خيبة أهون من خيبة

958 86 30
                                    

فاضت من بحر المعاناة دمعة..ثم تبعتها أخرى..و الآن هبة التي كانت تشك في كون إبنتها سمعت شيئا..باتت متأكدة جدا بأنها قد سمعت كل شيء..و ما قد يبكيها غير حقيقة بشعة كهذه!؟

"أنا!.." قالت هبة ذلك و لم تدري أي ترقيع تضيفه بعدها..لكن لا حاجة للحديث..فقد همست فاديا بصوتها المخنوق.

"أصمتي..لا أريد أن أسمع كلمة واحدة أخرى" و ثم توجهت بسرعة نحو الباب و خرجت راكظة.

"فاديا..إنتظري رجاء" حاولت هبة اللحاق بها و لكن أمسكها إلياس بقوة من ذراعها.

"حاذري أن تسببي أي جلبة"

"و لكنها غادرت..أين ستذهب في هذا الليل! ستتأذى..المكان هنا ليس آمن بما يكفي..أم أنك نسيت الحادث الذي وقع فيه!"

"لا تجعلي الآخرين ينتبهون..عودي إلى حيث الضيوف و تصرفي و كأن شيئا لم يكن إن سألك أحد عن فاديا أخبريهم أنني أعدتها للبيت بما أنها تشعر بتوعك..سأذهب في إثرها..لن تبتعد كثيرا إلى أي مدى تعتقدين أنها ستصل بذاك الكعب العالي"

"إتصل بي عندما تعثر عليها"

خرج إلياس مسرعا..خائفا من أن يفتضح أمره و ينهار كل ما بناه..وقف في الاسفل عند مدخل العمارة و نظر بتمعن حوله..لقد كانت عواميد الإنارة القريبة من العمارات المقابلة بها عطب و المكان مظلم إلى حد ما..فإلتفت إلياس إلى أحد الرجال الواقفين هناك و سأل.."ألم ترى فتاة ترتدي فستانا قصيرا أسودا تغادر العمارة؟"

"بلى..لقد توجهت إلى هناك" ثم أشار بيده إلى النصف الآخر من الشارع

"و ثم أين ذهبت؟"

"لا أدري إختفت في تلك الظلمة..أهناك بأس!"

"لا..لا..لقد كانت تغادر الحفلة و نسيت شيئا" قال إلياس ذلك و ثم توجه إلى حيث ركنت هبة السيارة..لعل فاديا أخذت المفاتيح قبل أن تخرج و هي الآن متوجهة إلى البيت..لكنه لم يجدها هناك.

لم يفكر أبدا أنها عندما شعرت بذلك الألم الشديد يعتصر قلبها و إنكسرت إلى أبعد الدرجات..خرجت راكظة نحو مسكن داليا بشكل تلقائي دون تفكير..و كانت داليا تعلم أن هناك حفلة خطوبة تقام ذلك اليوم في بيت صلاح..لذا لم تبرح المطبخ راجية أن تلمح فاديا..غير أنها غفت و هي جالسة على الكرسي..وقد عاودها الكابوس الذي كانت تراه في كل مرة.

مكبلة على السرير و غير قادرة على الحراك..يعتليها إبراهيم في هيئة وحش لا بشري..يلتهمها بأسنانه و يمزق لحمها بمخالبه الحادة..و كم كان الشعور بذاك الألم واقعي! لقد بدأت تتعرق و ترتجف..حتى دق الباب بعنف..دقتين و ثلاث..فإستيقظت لاهثة وقلبها يوشك على مغادرة صدرها..مسحت وجهها بكفيها ثم نظرت إلى الساعة..إنه منتصف الليل من سيأتي الآن؟ أيعقل أنه الحاج إبراهيم؟ أم قد عادت أميمة أخيرا من وهران.

أوكسيتوسين "الجزء الأول"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن