عجوز؟
_بلى، فهو شاب ولكنه غامض ويعتز بأي شيء في المحل حتى ولو كان صغير.
_لعل الأشياءَ حقًا مميزة.
هزت نَرجِس منكبيها بعدم اكتراث وأكملت طعامها بهدوء.
______________________________
دلفت نَرجِس إلى الغرفة بعدما أنهت طعامها، جلست على الفراش وأخرجت الخاتم من حقيبتها وظلت توجه الغرزة في أي جهة من الغرفة حتى يظهر الباب، ولكنه لم يظهر.
وضعت الخاتم مرة أخرى في حقيبتها وقالت:
_يبدو أنه لا يعمل إلا مرة واحدة فقط.
جاءت لتغلق الحقيبة مرة أخرى، ولكن لفت نظرها تلك الزهرة التي أعطاها لها صاحب المحل، أخرجت الزهرة من الحقيبة ووجدتها قد ذبلت أوراقها.
قالت نَرجِس بحزن وهي تتحسس الزهرة:
_لقد كانت شكلها جميل ومختلف.
صمتت للحظات وتذكرت حديث صاحب المحل وقالت:
_ومميزة..!
وضعتها على (الكومدينو) ومددت على الفراش وذهبت في ثُباتٍ.
______________________________
في اليوم التالي ذهبت مبكرًا إلى المحل ووجدت صاحب المحل يجلس، فقالت باستغراب:
_ظننت أن المحل مغلق، خاصة أنني غادرت المنزل مبكرًا.
أشار لها صاحب المحل إلى إحدى المقاعد، وهتف:
_المحل مفتوح منذ وقت الشروق.
نظرت له نَرجِس بإستغراب وقالت بسخرية:
_هل أنت تتعاقد مع الشمس، تأتي إلى هنا في الشروق وتغادر في الغروب.
نظرت له بتساؤل ثم أكملت:
_أنت غامض بشدة، فهل يمكنني أن أسألك من أنت ولماذا تتعامل مع كل شيء هكذا؟
أجابها الرجل بهدوء:
_رغم أنكِ ليس لديكِ حق، ولكن حسنًا، سأجيبك.
صمت لثواني ثم قال:
_أنا أرسلان، أتعامل مع كل شيء هكذا لأنه مميز.
_حسنًا يا سيد أرسلان، ولكن ما هو المميز في وقت الغروب والشروق بالنسبة لك وما المميز بالزهرة، وما المميز بي أنا أيضًا.
نظر لها أرسلان مطولًا، ثم قال:
_المميز بكِ ستعرفينه فيما بعد، المميز بالغروب والشروق بالنسبة لي، لأنهم هم من يتحكمون بحياتي وتواجدي هنا.
وقف أرسلان وقال:
_هل الزهرة معك الآن.
أومأت نَرجِس وأخرجت الزهرة من حقيبتها.
أخذها أرسلان وأمسك زجاجة مياه وسكب على الزهرة.
صدمت نَرجِس عندما رأت الزهرة تعود كأنها حية قبل أن تُقطف.
راقب أرسلان صدمتها وقال وهو يعطيها الزهرة:
_لذلك الزهرة مميزة.
ابتعدت نَرجِس عنه وقالت بخوف:
_كيف فعلت هذا؟
أجابها أرسلان بهدوء:
_أي شيءٍ من هناك مميز وخارج عن الطبيعة.
أمسكت نَرجِس حقيبتها وقالت:
_هل يمكنني المغادرة؟
أومأ لها أرسلان، وفي لحظة لم يجدها في المحل.
_____________________________
لم تعرف نَرجِس كيف وصلت إلى المنزل، دلفت إلى الداخل فسألتها حسناء:
_لماذا عودتِ، هل حدث شيء لكِ؟
نفت نَرجِس برأسها وقالت:
_لا ولكن صاحب المحل أعطاني أجازة اليوم.
أنهت جملتها ثم دخلت إلى الغرفة، ارتمت بجسدها على الفراش، كل ما يدور بذهنها هو "كَيف".
قالت نَرجِس بتفكير:
_لن أرتاح قبل معرفة كيف يمكنه فعل هذا، أنا عندما رأيته أول مرة كنت أشك أنه إنسان طبيعي، وها هو يثبت لي، هل هو مخادع أم ساحر.
ظلت تفكر حتى شعرت بألم في رأسها فقررت أن تنام لساعات ثم تستيقظ لتفكر ماذا تفعل.
_____________________________
استيقظت نَرجِس في صباح اليوم التالي، ونظرت في ساعة هاتفها، فصدمت عندما رأت أنها نامت يوم كامل.
نهضت وبدلت ملابسها وذهبت إلى المحل وهي ترتب الأسئلة التي ستطرحها عليه عندما تصل.
وصلت إلى المحل، فقال أرسلان بهدوء عندما رأها:
_وهذا أيضًا الذي يجعلك مميزة.
نظرت نَرجِس إليه وصدمت......