صباحٌ رتيب

3K 138 77
                                    


لم يكن هناك أبغض من صوت المنبه بالنسبة إليها..ليس و كأنها كانت تستمتع بنوم هانىء و مريح كل ليلة! و لكنها كانت تجد نفسها حقيقية أكثر في فراشها..هالاتها السوداء و نومها المتقطع و كوابيسها الفضيعة..كانت أرحم بآلاف المرات من القناع الذي تجبر على وضعه صباحا قبل أن تخرج من الغرفة.

قامت في هذا الصباح كما كانت تقوم كل صباح في هاته الأربعة أشهر الآخيرة..مكرهة مجبرة..تغتسل في صمت و تسرح شعرها القصير جدا في هدوء بالغ..تدق والدتها باب الغرفة بلطف لتقول "سأقل أخويك إلى المدرسة..فطورك على الطاولة"

"حسنا" قالت ذلك بصوت لم تفارقه بعد أثار النوم..ثم خرجت لتناول الفطور..خبز طازج..معجون مشمش و كوب حليب..كما في كل صباح.

نظفت أسنانها و من ثم جلست مقابلة المرآة..تلقي نظرة أخيرة على تعابير وجه توشك أن تمسحها..تأففت و مدت يدها تبعثر مستحضرات التجميل أمامها..حتى ترسم بيديها شخصيتها التي إعتاد الناس عليها..خبأت هالاتها السوداء و إكتحلت بجرأة و كما جرت العادة..كان أحمر الخدود هو الوحيد الذي يجبرها على الإبتسام..بسمة سارعت في إخمادها كي تضع أحمر شفاهها.

"لا داعي لإرتداء شيء رسمي..ثياب مريحة ستفي بالغرض" قالت ذلك و هي تخرج من الخزانة قميصها الزهري المريح و سروال الجينز و سترتها السوداء..إرتدت ثيابها ثم نظرت في أرجاء الغرفة..إنها غرفة لطيفة..بها سرير واسع و ملصقات لشخصيات أفلامها المحبوبة و حشد من الدمى تحتفظ بها منذ طفولتها..و أيضا خزانة و سجاد متقن الصنع و مكتب صغير حيث تقضي معظم وقتها..لكن ما زال المكان يحتاج إلى بعض من الترتيب..لأنها متأكدة بأن الأوراق المبعثرة على المكتب و حمالة الصدر المعلقة على طرف السرير و ثياب النوم المرمية على الكرسي حتما ستثير حنق والدتها..لذا همست "سأتولى أمر هذه الفوضى لاحقا".

ثم خرجت من الغرفة و عبرت الرواق بخطوات ثابتة..توقفت قليلا أمام المرآة الكبيرة..تلقي نظرة أخيرة على مظهرها..لأنها و إن لم تكن تهتم! فيجب أن تبدو بمظهر لائق في يومها الأول من العمل..كانت فتاة رشيقة القد طويلة القامة إلى حد ما..تسريحة شعرها الجديدة لا تجعلها تبدو كفتى توصيل الأطعمة السريعة المخنث كما قال شقيقها مازحا..لأنها حتى و إن جعلته قصيرا لتلك الدرجة..فمازالت تحافظ على ملامحها الأنثوية الوديعة..كان لها وجه صغير..و بشرة بيضاء محمرة..عينان مسحوبتان قاتمتا اللون..منكسرتي النظرة..و شفاه شهية قليلة الإبتسام..تتدلى من أذنيها أربعة أقراط..ثلاثة مستديرة وواحدة على شكل هلال تضعه دائما..مررت أصابعها النحيفة الطويلة..على خصلاتها الأمامية و تمتمت "ليست التسريحة بتلك السوء"ثم واصلت المسير لتجلس آخيرا في غرفة المعيشة مقابلة التلفاز.

عادت والدتها عندها تلوح بمفتاح السيارة..تدندن بأغنية ما..نظرت إليها مستغربة و توجهت نحوها بينما تنزع غطاء رأسها مرة أخيرة و إلى الأبد..فقد أنهت عِدتها اليوم!..مفرجة بذلك عن شعرها الذهبي القصير..و قد كانت إمرأة طويلة ممتلئة تشبه إبنتها في القد لا في الملامح..سيدة ما تزال تنضح بماء الشباب..ذات بسمة ساحرة و نظرات آسرة..ما إن تتواجد في مكان حتى تدب فيه روح النشاط و الحيوية..سألتها بينما تقترب منها بخطوات عجولة.."فاديا! لم تغادري بعد!"

أوكسيتوسين "الجزء الأول"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن