الفصل الثالث عشر

297 15 1
                                    

( الوادي )

يُجلسها أمامه والابتسامة لا تغادر ثغره وهو يمشط لها شعرها باستمتاع ما بعده استمتاع ..
يميل كل بضعة لحظات ويلثم خصلاتها الندية ذات الرائحة العطرة فتتورد وترمقه بحياء شديد من المرآة المقابلة لهما وقلبها يخفق معلنًا تعلق يزداد بين لحظة وأخرى
عيناه تغيم بحنان جم ورغبة يتحكم فيها بضراوة مراعاة لضعفها وهشاشتها التي لمسها عند استيقاظهما
" عبد العزيز "
" امرك يا ست الحسن "
ضحكت بخفر ثم التفتت نحوه وهمهمت بصوت خافت :
" هل لي بطلب ؟!! "
ربت على وجنتها بحنو مغمغمًا بتلقائية :
" طلباتك اوامر يا غالية "
لمعت عيناها بالامتنان ثم قالت :
" اريد الذهاب الى العاصمة "
نظر لها بتساؤل فأسرعت بالقول كاذبة :
" فضة ستعود من الخارج بعد بضعة أيام .. هل لنا أن نذهب إليها ولو لساعتين فقط ؟!! "
لتستطرد بعدها بابتسامة حزينة :
" لقد اشتقت لها للغاية يا عزيز "
ابتسم لها عزيز بحنو ثم همهم ببساطة اذهلتها :
" عيوني ، اعلمي منها فقط موعد عودتها وسآخذك إليها على الفور "
أطلقت غالية ضحكة فرحة فضمها إلى قلبه قائلًا بلطف :
" لا حرمني الله من هذه الضحكة أبدًا "
لفت ذراعيها حول خصره وهمهمت بصوت خافت :
" ولا حرمني منك أبدًا يا عزيز "
مال وقبل رأسها الذي يسكن صدره ثم قال مشاكسًا :
" لقد ظننتك ستطلبين السفر الى أحد المناطق الساحلية "
صمتت للحظات ثم هزت كتفيها بجهل وغمغمت :
" لا اعلم ، لم افكر بالأمر "
شدد من ضمته إليها ثم حثها :
" إذًا عليكِ البدء بالتفكير "
هزت رأسها بطاعة ثم ابتعدت عنه عندما استمعا الى الجلبة في الخارج فأدركا وصول عائلتهما ..
نهض عزيز ونظر من النافذة ليدرك هوية ضيوفه بينما وقفت غالية تسوي ملابسها أمام المرآة ثم أمسكت بقلم الكحل فأوقفها عزيز قائلاً بجدية :
" لا تضعي مساحيق تجميل "
نظرت له بعدم فهم فاستطرد بعد لحظات :

" و ارتدي حجابك من فضلك يا غالية "
عبست بتعجب ثم سألته :
" لماذا ؟!! .. أليس هذا صوت والدتك واخواتك ؟!! "
أومأ إليها ثم كرر طلبه من جديد وإن كان بلطف اكبر :
" من فضلك غاليتي ، نفذي لي طلبي الآن وسأوضح لكِ لاحقًا "
ألقت غالية نظرة غير راضية على وجهها الشاحب ثم ابتعدت عن المرآة تبحث عن وشاح مناسب لما ترتديه بينما ذهب عزيز ليستقبل والدته وأخواته وهو يهمهم بصوت شديد الخفوت :
" حفظك الله من كل عين تطالك يا بهية الحسن "
ليفتح الباب بعدها فتستقبله حليمة بين أحضانها بينما أطلقت كل من زينب وسمية الزغاريد أما بدور فظلت تنظر إلى أثاث المنزل وتتفحصه بعينين جامدتين :
" تفضلوا .. تعالي يا امي "
ادخلهن عزيز مبتسمًا بترحاب شديد بينما سألته زينب ضاحكة وهي تضع الصينية الكبيرة التي تحملها على الطاولة :
" هل ايقظناك يا عريس ؟!! "
كاد عزيز أن يتحدث لكن سبقته بدور وسألت بسخرية مستترة :
" أين العروس ؟!! .. هل هي بخير بعد مجهود البارحة ؟!! "
جمدت نظرة عزيز بينما رمقتها والدتها بتحذير ليأتيها في النهاية الرد بصوت غالية التي خرجت بكامل أناقتها وهي تحمل كؤوس العصير لتضيفهن :
" بألف خير يا بدور ، شكرًا على سؤالك "
امتقع وجه بدور فتجاهلتها غالية ورحبت بهن بحفاوة بينما رمقها عزيز بلوم واضح بعد أن عاندته ووضعت بعض مساحيق التجميل وإن كان بشكل خفيف ..
" بسم الله ما شاء الله .. ما هذا الجمال يا ابلة غالية ! "
" شكرًا لكِ يا سمية .. كيف حالك ؟!! "
غمغمت بها وهي توزع عليهن كؤوس العصير لتغمغم زينب محاولة إصلاح ما أفسدته بدور برعونتها :
" ما شاء الله يا عزيز .. صبرت ونلت ، لقد أجدت اختيار عروسك "
ابتسمت لها غالية بلطف لتهمهم حليمة بكياسة :
" مبارك يا ابنتي ، جعلها الله زيجة العمر "
" بارك الله في عمرك يا خالة "
لحظات وتعالت الاصوات من جديد فأدركت غالية وصول عائلتها فنهضت لتفتح لهم فيوقفها عزيز ثم يذهب هو ويفتح الباب ليتم استقباله بالزغاريد والصواني المحملة بألذ الاطعمة مرة أخرى وكأن العائلتين تتسابقن لإظهار كرمهن ..
" كيف حالك يا خالة سعادات ؟!! "
غمغم بها عزيز مبتسمًا فتربت سعادات على كتفه بمحبة وتجيب :
" بخير طالما انتم بخير يا ولدي "
راقب عزيز ابنتي خالة زوجته وهن يدخلن إلى المطبخ ليضعن حمولتهن دون أن يتوقفن عن إطلاق الزغاريد أما سعادات فقد عانقت ابنتها للحظات ثم سألتها عن حالها لتهتم بعدها بالترحيب بحليمة وبناتها ..
دعى عزيز غالية فأقبلت نحوه ترمقه بتساؤل فهمهم بصوت خافت :
" سأجلس في الشرفة حتى ينتهي المؤتمر النسائي "
اومأت له فاستطردت بعينين لائمتين :
" ولنا حساب على عدم طاعتك من اليوم الأول "
رمشت غالية بذنب عدة مرات فتركها ودخل إلى الشرفة بينما ذهبت هي وجلست مع ضيوفها لتسأل حليمة سعادات بتعجب :
" أين ليالي يا أم ليث ؟!! "
حافظت سعادات على ابتسامتها الهادئة ثم اجابتها وقد توقعت هذا السؤال ولامت ليث كثيرًا على تسرعه :
" داهمها التعب فلم تستطع الحضور معي "
لتنظر بعدها إلى غالية التي تناظرها بتساؤل بدورها :
" لكنها تعتذر منك وتخبرك أنها ستأتي ما أن تتحسن حالتها "
هزت غالية رأسها بعدم اقتناع بينما عقبت حليمة بطيبة :
" ألف لا بأس عليها "
لتتدخل بدور تسأل بتشفي مختفي وراء ابتسامة مصطنعة :
" هل سنسمع اخبار جيدة عما قريب يا خالة سعادات ؟!! "
رمقتها سعادات بطرف عينيها ثم قالت بصوت محايد :
" فليقدم الله ما به الخير يا ام شروق "
ومن جديد تدخلت زينب لتلطيف الموقف فهمهمت بابتسامة هادئة :
" رزقهما الله بكل خير يا خالة "
أمن الجميع ورائها ثم نهضت حليمة وذهبت حيث يجلس عزيز فوجدته يدخن سجائره فقالت بلوم قبل أن يراها :
" سجائر على الريق يا عزيز ؟!! "
اجفل عزيز في أول الأمر ثم ابتسم لها ورمى سيجارته ثم التفت لها فقالت بعينين دامعتين :
" اشتقت لك يا عزيز ، كيف سأعتاد على منزل انت لست من ساكنيه ؟!! "
ابتسم لها عزيز بحنو ثم ضمها إليه قائلًا باسترضاء ومناغشة :
" بيتي وبيتك واحد يا حليمة ، لا يفصلهما الكثير .. حين تشتاقين اطلقي صفير واحد وستجدينني امامك "
ضحكت له حليمة ثم سألته بدفء حزين :
" هل وجدت راحتك معها يا عبد العزيز ؟!! .. هل كانت كما تمنيت ؟!!
ابتسم لها مدركًا ما تحوم حوله ثم اجابها بهدوء دون أن يفلتها وعيناه تضوي بألق جديد :
" بل افضل بكثير يا أماه  "
ليستطرد بعدها بملامح ساكنة :
" ألم تكوني تدعي لي دومًا براحة البال ؟!! .. البارحة فقط أدركت مذاق هذا الدعاء وكله بفضل دعائك يا امي "
ابتسمت له حليمة ثم ربتت على قلبه وهي تدعو له بنبرة مستسلمة :
" اذاقك الله من فضله وجعل لك من كل فرح نصيب يا ابن قلبي "

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن