7

39 7 2
                                    


الليل يغمر الارض بظلمة حالكة. وبدت الصحراء المترامية امرأة متشحة بالسواد حزنا على ابنائها. النخيل الذي يحف بشطآن الفرات بدا كرماح مركوزة في الرمال.

خيل اليه انه يسمع صهيلا ينبعث من اعماق المياه المتدفقة..
اقترب اكثر فاكثر.. فكاد يسقط دهشة.. مواكب من شموع تتالق واصوات تشبه البكاء.

كان الرجل الاسدي يحد النظر.. يريد ان يتعرف احدهم. لكن بصره ارتد حسيرا.. تقهقر الى الوراء.. سيطرت عليه رهبة المكان خيل اليه انه يرى جوادا ينبعث من نهر الفرات. كانت جواد يشبه غيمة بيضاء تنساب فوق الرمال الناعمة. ورأى رجلا يستيقظ.. راح الجواد يمرغ ناصيته يشمه ويحمم بحزن.

نهض الرجل النائم.. مسح على رقبه جواده ثم راح يوقظ النائمين واحدا بعد الاخر.
استيقظوا جميعا كانوا 70 او يزيدون.
وهتف الرجل الذي ايقظهم:
-انا الحسين بن علي        اليت الا انثني  

انتبه الرجل الاسدي... فرك عينيه كان الفجر قد لاح من وراء النخيل.. فجر يشبه الرماد.
وشيئا فشيئا تبددت الظلمة،ولا حت له اجساد القتلى مقطعة الرؤوس.. متناثره هنا وهناك كنجوم منطفئة.

حل اليوم الثالث عشر من محرم، شمسه كئيبة حزينة ترسل انوارا باهتة،تلفح اجساد مقطعة الرؤوس،وكانت الريح تعدو كذئبة مجنونة تثير غبارا كدخان الحرائق.

وجاءت نسوة اسديات ورجال كانوا يبكون بحرقة،وتعالت في الفضاء تاوهات هابيل،وهو يشكو ظلم اخيه.

وقف بنو اسد حيارى لا يدرون ما يصنعون.
حاول بعضهم ان يتعرف القتل ولكن لا جدوى. حتى "ابن مظاهر" ضاع عليهم.

كانت الاجساد مضرجة مزقتها حوافر خيل قاسية.
وجاء فتى يسعى.. عليه سيماء النبوات. ووقف بنو اسد مدهوشين،وهو يشير الى الاجسام المجهولة.
-هذا جسد ابي.

وتمتم وهو يواريه الثرى:
-طوبه لارض تضمنت جسدك الطاهر.. الدنيا بعدك مظلمة والآخرة بنورك مشرقة. اما الليل فمسهد واما الحزن فسرمد.

ومشى الفتى الى جسد اخر كان مقطوع الراس واليدين. فاعتنقه وراح يبكي:
-على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم.. سلام عليك من شهيد محتسب ورحمة الله.

ومر النهار ونكت الفتى يديه من التراب،ونظر الى الفرات كان يشعر بضمأ شديد..
اغترف من الماء،وهم ان يشرب،ولكنه رماه بعنف كما لو كان سما.
تذكر كل تفاصيل ملحمة الظمأ وهي تجري على شواطئ نهر يموج بالمياه.

نهض الفتى والقى نظرة احتقار على الفرات،وطفرت من عينيه الدموع وهو يولي ظهره للشواطئ. وبدا النهر كئيبا كخيط من الملح. وشيئا فشيئا كانت اصوات مناحة بني اسد تخبو في اذنيه،وهو يتخذ طريقه نحو مدينة غدرت بابيه.

إمرأة أسمها زينب "رواية"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن