فنجان قهوة

1.5K 106 69
                                    

إنتبه إلياس لذلك..سمع الصوت الخافت الذي أصدره المفتاح فقد كانت كل حواسه تعمل بأقصى طاقاتها..لذا إنتصب واقفا من فوره..و كان وجهه العريض و رقبته المكتظة محمرين..و ذلك بسبب الإنحناء أولا و الإرتباك ثانيا..لأنه وفور وقوفه ظهر حسام بالمكان..و بدى هذا الأخير متفاجئا وهو يغلق الباب خلفه.."إلياس!"

"هاهو ذا البطل..عدت من متوسطتك باكرا؟"

"تغيب أستاذ العربية"

"لا بد و أنك مبتهج بسبب ذلك"

"أجل فكما تعلم إنها السنة الآخيرة في المدرسة المتوسطة..الجدول مزدحم بعض الشيء"

"ستصبح طالب ثانوية ها!..لهذا بت بهذا الطول" قال ذلك و ربت على كتفه بقوة.

"هل عادت فاديا معك إذا!"

"لا..مازال الوقت مبكرا..هل تشتاق إليها؟"

"أبدا..لكن توقعت أن ذلك سبب تواجدك هنا"

"لما أحتاج لسبب؟.."

قاطعته هبة قبل أن ينهي كلامه "لقد جلب إلياس بعض الأغراض التي نحتاجها"

"لما أجهدت نفسك يا أخي! لابد و أنك مشغول..لا تقلق بشأن الأغراض أنا سأجلبها للبيت"

"أعلم أنك رجل يعتمد عليه يا حسام..و لكن بيتكم كان على طريقي..لا تقلق بشأن شيء..يجب أن أنصرف الآن..إلى اللقاء"..خرج إلياس مسرعا قبل أن ينتبه حسام لإرتباكه..و تنهد بملىء صدره فور خروجه..ثم ركب سيارته و إنطلق.

إبتعد قليلا عن ذلك الشارع..ثم إنفجر ضاحكا "أنا أفهمك يا أبي..أفهمك جيدا يا رجل..لأجلها تخليت عنا ها!..عذرك مقبول..لقد قبلته منذ سنوات"

قد إعتاد إلياس أن يكون فتا كتوما قليل الحديث منذ صباه..و من عساه يُحدث! والده الغائب عن البيت طوال الوقت! أم أمه التي لا تتوقف عن النحيب..أو ربما إخوته الكُثر!..كل ما كان يجيده و يجد نفسه سعيدا بالقيام به..هي الأشغال اليدوية..فكان يستعمل أي شيء كمادة أولية..أي شيء حرفيا..الأوراق و عيدان الكبريت المحترقة..بقايا القماش..الأحجار..العلب البلاستيكية الفارغة و غيرها..لقد كان يشهد خيبات أمل والديه في إنجاب أخ أو أخت له..منذ وقت مبكر من حياته..ما إنعكس سلبا على نفسيته.

كانت تعود والدته من عند الأطباء منكسرة الخاطر..و تعود من عند الدجالين قلقة و مرتبكة..و من عند الرقاة متضرعة خائفة..و كلها حالات لا يجدر به العبث معها فيها..فترسله لغرفته صارخة في وجهه حتى لا يزعجها..ليختلي بأدواته و أغراضه..فيصنع ألعابه بنفسه..السفن و الجنود و غيرها..لقد خلق لذاته أصدقاء في بيئته الفارغة المليئة بالوحدة.

و مع كبره و نضوجه بدء إلياس يفهم الأوضاع من حوله..أمه إمرأة مثيرة للشفقة تحاول إرضاء زوجها و بقية الناس..ووالده رجل لا مبالي يعود من العمل في وقت متأخر منهكا جدا..فيأكل الطعام و يغتسل و يأوي للفراش..شعر إلياس بالغضب إتجاه كل شيء حوله..فكان ينفس عنه بالجري في الخارج مع الخلان و لعب الرياضة في المتوسطة و صناعة الشخصيات الوهمية بواسطة بعض من الخردة..و بينما يحاول أن يفهم نفسه و محيطه بشكل أكبر و يتخلص من الضغط الذي تسببه له علاقة والديه.

أوكسيتوسين "الجزء الأول"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن