الرأي وحرية الرأي والرأي الآخر والكوسة بالبشاميل ووحيد القرن وأشياء أخري

111 3 2
                                    

دائماً ما أكره التحيزات المُطلَقة .. لا أدري من أول من بذرَ هذه البذرة لكن المؤكد أنها لولانا لما نمَت حتي أصبحت البذرة ذاتها شيئاً مطلقاً مسلَّماً به ..

كنت أجلس منذ عدة أيام أمام شاشة الكمبيوتر لأجد أمامي هذا الشخص الذي يرغي و يزبد منتقداً هذا الفيلم السئ المسمي" don't look up " 
و كيف أنه أضاع من عمره ساعتان ( و هذا يعني أنه لا يعرف أن مدة الفيلم ساعتان و ثلاث و عشرون دقيقة و ليس ساعتان ) في مشاهدة هذا الفيلم .. حاولت أن أدقق لأعرف وجهة نظره فوجدت أنه يراه فيلما مملاً سخيفاً لا معني له و أنهم فقط جاءوا بممثلين بقيمة "ليوناردو ديكابرو" ( أعرف أنه يدعي "ديكابريو" و ليس " ديكابرو" و لكنه كتبها هكذا ) و " ميريل ستريب " فقط ليجعلوا الناس تدخل السينما لتشاهد الفيلم ( و هذا يعني أنه لا يعرف أن الفيلم لا يُعرض في السينما و لكنه يعرض من خلال المنصة الرقمية Netflix ) .. هذا جعلني أستعيد أحداث الفيلم الذي شاهدته منذ يومين ، هذا الفيلم الرائع الملئ بالإسقاطات السياسية و الإجتماعية ، و الذي اتتقد بل أقول افترس جميع الأنظمة السياسية و الإعلامية بشكل فظ ، و الذي رغم أن مخرجه " Adam Mckay "  اختار أن يقدم الحبكة بشكل كوميدي إلا أنه جعلني أخاف أكثر من مرة أثناء المشاهدة فقط لأقوم بإيقاف الفيلم لأقول لنفسي " هذا نحن ، أليس كذلك ! " .. أفقت من تفكيري و نظرت إلي شاشة الكمبيوتر لأُكمل حديث هذا الشخص ، فوجدته يسترسل و يقول أن هذا الفيلم هو الأقل بين أقرانه التي تتحدث عن نهاية العالم ، علي الأقل هؤلاء أتحفونا بجرعة من الإنفجارات و التشققات و الإنهيارات و المغامرات و بطل القصة يحاول إنقاذ أسرته من نهاية العالم ، و ليس هذا الفيلم الممل الذي لا يُظهر سوي بعض الناس يتحدثون سوياً ..

خرجت من حديث هذا الرجل بشئ هام جداً .. هذا الرجل أخذ ذوقه الخاص و قرر أن هذا هو الصحيح و الأفضل ، هذا الفيلم سئ لأنه لم يقدم لي ما أريده .. هذا أشبه بأن تدخل فصلاً من مدرسة لتجد المعلم يشرح للطلاب مادة الفيزياء فتتهمهم بعدم التدين لأنك لم تجد آيات قرآنية علي " السبورة " ..

تحدث الراحل " أحمد خالد توفيق " عن معضلة التخصص و هي ببساطة أنك لا تستطيع ابداء رأيك في أي شئ علي الكرة الأرضية طالما أنك لست " أكاديمياً " .. "من أنت لتنتقد هذه الروعة ! ماذا درست !! ".. تشاهد ممثلاً ركيكاً مبتذلاً يصرخ في وجهك طوال أحداث الفيلم فقط ليثبت أنه منفعلاً ، تبدأ في إبداء رأيك في أن هذا أسوأ أداء تمثيلي شاهدته في حياتك فقط لتجد ذلك الشخص يقف أمامك ليقول لك أنك لا تفهم شيئاً ، و أن هذا الممثل يتبع مدرسة تمثيلية تدعي " الانبثاق الانعكاسي " و لن يفهم أداءه سوي المثقفين الدارسين فقط !! يا سيدي أنا واثق أن ممثلك هذا نفسه لا يعلم ما هو " الانعكاس الانبثاقي " هذا .. ثم لا تجد مفراً من أن تطبق فمك ثم تجلس لتستمتع بهذا ال " الانبكاس الانعثاقي "...

أتذكر مرة أن كنت مدعواً مع أسرتي علي العشاء لدي أحد الأقارب .. عندما جلسنا علي السفرة وجدت مضيفتنا تقوم بوضع " الكوسة بالبشاميل " في الأطباق ، شكرتها و قلت لها انني لا احب "الكوسة بالبشاميل" و أنني سأكتفي ببقية الأصناف .. وجدتها تضحك و فمها مفتوح حتي أذنيها قائلةً "بتهزرررررر ، دا مين دا اللي ميحبش الكوسة بالبشاميل!!  " .. نظرت لها بمنتهي الهدوء و قلت " أنا " .. وجدتها تضع أمامي الكثير منها و هي تقول " كُل كُل يبني متقولش كدة قدام حد ليضحك عليك ، قال الكوسة بالبشاميل وحشة قال ! ولله ما انت فاهم حاجة" ...
لا أفهم هذه المرأة حقاً .. لقد تعدَت مرحلة المصادرة علي رأيي لتصادر علي رأي انزيمات التذوق لدي ، ثم ما " ولله ما انت فاهم حاجة " تلك !! ما الذي يمكن فهمه في " الكوسة بالبشاميل " !! أعتقد أن " فرويد " بنفسه لم يكن ليجرؤ أن يطالبني بفهم " الكوسة بالبشاميل " ..

مؤخراً فقدت الرغبة في التعبير عن ما أشعر به أيضاً .. تقول لأحدهم أنك حزين لما حدث ، ينظر لك مستنكراً و يقول أنه لا يري الأمر بهذا السوء !!
هذا صحيح يا سيدي ، لقد قلتها بنفسك ! أنت لا " تري " الأمر بهذا السوء ، هذا رأيك و ليس رأيي .. ألا تلاحظ ذلك !! الأمر أشبه بأن تشرح ل " وحيد القرن " كم أنت حزين لخسارة فريقك المفضل في مباراة الأمس ، هل سيتفهم ! لكن هناك فارق بسيط و هو أن وحيد القرن لن يطلب منك أن تنظر للأمر من ناحيته ..

حقاً لا أدري متي سيتوقف البشر عن التحيز المطلق ، و لكني حتي حدوث ذلك سأحاول بقدر الإمكان الحفاظ علي صحتي النفسية ، و لقد بدأت ذلك فعلاً ..
اليوم صباحاً كنت أجلس مع صديق لي نتبادل أطراف الحديث ، إذ به يسألي عما اذا كنت قد شاهدت فيلم " don't look up " أم لا .. نظرت له بإشمئزاز قائلا أن هذا فيلم ممل سخيف و أنني أري أنهم أتوا بممثلين بقيمة " ليوناردو ديكابرو " و " ميريل ستريب " فقط ليجعلوا الناس تدخل السينما ... وجدته ينظر لي مصدوماً و يقول " لم أعلم أنك سطحي لهذه الدرجة !!"

سلسلة مقالات لا قيمة لهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن