القرن العشرون ..
وباء الملاريا يجتاح مصر ..
ذعر عام وقرارات حازمة يتخذها الملك فؤاد الأول -في ذلك الوقت- لمحاولة السيطرة علي الوباء .. تلك القرارات التي وصلت إلي حد منع زراعة بعض المحاصيل التي تحتاج إلي الماء .. أنت تعلم أهمية الزراعة إقتصادياً لمصر وبالتالي يمكنك تخيل حجم الذعر ..
المواطنون يلتزمون منازلهم ..مبيدات البعوض أصبحت أهم من الطعام ، الوباء ينتقل عن طريق البعوض لو لم تكن تعلم ..
حمّي شديدة وتضخم في الطحال والكبد .. ألم شديد .. إعياء، ثم الوفاة .. تسلسل متكرر عاشته مصر في تلك الفترة خاصة في محافظات الصعيد التي لم تكن تملك من الإمكانات ما يساعد علي التصدي لذلك الوباء..
لا أريد العودة إلي تلكم الأيام لكني فقط أذكرك بهذا التباين الواضح في التعامل مع الملاريا وقتها والتعامل مع الكورونا حالياً .. كلاهما ڤيروس علي ما أعتقد .. كلاهما يسبب الوفاة ..
عندما اتخذت الدولة قراراً بالإغلاق العام الماضي لم يجد بعض المواطنون في ذلك مانعاً كبيراً ..
لن نستطيع الجلوس في المقاهي والمطاعم ؟ لا بأس سنجلس في منزل أحدنا ..
لن نستطيع التنقل بالسيارة ؟ إذاً سنسير علي الأقدام، فالسير رياضة لو لم تكن قد لاحظت ..
مقاطع كثيرة انتشرت علي مواقع التواصل الإجتماعي أظهرت بعض المقاهي التي تعمل سراً .. أضواء منطفئة .. لا أحد يتحدث .. عندما تمر سيارة الشرطة نغلق الباب سريعاً .. نحن في أمان لا تقلقوا يا رفاق.. لو كان صاحب المقهي ذو حس فني لأختتم الموقف قائلاً : " we are clear " ..
وسائل الأمان البسيطة مثل واقي الوجه أصبحت قطعة مكملة للملابس .. ألوان وتصميمات كثيرة تناسب جميع الأذواق .. هناك برامج تليفزيونية كانت تناقش تناقش بعض تصميمات واقي الوجه ومدي تناسقها مع الملابس !!..
ناهيك عن العيب الخطير في هذه الأوقية ألا وهو أنها تطبق علي أنفك فتجعل التنفس صعباً، لذلك بعد أن تضعها علي وجهك ستزيحها للأسفل قليلاً حتي تحرر أنفك .. لا نريدك أن تموت بسبب صعوبة في التنفس لو كنت قد تري غير ذلك ..
الجلوس في المنزل عمل ممل حقاً .. ما رأيك أن نكسر هذا الملل ؟ تجد هذا الشخص الذي يظهر في مقطع مصور -ڤيديو- ينصح الناس بالإكثار من شرب الزنجبيل كعلاج فعال للكورونا .. ما عملك يا سيدي ؟ لا أنا ما زلت تلميذا في الجامعة .. كلية الطب ؟ لا أنا أدرس في كلية الحقوق ..
تباً لمنظمة الصحة العالمية التي تقضي أياماً في محاولة ابتكار عقار لعلاج كورونا بينما لدينا هذا العبقري الذي اكتشف أن علاج الكورونا هو الزنجبيل ..
بيني وبينك، أعتقد أن هذا علاج فعال فعلاً .. ضع نفسك في مكان الڤيروس .. ماذا تفعل عندما تسمع شخصاً يقول أنك تموت بالزنجبيل ؟ غالباً ستموت فعلاً مجروحاً في كبريائك .. أرأيت أنه علاج فعال !؟
أتذكر ذلك اليوم .. كنت أستقل الحافلة ذاهباً إلي مكانٍ ما .. يجلس أمامي ذلك الشخص واضعاً واقي الوجه .. يشعر برغبة في ( العطس ) فقط ليزيح الواقي و يعطس ثم يعيد الواقي مرة أخري .. أعتقد أن هنالك سوء تفاهم يا سيدي، نحن نسعي للحفاظ علي حياة البشر و ليس للحفاظ علي واقي الوجه ..
هذا يذكرني بالشخص الذي يشتري حذاء خاص للأمطار، ثم عندما تمطر يرتدي حذاء آخر .. تسأله لماذا لم ترتدي حذاء الأمطار يخبرك أنها تمطر وأنه لا يريد أن يتلف الحذاء الجديد ..
أعتقد أن كم هذا التطور الطبي والتكنولوچي منذ القرن الماضي و حتي يومنا هذا لم يؤثر فينا بأي شكلٍ كان .. نحن نستفيد من التطور ولا نصنعه ...
