نهض الاشدق من سريره المذهب، كان الليل قد ذهب ثلثاء، وهو
ما يزال ينقلب في فراشه يصغي الى صدئ مناحة تأتي من بعيد.
ما يزال بنو هاشم يتوحون على الحسين، وما تزال المدينة تجتر
آلامها بصمت... كان الاشدق فيا مضى يطرب لبكائهم، ويتشي
لمناحتهم، أما الآن فبدأت تؤرقه.. تقض مضجعه.. تسلب من عينيه
حلاوة النوم. إنه يرى تململ المدينة.. يصغي الى أصوات تلعنه وتلعن
بني امية اجمعين، وكان الحسين على الشفاء
ضغط الاشدق على أسنانه حانقاً، وراح يحدق ـ من خلال نافذة
في القصر ـ في الظلام الدامس، تراءت له اشباح في الظلام اشباح
مخيفة ليس لها شكل.. تحمل في ايديها سيوفاً وخناجر...
ارتد الاشدق مذعوراً، وشعر بفمه يزداد اعوجاجاً، حـتى لـقـد
صعب عليه أن يصرخ بحاجبه.
وقعت عيناه على كأس فيها ثمالة، فافرغها في جوفه دفعة واحدة.
منذ مدة وهو لا يفارق هذه البيضاء التي تحرق جوفه وتغرقه في
بحر من الخيال.
ولكن ماذا يفعل لهذه المرأة؟!... زينب تسليه حلاوة العيش .
تقض مضجعه.. المدينة تستيقظ على مساحتها. وهو يخاف لحظة
الانتقام، لعن في أعماقه يزيد وابن زياد. كان عليها أن يقتلا زيني ...
الحسين لا يموت الأ يقتل هذه المرأة. إنها ابنة علي.. على الذي ما يزال
الناس يرددون کلاته؛ ومحمد يهتف به الناس كل يوم خمس مرات.
شعر بدوار في رأسه، ورغبة في القيء. لقد اكثر من الشراب هـذه
الليلة
استيقظ الفجر على صباح الديكة. وتعب غراب، قبل أن يغادر
وكره، وناحت حمامة بصوت حزين
صرخ الاشدق بكاتبه بصوت يشبه فحيح الأفاعي:
اكتب الى الخليفة
واذا كانت لك بالحجاز حاجة فاقتل زينب»
وانطلق ذئب أغبر يحمل رسالة الموت الاشدق ما يزال متماشاً
للدماء. لم تروه دماء كربلاء، فراح ينشد المزيد.
ما تزال هند تلوك كبد حمزة، وتشتهي كبد على...
كليات الحسين تدور في بيوت «الانـصـاره مـن سكـان المـدينة
ممزوجة بدموع زينب.. تتحول الى روح تنشد الحرية..
والذين صحبوا النبي يتذكرون عهوداً قديمة تحت الشجرة وفي
العقبة كانوا قد نسوها، وهاهم يستيقظون ليجدوا راية «العقاب» في
أيدي الذين حاربوها عشر سنين.
الخلافة تتحول الى ملك، والمخليفة يصير هرقل.. والمنبر ينقلب الى
عرش... ويكون معاوية أمين الوحي، ويشتم أبو تراب ليـل نهـار
ويعود طريد الرسول الى المدينة، وتنق زينب من كل الحجاز.
استوت «العقيلة» فوق ناقتها، وألفت نظرة حزينه على ربـوع
مدينة جدها، متوجهة صوب مصر
قالت امرأة هاشمية، وهي تودعها:
ـ لقد صدق الله وعده: «وأرثنا الأرض تنبوأ مـن الجـنة حيث
نشاءه قطيبي نفساً، وقري عيناً، وسيجزي الله الظالمين
وانطلقت سفينة الصحراء تقطع الفيافي.. تحمل امرأة اسمها زينب.
المرأة لن يمهلها القدر سوى سنة واحدة، فقد فاضت روحها في أول
ذكرى لعاشوراء
في الفسطاط قلب مصر، مكثت زيـنـب عـاماً واحـداً، وعندما
أغمضت عينيها الدامعتين، تفتحت ملايين العيون، وملايين القلوب
على نداء الحرية. فما يزال الحسين يقاتل.. يهتف في سمع الزمن
إني لا أرئ الموت الأسعادة ... والحياة مع الظالمين الأبرما.
وما يزال التاريخ يردد كلمات قالتها زينب في كربلاءـ لقد اخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم
معروفون في أهل السماوات، انهم يجمعون هذه الأعـضـاء المقطمة
والجسوم المدرجة، فيوارونها وينصبون بهذا الطف عليا لا يدرس
أثره، ولا يمحى رسمه على كرور الليالي والأيام.
أنت تقرأ
إمرأة أسمها زينب "رواية"
Spiritualولئن جرت علي الدواهي يا يزيد مخاطبتك اني لاستصغر قدرك. -زينب