الفصل السادس

322 17 2
                                    

( قرب الفجر )

تراقب دخوله إلى بيته دون أن يصدر صوتًا واحدًا ، مبتسمًا على غير عادته ووحده يعلم سر هذه البسمة !
تبدو كبسمة من حظى بظفر جديد
اقتربت منه تنبهه لوجودها فتأملها بعينين ساكنتين
تملك نفس العينين الكريهتين كأخيها تمامًا لكن نظرتها هي مختلفة .. !
عيناها عاشقة بخضوع واستسلام
ملامحها و لغة جسدها تتمنى رضاه وتقبل فِتاته
بل إن ابتسامتها التي تقابله بها في كل مرة ابتسامة امرأة ترضى بأقل من الفتات ..
وهذا ما هي عليه !
" ألم تنامي بعد ؟!! "
همهم بسؤاله وهو يُعيد غرتها المصبوغة بالأحمر للوراء فأغمضت عينيها الزرقاوتين بانتشاء غريب إثر لمسته ثم أجابته بهمس خفيض :
" انتظرك "
تراجعت اللمسة الإنسانية عن ابتسامته ليغمغم بشفتين ملتوتين :
" كنت اتفادى كلاب سفيان "
زفرت چين بضيق ثم تمتمت بعينين ضجرتين :
" ألن تنتهي هذه الحرب بينكما أبدًا ؟!! "
ضحكة مستهزئة كانت أبلغ جواب على سؤالها الساذج مثلها ثم ألقى نظرة خلفها نحو غرفته المفتوحة بينما استطردت چين بخوف فطري التمع في حدقتيها :
" لو علم هو أو أبي أنني أبقى معظم الليالي هنا سيـ..... "
قاطعها آل بإغواء وهو يلمس وجنتها بطرف سبابته :
" ندمتِ ؟!! "
وكمدمنة لقربه أمسكت بكفه تقبل راحتها بحرارة شديدة ثم همهمت بعينين عاشقتين حد الهوس :
" الشيء الوحيد الذي اندم عليه هو تلك الأيام التي لم أحياها بقربك "
التوت شفتيه بابتسامة راضية ثم غمغم ببطء وخفوت وكأنه يختبرها :
" حتى لو أخبرتك أنني أخطط للتخلص من سفيان ! "
رفعت جين عينيها نحوه بجزع وابتعدت خطوة عفوية للوراء فضحك آل قائلاً بمرح مخيف :
" I'm kidding Jean "
لم ينقشع الخوف عن نظراتها بينما عقبت بمرح زائف وصوت مرتجف :
" لقد صدقتك للحظة "
ضحك آل مرة أخرى ثم أشار لها حتى تقترب ففعلت بلا ذرة تردد ليحاوط خصرها بذراعيه هامسًا أمام شفتيها المطليتين بالأحمر القاني :
" I missed you "
ابتسمت وومضت عيناها بألق كبير وكأنها حصلت على اكبر غنائمها فمال آل وقبلها بنعومة شديدة ثم تركها هامسًا بخفوت مغو :
" موعدنا غدًا بعد منتصف الليل "
نظرت له بصدمة تبعها إحباط واضح بعد أن أبتعد عنها انشات بسيطة ينظر لأثاره على شفتيها بتلذذ ثم همس بما جعل الإحباط يتحول إلى ابتسامة ساحرة كانت لتغوي أي رجل سواه :
" ارتدي لي ثوبك الأسود ذو الكتف الواحد العريض وأطلقي شعرك "
زفرت چين برغبة واضحة ثم أومأت له بخضوع لتقترب منه بعدها تقبل شفتيه بوداع ثم تأخذ حقيبتها وتغادر مكتفية بوعده لها هذه الليلة
بعد رحيلها خلع آل قميصه الأسود وحزام سرواله وحذائه ثم دخل إلى غرفته بهدوء شديد وصفاء ذهن
يستلقي على جانبه جوار جميلته النائمة يحدق في ملامحها للحظات قبل أن ينقلب على ظهره يستعيد ما حدث بينه وبين البرية منذ يومين بذهن متقد
جنون قيادتها وكأنها تطير نحو المجهول
نظراتها المشتعلة نحو ما لا يراه سواها
بأسها الشديد وهي تحكم على جسدها بالتماسك ورفضها لرجفته
غريبة الأطوار فعلا كما يدّعون !
مجنونة ،تحارب شبح لا يراه غيرها وهذا ما يجعل منها الفريسة الأمثل لخطته .
اعتلت ابتسامة ماكرة ثغره وهو يتذكر وصولهما إلى الشاطئ بعد قيادة لوقت ليس بقليل ..
وقوفهما الأخرس أمام الموجات المتلاطمة والذي اكتفى هو به كبداية قبل أن يزداد جنون تلك البرية فتخلع حذائها وتقرر شق طريقها بين الأمواج العاتية .. !
ليلة شتوية بامتياز
طقس صافع للجسد من شدة برودته
وأمواج عالية كفيلة بابتلاع مقطورة كاملة
وتلك المجنونة التي كانت تتنزه بين الأمواج بخطوات مترنحة غير مبالية بلسعات البرد ولا ضربات الموج القاسية
عيناها زائغتي النظرات وكأنها لا تعي ما تفعله أو تقبع أسفل حطام وألم لا قِبل لها بهزيمته بشكل آخر
وقف يراقبها وهي تتلقى ضربات الموج الأزرق وعيناها تطالع السماء ليشتم آل بعنف ويخلع حذائه ويتبعها حين غطست برأسها وكامل جسدها فاختفت عن ناظريه على حين غرة لدقائق
تبًا لها هل قررت الانتحار ؟!!
هل أتت به كل تلك المسافة حتى تبليه بموتها ؟!!
لكن قبل أن يصل لها بثانيتين وجدها ترفع رأسها غافلة عن وجوده ورائها تشهق بصوت مرتفع بعد أن أعلنت رئتيها عن حاجتهما الضارية للأكسجين لتشق فجأة صرخاتها الصمت الثقيل الذي كان يحيط بهما  ..
صرخة تليها صرخة تليها أخرى
صرخات متتالية اوقدت في قلبه نارًا حينما امتزجت بصرخات أخرى قُتلت صاحبتها أمام عينيه !
صرخات قهر ووجع وانهزام ووحدة وغضب
صرخات أجبرته على الالتصاق بها ليصرخ في أشباحه التي هاجمته على حين غرة :
" Enough "
( كفى )
صوت لهاثه امتزج بصوت لهاثها واخفاهما صوت الموج
نظرتها المقهورة امتزجت بمثيلتها عنده واخفاهما الظلام
شديدا القرب حد الالتصاق
شديدا التشابه حد التطابق
لكن الظلمة والضوضاء تفرق بينهما فلا يميز أحدهما وجود الآخر حوله وكل منهما منغمس في ملكوت يخصه
وفي لحظة واحدة انقشعت الفقاعة التي جمعتهما لوقت قصير جدًا حين التفت فضة فوجدته ملتصق بها فصرخت برعب وتحركت بلا حذر فسقطت على ظهرها ليبتلعها البحر بلا رحمة
وجد آل نفسه يغوص ورائها ويخرجها بسرعة وسط تخبطها وهسترتها الواضحة
كانت تحارب كفاه الممسكان بها بشراسة شديدة ولسانها لا يكف عن الوعيد من وسط سعالها
اسندها عنوة حتى وصلا إلى الشاطئ من جديد فتركها دون أن ينطق بحرف ليراها في عينيها قبل أن تتجه نحوه بجنون وترفع يدها بنية لطمه ليمسك بكفها بسهولة فيما يتمتم باستفزاز :
" تملكين اسلوب شكر غريب سيلفر "
ليحرق كل خلايا التعقل التي تملكها حين قلب كفها بين يديه وقبّل ظاهره بلباقة وعيناه تسخران منها فصرخت فضة بجنون وهي تشد ذراعها منه دون أن يتركها :
" لا تلمسني يا حقير "
ظل آل ممسكًا بكفها غصبًا وهي تحارب للخلاص إلى أن افلتها مرة واحدة فسقطت مرة أخرى على ظهرها تتألم بينما ظل هو واقفًا مكانه كالمارد ليتمتم بصوت عميق وهو يُعيد شعره المبتل إلى الوراء :
" لديكِ طاقة غضب ستحرقك يومًا ما إذا لم تحسني توجيهها "
لم ترد فضة عليه و رمقته بكره جلي ثم نهضت تنفض عنها الرمال وتحركت إلى دراجتها النارية من جديد فهتف آل في إثرها بنبرة مرحة وكأنه يصرف عنه اشباحه الخاصة بمشاكستها :
" This is our first secret and I'm happy to share more with you "
( هذا أول أسرارنا ويسعدني تشارك المزيد معك )
لم تلتفت إليه وركبت دراجتها لتعود أدراجها بينما اتبعها هو من بعيد ورآها من نافذة السيارة تدخل الى البيت بجسد ينتفض
أدار عينيه في الأرجاء يتأكد من خلو المكان من أي متتبع ليدير سيارته ويرحل بدوره بعد أن أخرته البرية عاشقة المغامرات بما يكفي .
ومنذ تلك الليلة لم يلتقيا بشكل مباشر ..
فهي وكما توقع سقطت أسيرة حمى شديدة هاجمتها بشراسة وهو لم يعد إلى البيت منذ أن سافرت فداء إلى ذلك المؤتمر الذي ثرثرت عنه كثيرًا من قبل
صوت خافت انتشله من بين أفكاره فنظر إلى من فتحت عينيها ببطء ونعاس ثم ميزت وجوده جوارها فابتسمت ومدت كفيها الصغيرين نحو وجهه تتحسس وجنتيه وهي تضحك بجمال أخاذ وتناغيه ببراءة فضحك بدوره ومال يقبل كفيها ويدغدغها بذقنه ثم سحبها إليه يضعها على صدره فتصدر بعض الأصوات الضاحكة قبل أن تتمتم بحروف متقطعة ناعسة :
" بّابّا "
فتلمع عيناه بعاطفة قوية ويضمها إليه أكثر هامسًا بخفوت شديد وكأنه يفهم ما تقوله رغم صغر سنها :
" وبّابّا أيضًا اشتاق اليكِ يا قلب بّابّا "  

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن