الفصل الثالث والثلاثون

288 19 1
                                    

بخطوات متسارعة اقرب للهرولة عبر ليث ممر المستشفى الطويل وعقله يجلده بلا رحمة ..
لما تركها تذهب إلى ذلك البيت اللعين وتجاهل حدسه الذي لم يخيب من قبل ؟!!
كيف تجاهل شحوب وجهها وتلك الهالات الزرقاء التي كانت مؤشرًا واضحًا لتعبها الشديد ؟!!
كيف مر عليه بطء خطواتها وابتسامتها التي خرجت مغتصبة بألم هذا الصباح ؟!
زفر بضغط شديد وهو يشعر أن الطريق أصبح أطول مما يجب وكل عصب فيه ينتفض قلقًا لأجلها ..
يا الله .. فلتكن فقط بخير
فلتكن فقط بخير وبعدها سيحتجزها في المنزل إذا تطلب الأمر .. !
وصل أخيرًا إلى الغرفة التي حُجزت بها ففتحها بقوة اقرب للاقتحام لتلتفت كل الأنظار نحوه ..
" ماذا حدث ؟!! "
يسألهم بصوت جاهد ليخرج رزينًا وهو يقترب من الفراش الذي تغفو ليالي عليه بلا حول ولا قوة
ذراعها موصل بالكثير من المحاليل ووجهها ينافس بياض الشرشف الذي ترقد فوقه
يا الله .. حتى شفتيها الناعمتين فقدتا لونهما وجفتا بشكل مخيف !
" لقد سألت ما الذي حدث ؟؟! "
هدر بخشونة حينما لم يجيب أحدًا أول الأمر فاحتدت نظرات مصباح ثم تمتم بنبرة مشابهة :
" إجابة هذا السؤال عندك "
رمقه ليث بعدم فهم فاستطرد مصباح وكأنه يدينه بشيء ما :
" الطبيبة أخبرتنا أنها تعرضت لإجهاد شديد وارتفاع في ضغط الدم كاد أن يودي بها هي وطفلها لذا أظن أنك مدين لنا بتفسير سبب وقوع ابنتنا بتلك الطريقة فور أن دلفت إلى دار أبيها "
اعتمت حدقتي ليث ثم غمغم من بين أسنانه بغضب سيطر عليه :
" راقب اسلوبك يا حاج مصباح ولا تنسى مع من تتحدث "
ارتسم الحقد على ملامح الآخر ثم كاد أن يتحدث لكن ليث قاطعه مكملًا بنفس النبرة :
" ثم أنني لست ضعيفًا ولا خسيسًا لأتجبر على امرأة مهما بلغ نفوري من أهلها "
شهقت والدة ليالي ببكاء مكتوم فانتبه ليث لها لكنه لم يبالي ثم اعتلى الجبروت ملامحه وقد سيطر الغضب عليه تمامًا فقال بنبرة قاطعة :
" والآن أريد البقاء مع زوجتي بمفردنا " 
ومرة أخرى شهقت والدة ليالي بصدمة بينما اتسعت عينا مصباح من الأسلوب الذي يستخدمه معه ليث للمرة الأولى ..
فهو لطالما كان يحترم فرق العمر بينهما ولا يتخطى حدوده بتلك الطريقة الفجة أبدًا ..
" أنا لن أترك ابنتي "
" زوجتك لا تعي لوجودك من الأساس "
تحدث الزوجين في نفس الوقت بنبرتين مختلفتين
فبينما كانت نبرة والدتها تحمل مزيجًا من الغضب والتوسل كانت نبرة مصباح ناقمة يسودها ظلام غامض غير مفهوم
أما ليث فلم يتراجع عن ما قاله بل تمادى معهما فأشار نحو الراقدة بلا حول ولا قوة ثم تمتم بصوت تعمد أن يكون خافتًا رغم إدراكه لغياب ليالي عن الوعي :
" أنتم وضعتم هذه المرأة في داري مرتين لذا لا أحد على الإطلاق يملك بها أكثر مما أملك ، هذه امرأتي وأنا من أحدد مع من ستبقى .. وأنا قررت أنها ستبقى معي أنا فقط في هذه اللحظة "
شحبت ملامح والدتها بضعف مدركة أنها لن تستطيع مجابهة جبروت ليث العامري بينما وقف له مصباح بالند ثم تمتم بصوت متوعد :
" ستدفع ثمن ذلك "
غلف الجمود ملامح ليث ثم همهم بصوت مخيف :
" سأعتبر أنني لم أسمع هذه الجملة حتى لا أفتح النار في وجه جد ولدي "
اعتمت حدقتي مصباح بنقمة شديدة ثم هدر بصوت مرتفع :
" هيا يا أم غالب "
بكت والدة ليالي ثم توسلت البقاء فهدر من جديد :
" قلت انهضي "
نهضت والدتها وهي تنظر لها بعيون باكية لكن ليث أغلق عينيه عنها ولم تأخذه بها شفقة إلى أن غادرا فاقترب من ليالي المستسلمة تمامًا لغفوتها ثم جلس جوارها وقد تبدلت نظرة عينيه التي تحركت من ملامح وجهها المرهقة إلى بطنها التي لا يزال يسكنها طفلهما ولله الحمد ثم مسح على شعرها يسألها بصوت يائس خفيض وعينان غاضبتان لأجلها :
" ترى ماذا فعلوا بكِ من جديد ؟!! "
_____________

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن