بدات جامع الاعظم مكتئبا كناسك حزين. ورغم الضجة المتصاعدة فقد بدا مقفرا وضاعت ايات القران بين لغط الكوفيين الذين تجمهروا في الظهيرة المحرقة.نز الارقط على المنبر، و راح ينظر الى الناس باستعلاء. الشرر يتطاير من عينيه كشظايا جحيم مستعرة. هتف بغطرسة وقد فقد السيطرة على لسانه:
-الهمد.. الحمد لله الذي اظهر الحق واهله.. ونسر امير المؤمنين يزيد وهزبه،وقتل الكذاب ابن الكزاب الهسين بن علي وشيعته.ضحك احدهم بمرارة وهو ينظر الى هذا الالكن الذي نز على منبر علي.
لقد مضت ايام البلاغة والفصاحة مضت دون عودة وورث المنبر قردة وخنازير يسومون الناس سوء العذاب.كان الصمت يخيم فوق الرؤوس التي اطرقت ذلا...
فجأة هب رجل مكفوف البصر:
-يا ابن مرجانه الكذاب انت وابوك والذي ولاك وابوه اتقتلون ابناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين.فوجئ الارقط فصرخ بغيظ:
-من المتكلم؟-انا المتكلم يا عدو الله تقتلون الذرية الطاهرة التي اذهب الله عنهم الرجس وتزعم انك على دين الاسلام، وغوثاه ! اين اولاد المهاجرين والانصار؟!
استشاط الارقط وهتف بجلاوزته كافعى حانقة:
-علي به.هل تفرجوا للمكفوف البصر بشعار الازد:
-يا مبرور!وتواصب الرجال هنا وهناك وانتزعوه من بين انياب الكلاب.
وقال رجل ازدي باشفاق:
-لقد اهلكت نفسك وعشيرتك.مضت الساعات ثقيلة وباتت الكوفة تترقب حادثة ما،وبدا قصر الامارة كوحش رابض في الظلام.
كسرت حوافر الخيل هدأة الليل... كانت تندفع نحو منزل رجل مكفوف البصر.. بصير القلب.واقتحمت الذئاب داره بعد ان حطمت الباب وكانت له صبية فصاحت:
-واأبتاه!-لا عليك ناوليني سيفي.
-ليتني كنت رجلا اذب بين يديك.
كان الرجل يقاتل في الظلام واحاطت به الذئاب فسقط اسيرا بين الانياب.
وهتفت ابنته:
-واذلاه يحاط بابي وليس له ناصر!وفي القصر فرك الارقط يديه جذلا وقال بشماتة:
-الحمد لله الذي اخزاك.-وبماذا اخزاني ابن مرجانه؟!
قال الارقط بنفاق:
-ماذا تقول في عثمان؟-ما انت وعثمان،اساء ام احسن،اصلح ام افسد؟ولكن سلني عنك وعن ابيك وعن يزيد وعن ابيه.
-لاذيقنك الموت.
قال الازدي بطمانينة:
-لقد كنت اسال ربي الشهادة من قبل ان تلدك امك،وسالته ان يجعلها على يدي العن خلقه وابغضهم اليه.جحضت عينا الارقط غيظا:
واشار الى جلاوزته،وسرعان تدحرج راس الشيخ،وكانت ابتسامه تلوح على وجهه.ودعا ابن زياد بازدي اخر كان في الطامورة،فجيء به،يخطو على وهن اثقلته السنون والسلاسل والقيود.
قال الارقط بصفاقة وقد اجتاحت رغبة في سفك الدم:
-الست صاحب ابي تراب في صفين؟!-نعم واني لاحبه وافتخر به،وامقتك واباك،سيما الان وقد قتلت سبط الرسول.
اجاب الارقط باستهتار:
-انك لأقل حياء من ذلك الاعمى.وهم الارقط بقتله،فحدق به ثم تمتم في نفسه:
-ان هي الا ايام وينفق.واردف وهو يصر على اسنانه:
-لولا انك شيخ قد ذهب عقلك لقتلتك.وتساقطت السلاسل من بين يديه،وعندما خطا باتجاه الحرية كانت عيناه تفيضان من الدمع حزنا،وغبط في نفسه صاحبه الذي رزق الشهادة بعد امد طويل.
وعندما غادر الشيخ القاصر كان الامل يكبر في قلبه الواهن بان يلتحق بصاحبه ولو بعد حين.
أنت تقرأ
إمرأة أسمها زينب "رواية"
Spiritualولئن جرت علي الدواهي يا يزيد مخاطبتك اني لاستصغر قدرك. -زينب