الغروب الحزين يقرض منازل المدينة المشهورة بالغدر،توهجت ذرى النخيل بحمرة تشبه الجمر،فبدت كجراح متألقة.دخلت القافلة التي جاءت على قدر العاصمة الدارسة.
كمومس عجوز بدات الكوفة ذلك الغروب.
احتشدت جموع مذهولة حول القافلة العجيبة.سالت أمرأة كوفية ربما لتمس الجراح:
-من اي الاسارى انتم؟وجاء الجواب الصاعقه:
-نحن اسارى ال محمد.واومأت بنت محمد الى الناس،فسكنت الاصوات،وبلغت القلوب الحناجر.
وبدت وهي فوق ناقتها ملاكا قادما من السماء.سكت الناس وتوقف التاريخ يصغي الى كلمات علي تنبعث من جديد:
-اما بعد يا اهل الكوفة،يا اهل الختل والغدر،اتبكون فلا رقأت الدمعة،ولا هدات الرنة. انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا،تتخذون ايمانكم دخلا بينكم. الا وهل فيكم الا الصرف النطف والعجب والكذب والشنف. وملق الاماء،وغمز الأعداء. كمرعى على دمنة او كقصة على ملحودة. الا باس ما قدمت لكم انفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون.كلمات تشبه الصواعق. وبدات الجموع كشواهد قبور دارسة تحترق.
كان الصمت ما يزال جاثما فوق المكان كغراب اسطوري،وكانت الكلمات وحدها تدوي في اذن التاريخ:
-اتبكون وتنتحبون،اي والله فابكوا كثيرا واضحكو قليلا،فلقد ذهبتم بعارها وشنارها... فتعسا لكم وسحقا،فلقد خاب السعي،وتبت الايدي وخسرت الصفقة،وبؤتم بغضب من الله ورسوله،وضربت عليكم الذلة والمسكنة ... ويلكم يا اهل الكوفة! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ واي كريمة له أبرزتم؟ واي حرمة له انتهكتم، واي دم له سفكتم؟ لقد جئتم شيئا إدا.. تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض،وتخر جبال هدا... لقد اتيتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الارض وملئ السماء. افعجبتم ان مطرت السماء دما،ولعذاب الآخرة اخزى وان ربكم لبالمرصاد.كانت الكلمات تتدفق قوية كاعصارا فيه نار،وكان صهيل غاضب يتردد من بعيد.. قادما من ارض كربلاء...
ما يزال الحسين يقاتل. فالحسين لا يعرف الموت. لقد كشف سر الخلود،ومزق بسيفه حجب الزمن،وها هي زينب تشير بيدها نحو الدرب.. الدرب الذي خطه الحسين.
تساءل صوت مدهوش:
-ولكن الحسين ما يزال في الرمضاء.. جسدا بلا روح !!-مجرد اغفاءة.. وسينهض الفارس الذي دوخ القبائل.. سيلمع سيفه كبروق السماء،وسينبعث جواده من مياه الفرات،وعندها ستشتعل المعركة من جديد..
كربلاء معركة متجددة في كل ارض مظلومة وفي كل زمان جائر.
وستغدو كل بقعه من دنيا الله كربلاء. وسيمتد يوم عاشوراء ليشمل كل الزمن. سيصبح اطول يوم في التاريخ بل سيستوعب التاريخ كله.-ها هي زينب ها هي بنت علي.
هاتف حراس القصر وهم يتطلعون الى قافلة قادمة.. قافلة تحوطها ذئاب غبراء.
ها هي زينب تتقدم بخطى واثقة.. تدخل القصر ينبض في صدرها قلب علي،ويتالق في عينيها بريق الحسين.وتتفتح الابواب امام موكب من الاسرى.. تطفح فوق وجوههم العزة والاباء. العيون النفاذه تخترق استارة الزمن،تنظر الى ما وراء الايام.
لقد سقط يزيد وابن زياد.. تحطمت عروشهم وتهاوت قصورهم.
انهم لم يعودوا سوى جثث متعفنة غادرتها الروح.
اناخت القافلة رحلها في قصر يكاد يميد باهله.. قصر تحرسه رماح ونبال.
أنت تقرأ
إمرأة أسمها زينب "رواية"
Spiritualولئن جرت علي الدواهي يا يزيد مخاطبتك اني لاستصغر قدرك. -زينب