حظي السئ اضطرني يوماً للذهاب لأحد المستشفيات الحكومية .. كنت دائما أحاول الهروب من استخراج أية أوراق من أي مكان يحمل صبغة حكومية عن طريق إيجاد شخص ما يقوم بهذا الدور عني .. أخي ، والدي ، والدتي ، أي شخص يزيح عني هذا الحمل .. و لكن هذه المرة يجب أن أذهب بنفسي ، أريد تحليل فصيلة دمي وهذا لن يُجدي لو ذهب شخص آخر بدلاً مني لو كنت تفهم ما أعنيه . .
التاسعة صباحاً أقف علي باب المشفي ، أدخل من الباب و اسأل رجل الأمن:
-" من أين أذهب كي أقوم بعمل تحليل فصيلة دم ؟" ..
-" خمسة جنيه " ..
-"نعم ؟ ليه ؟!..
-"رسم دخول "..أدفع النقود و أنظر له منتظراً الإجابة ، يخبرني -مشيراً بإصبعه- بأنني يجب عليّ الذهاب لهذه النافذة هناك التي تحمل الرقم (٥) ..
أقف في طابور مكون من ٥ أشخاص ، الرجل الذي أمامي يقف مع شاب يبدو أنه ابنه ، يبدو أيضاً أنه مريض و لا يستطيع الوقوف أو شئ من هذا القبيل ..
عندما انخفض العدد أمامي إلي شخصان فقط ، إذ بالشاب يختل توازنه .. يهرع والده لإسناده بينما أنا أحاول مساعدة أبيه في إجلاسه علي ذلك المقعد هناك ، أنظر خلفي لأجد من كانوا وراءنا قد استغلوا الفرصة ليأخذوا أماكننا في الصف !!ابتلعت جميع السباب الذي بداخلي و حاولت قمع غضبي ، أنا علي وشك تحليل فصيلة دمي و لا أرغب أن يجدونه محترقاً..
بعد أن إطمأننت علي الشاب عُدت لأقف مجدداً في الطابور .. ربع ساعة أخري مرت عليّ قبل أن أقف أمام الموظف .. أقول له أنني أريد تحليل فصيلة دمي ..
-" مش هنا .. الشباك اللي ورا "كدت أفقد وعيي وأصبح بحاجة لنقل دم بدلاً من تحليل دم .. من الغبي الذي قال لي أن أقف هنا !!!
أذهب للنافذة المذكورة لأجد أن لا يوجد غيري والحمدلله .. أقول للموظف أنني أريد عمل تحليل فصيلة دم .. ينظر لي بلا كلام ثم يقوم بكتابة شيئا ما علي ورقة ما ويعطيها لي دون أن يطلب مالاً..
-أنا ( بمنتهي السعادة ) : " إيه دا هي ببلاش ؟" ..
ينظر لي كأنما ينظر لطفل صغير ويقول :
-" الدفع في الخزنة " ..
أذهب للخزينة المذكورة لأجد أمامي شخص واحد فقط .. أقف وراءه منتظراً دوري فقط لأجد شخصاً يأتي من الجانب ليقف بجوار الشخص الذي أمامي ثم ينظر للخلف ويبتسم لي بسماجة و يقول :
" معلش بس أنا هدفع و أمشي علطول " ..
أنت عبقري يا سيدي ، نحن نقف أمام الخزينة فماذا سنفعل برأيك ؟ لن نلتقط " السيلفي " مع الموظف بكل تأكيد .. أحاول تمالك أعصابي مرة أخري ..
أصل للموظف و أعطيه الورقة ، ينظر لي و يقول : " ٣٥ جنيه !!" ..
أعطيه النقود و يعطيني " الوصل " ، أنظر لأجد الثمن المكتوب ثلاثين جنيهاً فقط !! يبدو أنهم في هذا المشفي لديهم هواية جمع الخمسة جنيهات ...
أضع "الوصل " في جيبي ثم أسأل الموظف : -" إلي أين أذهب الآن؟"..
-"المعمل" ..
هذا الرجل عبقري إذن ، كنت أظن أن تحليل الدم سيكون في دورة المياه ..أبحث عن المعمل حتي أجده أخيراً .. أجد حجرة بالداخل تجلس فيها سيدة ترتدي ثياب التمريض و " شبشب " و تمسك بيدها شطيرة تفوح منها رائحة الطعمية.. أقول لها إنني أريد تحليل فصيلة دمي .. تنظر لي نظرة ناعسة و تقوم من علي مقعدها -الذي كان يأنّ من فرط الوزن الذي يتحمله- و هي تقول : " استني أشوفلك في حد في المعمل ولا لأ !!! " .. ثم ذهبت ..
وقفت مكاني منتظراً لأجدها تقف في آخر الممر و تصرخ :
"الراجل بتاع الفصيلة ، خش المعمل مفتوح " ..
"الراجل بتاع الفصيلة !! حسبي الله .."أدخل المعمل لأجد الممرضة تنتظرني ، بدون مقدمات قالت لي :
" هات إيدك " ..
مددت يدي لأجدها تمسك بشئ يشبه ( الموس ) ، و بدون تعقيم -علي غرار " أنتَ مش غريب "- قامت بإحداث جرح في إصبعي ثم طفقت تحاول الحصول علي بضع قطرات من دمي علي لوح زجاجي ما ...بعدما أنهت عملها قامت بإعطائي ورقة بها اسمي وفصيلة دمي ، ثم قالت :
-" هتطلع تمضيها من المكتب اللي برة وبعدين تطلع الدور اللي فوق تمضيها من نائب المدير وبعدين هتمشي لآخر الممر وتختمها ختم النسر" ..عندما وصلت إلي مكتب نائب المدير وجدت رجل أمن يقف علي الباب ليمنع الناس من الدخول .. تمنيت في سري ألا يطلب خمسة جنيهات هو الآخر ..
-" ثواني يا جماعة عشان نائب المدير معاه ناس " .. قالها رجل الأمن لي و للرجل الواقف بجانبي ، هذا الرجل الذي نظرت له لأجده يقف ويده اليمني مهشمة تماماً وأكاد أقسم أنها تنزف ، لا يوجد معه ورقة لتوقيعها من نائب المدير ، ماذا سيفعل بالداخل إذاً !! هل سيحصل علي التوقيع علي قميصه ! ؟ هذا نائب المدير و ليس " أحمد السقا " علي ما أعتقد ..أخيراً وبعد نصف ساعة أخري ما بين هذه الحجرة وتلك ، أصبحت الورقة جاهزة .. أتجه للخروج من المشفي وأنا لا أصدق أنني نجوت .. أصل للباب وأفتحه لأجد شخصاً أمامي يقول لي :
"لو سمحت، أعمل تحليل فصيلة دم منين ؟" ..
نظرة شيطانية تلمع في عيني ، أنظر له مبتسماً و أقول :
" شباك (٥) " ..