1

167 8 3
                                    


جمحت الفرس... رمحت... ارتفع صهيلها عاليا يملأ الآفاق... لقد عانق الفارس الذي دوخ القبائل... عانق الارض... توسد رمال الصحراء... افناه الظمأ... واعياه نزف الدم،والفرات يجري متلويا تتدافع امواجه كانه بطون الحيات.

جالت الفرس... حمحمت وهي تقترب منه. راحت تمرغ ناصيتها بالدماء الثائرة... تلون ذرات الرمل الملتهبه بلون الشفق الحزين.

هتف رجل من القبائل... رجل أسكرته نشوة القتل:
-دونكم الفرس. انها من جياد خيل النبي.

مثل دوامة ما لها من قرار دارت الخيل حولها الفرس تقاتل بضراوة... تدفع عنها غائلة القبائل كما لو ان روح السبط سكنت أعماقها.

اما هو فقد توقف ليستريح فوق رمال كربلاء.
مالها القبائل التي تشتعل حقدا.. تضطرم غيظاً.. في اعماقها شهوة الثأر.

ثارت الرمال تفتح حوافر الخيل،وعجزت الذئاب من كبح جماح فرس ثائرة كان صاحبها قد التوى به السرج،فانسربت روحه الدافئة تلتقط انفاسها من بين ذرات الارض...

صرخ الرجل الذي يحلم بكنوز الري وجرجان:
-دعوها لننظر ما تصنع.

انحسرت عنها الخيل.. نظرت الى الافق البعيد، ثم لوت رأسها باتجاه اخر الاسباط.
ما يزال غافيا فوق الرمال ينوء بنفسه.. قلبه ينزف دما، ودماء القلب ترسم طريقها فوق الارض نهرا صغيراً يكاد سنا نوره يضيء التاريخ.

خفت زعيق القبائل.. وتقدمت الفرس نحو سبط النبي.. شمته.. ملأت رأتيها من عبير النبوات.. اطلقت صهيلا مدويا وهي تركل الارض.. تريدها ان تستيقظ..  أن تهتز،وتتزلزل تحت اقدام الذين اغتالو الحرية وطعنوا السلام.

انطلقت الفرس نحو خيام قافلة عصفت بها الريح من كل مكان.
كانت ما تزال تصهل عاليا.. ما تزال كلماتها تتردد في سماء التاريخ.
-الظليمة الظليمة من أمة قتلت إبن بنت نبيها.

لقد انتهى كل شيء ومرت العاصفة الهوجاء... ملأت الرمال دماءا ودموعا.. والفرات ما يزال يجري.. تتدافع امواجه ونحو البحر البعيد.
يممت الفرس وجهها شطر الفرات المسافر في مجاهل الصحراء...

اقتحمت امواجه المتدافعة،وغمرتها الامواج،وكان الحصى المتناثر فوق الشواطئ يصغي لانين خافت يشبه حمحمة فرس حزينة.

وتالقت في اعماق النهر مآذن وقباب وقوافل مسافرة.
هناك في القيعان الخفية تسطع النجوم ويغفو القمر بسلام ويمتزج الصهيل الكربلائي مع المياه المتدافعة صوب البحر.
وتخفي الفرس في احضان الطين المعطور بعد يوم عصيب.

وفي المساء،عندما بدا نخيل الشواطئ كأهداب حورية شهيدة،فقد الفرات مذاقه العذب،فاذا هو أُجاج يلفظه الظمآن كما لو كان مترعاً بملح الصحراء.

وعندما مرت الغيوم، شاهد بعضهم غيمة بيضاء تشبه فرسا مجنحة تشق طريقها في الفضاء الازرق.. ترسم للاجيال طريق الحرية.

إمرأة أسمها زينب "رواية"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن