في الساعة الثانية ظهرا كانت ريا تتجهز لاستراحة الغداء خاصتها، تعمل ريا بشركة ترويج واعلام صغيرة ، يتضمن عملها الانعزال الذي ترغب به .. فهي لا تقابل احد وليست مضطرة لاخبار احد باسمها ، تستلم الطلبات عبر البريد الالكتروني ،تنجزها ثم تعيد ارسالها..
كانت سابقا طالبة حقوق لكنها بعد ان تركت المنزل انسحبت من الجامعة ،وحفاظا على خصوصيتها وسلامتها لم تخبر احد من سكان المنزل باسمها او عملها او شي..
اخبرتهم جميعا انها تدرس الاعلام ولكن كانت الصدمة عندما انتقلت البلو في العام الماضي الى المنزل وكانت طالبة اعلام ايضا، هنا اضطرت ريا لاول مرة ان تتحدث مع احد فيما يخص حياتها اذا شعرت ان كذبتها ستكشف بسهولة حينها دعت بلو للغداء وأخبرتها باختصار : اعلم ان هذا سيثير فضولك، واعلم ان الامر يبدو وقح لعدم معرفتنا بعضنا البعض .. لكن لاسباب خاصة اخبرت الجميع بما فيهم ريد ان ادرس الاعلام ، لذلك ارجوك اذا سألتك يوما ما احدى الفتيات عني اخبريهم انك تريني احيانا بالجامعة.. لا تنكري وجودي ، اعتقد انهم جميعا يملكون اسرارهم الخاصة لكن احيانا يرغب الانسان بمعرفة اسرار غيره رغم انه يخشى انكشاف أسراره ، لكني لا اريد ان اكشف اسراري ولا اسرار غيري ... هل يمكنك ان تساعدني كي ابقي نفسي محمية؟
اكدت لها بلو انها ستساعدها ولن تسمح لاحد ان يشك بمصداقية حكايتها ووعدتها ان لا تسألها اي شيء عن حياتها او اسبابها ، لكنها مستعدة دائما لتستمع لها ان ارادت الحديث يوما.
لم يتحدثو كثيرا بعد هذا اليوم ،فريا ان كانت بالمنزل لا تخرج من الغرفة الا اثناء الطعام وحين يكون دورها بترتيب المنزل.. لا تنخرط باحاديث عميقة، تكتفي دائما بالاحاديث السطحية
وهذا وضعها بالعمل ايضا ، يوسمها الكثير بالغرور فهي لا تشاركهم خروجات مابعد العمل للشرب والترفيه عن النفس ولا تشاركهم اوقات الغداء تكتفي دائما بتناول الطعام الذي تحضره معها ... اذا كان الجميع بالكافيتريا تجلس بالحديقة، اذا كانو بالحديقة تكتفي بالجلوس بالمكتب..
لا تعرف حتى اسماء زملائها بالعمل ، باستثناء واحدة ... ميرا .
ميرا هي موظفة جديدة بالشركة اكملت الست شهور ، لكنها ورغم محاولات الجميع لابعادها عن الحديث مع ريا لم تستلم، كانت تكلمها كل يوم.. صباحا تلقي عليها تحية الصباح وظهرا تسألها ان كانت ترغب بتناول الغداء سوية.. وعندما تصنع القهوة تحضر لريا كوب مختلف في كل مرة " لم تخبريني اي نوع تفضلي، لذا هذا نوع مختلف" هذا ماتقوله دائما..
منذ شهر تقريبا أصبحت ريا تجيب تحية الصباح وهذا شيء لم تفعله ابدا سابقا مع اي احد وحفظت اسمها لانه مكتوب على اكواب القهوة اليومية.كانت ريا منغمسة بالعمل على مهمة جديدة حتى ان موعد الغداء فاتها دون ان تنتهه ..
عاد الموظفون الى مكاتبهم ولاحظت ميرا ان ريا لم تتحرك ابدا من مكانها، سارت لتقترب منها لكن صديقتها ميلك امسكت بيدها: الم تكتفي من الرفض؟ انها لا تعيرك اي اهتمام ؟
ميرا: من اخبرك هذا ؟ لقد اصبحت تجيب على تحية الصباح خاصتي.. ومنذ اسبوع شاركتني الحلى خاصتها
ميلك: انتي تحضرين لها القهوة كل يوم ،مشاركة الحلى ليس بالأمر الجلل
ميرا: لن استسلم عنها الى ان تخبرني هي ان لديها حبيب
ميلك: ماهذا العناد انا لا افهمك؟
ميرا: هل شعرتي يوما انك ترغبين باحتضان احدهم؟؟ هذا ما أشعر به في كل مرة اراها .. اشعر انها تحمل الكثير على ظهرها ، تتظاهر بالغرور لكن ابتسامتها دافئة جدا.. اه ارغب حقا باحتضانها رؤيتها لوحدها تجعلني حزينة .. انا افكر بها دائما.
ميلك: انت مهووسة
ميرا: لا تبالغي بالامر ، هي شخص اهتم به وأشعر نحوه بالاعجاب.. هذه مشاعر طبيعية وليست هوس.
تركت ميرا ميلك وتوجهت نحو مكتب ريا المنغمسة بعملها ثم جلست على الكرسي المجاور ونظرت لها
ميرا: لم تتناولي الغداء بعد؟
عادة تبقى ريا صامتة مع الجميع ،استخدمت هذا التكنيك منذ اليوم الاول لها بالعمل وبعد حديثين فقط امتنع الجميع عن اعادة المحاولة ،لكن هذه الفتاة فقط لم تستلم.. لا زالت تحاول ان تفتح حديث معها كل يوم منذ اشهر .
اليوم ولسبب ما ،كانت تشعر ريا بالضعف .. ربما لانها رأت وار صباحا وتذكرت عائلتها، رغبت ان تشعر ان هناك شخص يتمسك بها ، لهذا لاول مرة ابتسمت ابتسامة صغيرة وهزت رأسها نفيا
كانت سعادة ميرا لا توصف في هذه اللحظة، لقد اجابتها حقا ، لم تتظاهر انها لم تسمع ولم تكمل عملها صامتة.. ابتسمت لها وأجابت بتحريك رأسها
قربت ميرا كرسيها وامالت رأسها لتنظر جيدا لريا :هل فقدت عقلي ام انك اجبتني للتو؟
كان رد فعلها المصدوم مضحك ولم تتمالك ريا نفسها رغم برودة اعصابها في الحالات العادية فابتسمت ابتسامة اعرض وهي تمنع نفسها من الضحك بصوت عال
شهقت ميرا: يا الهي, اجبتني مرتين متتاليتين؟
ريا : هل اجعلهم ثلاثة؟؟
ميرا: توقفي سيغمى علي .. لم اسمع منك يوما اكثر من كلمة صباح الخير .
ريا: حسنا سأصمت
ميرا: لا لم اقصد هذا ، تكلمي دائما .. تكلمي كل يوم كي اعتاد على الأمر
بقيت ريا صامتة هذه المرة
ميرا: هذا محرج لماذا صمتي فجأة
ريا: لا اعلم ماذا يجب ان اقول، لست متحدثة بارعة
ميرا: اممم ما رأيك بأن نذهب لتناول الغداء.. بالبداية يبدو الكلام صعب لكن عندما تبدأين به يصبح سهل
ريا: الم تعودي للتو من الغداء؟
ميرا: هل يمكنك ان تتظاهري بعدم المعروفة، من المحرج ان ابدو كثيرة الطعام هكذا
ريا: هل نذهب لتناول شيء خفيف، شيء يؤكل بعد الغداء
هزت ميرا رأسها ايجابا بينما كانت تبتسم ابتسامة عريضة.
__
عادت اندي الى المنزل بعد انتهاء محاضرته ، غيرت ملابسها حيث اكتفت بقميص ابيض مع شورت جينز وتركت شعرها مسدل وخرجت لتتوجه لمكان اللقاء.
التقت بمي على الباب فابتسمت لها ببرود دون ان تتكلم لكن مي اوقفتها قائلة: لماذا تأخرتي؟ كان يفترض ان تلتقو منذ نصف ساعة ؟
اندي :ماعلاقتك بالامر ؟ هل شكى لك؟؟
مي: لماذا انت وقحة هكذا! هل يعجبك ان تقللي من مشاعر الآخرين ؟
اندي: يا الهي لماذا تبالغين انه ليس موعد امتحان ، تأخري لنصف ساعة لم يجعله يموت؟
دفعتها اندي بعيدا وخرجت متوجهة نحو المطعم بينما دخلت مي غاضبة نحو غرفتها ، فقد رأته اليوم كيف ارتدى ملابسه بطريقة اكثر اناقة وكان ممتلئ بالحماس ، لم تستطع ان تسيطر على مشاعر الغضب بداخلها.
وصلت اندي الى المطعم ورأته يجلس بانتظارها ، ابتسمت وسارت نحوه تحيه..
اندي: انا اسفة لقد تأخرت بسبب المواصلات ، تأخر باص الجامعة كثيرا
فورس: لم الاحظ انك تأخرتي، لقد اتيت للتو
اندي : هذا جيد ,كنت قلقة بسبب هذا
مد يده نحوها وداعب شعرها: لا بأس لا تقلقي ، هل تريدين تناول الطعام بالاول ام الدراسة؟
كانت تلك الحركة البسيطة كفيلها بجعل نبض قلبها يتسارع ، تمالكت نفسها وتظاهرات باللامبالاة: لندرس اولا ،لست جائعة بعد .
وبالفعل بدأ يشرح لها كل شيء عن المشروع الذي يجب ان تقيمه، لم تكن كاذبة حين أخبرته انها ترغب في الدراسة فقد كان شرط ريد الوحيد لتبقيها عندها هو ان تطور نفسها...
اخبرتها ريد انها لا تقبل بشخص يدمر حياته بسبب امور لا قدرة له على تغيرها، وبما انها لن تستطيع تغير عقلية والديها ولا قرارتهم يجب ان تنسى وتتخطى وتركز على دراستها.. لذلك تدرس اندي بجد ،ولذلك تسأل جميع من يكبرها بالمجال وتحاول دائما تحقيق نتائج جيدة ، لانها تريد ان تطور نفسها.
------كانت تو وريفر تجلسان في كافيتريا الجامعة صامتتان تماما ، بالنسبة لشخصين انطوائين اخذ منهم حديث الصباح الكثير من الجهد.. والان لا احد من بينهم يعلم ماذا يجب ان يقول
بعد ان وصل الطعام حاولت تو كسر الصمت: هل لديك وجبة مفضلة ؟
ضحكت ريفر: يبدو هذا سؤال مبتذل جدا ... عندما يتعرف اثنان دائما يبدأ أحدهم بهذه الاسئلة , ماهي وجبتك المفضلة ؟ ماهو لونك المفضل ؟
تو: يا الهي انا قديمة جدا
ريفر: لم اقصد هذا ، انا فقط شعرت ان التعارف بهذه الطريقة غريب
تو: والصمت هكذا غريب
ريفر: اذا فلنتكلم
تو: لماذا اتيت الى منزل ريد ؟
ريفر: هذا سؤال مفاجئ..
تو: لا بأس، لا تجيبي اذا لم ترغبي
ريفر: لا يوجد سبب غامض ،تم قبولي بهذه الجامعة لكن لم يتم قبولي بالسكن الجامعي لهذا بحثت عن منزل بسعر جيد
تو:تبدو حكاية ناقصة
ربفر: ماذا عنك؟ ماهي حكايتك!
تو: لا املك حكاية ، ارسلني اهلي لهذه الجامعة كي احقق حلمي وعندما اتت والدتي لزيارة السكن الجامعة كادت تصاب بازمة قلبية بسبب انعدام النظافة، وهكذا بحثت عن منزل جديد ووجدت منزل ريد ، لا يوجد شيء مميز
فكرت ريفر بهذه اللحظة بسكان المنزل كلهم، منهم من هرب من والديه ومنهم من ساعدهم والديهم ليجدو المنزل..
عندها قالت لنفسها:
يستحيل ان تتشابه قصة شخصان حتى ان كانو تعساء ،فلكل تعاسته الخاصة.