الفصل السابع والأربعون

306 17 1
                                    

" أعطه موافقتك "
اتسعت عينا ليث بصدمة ألمت به واستحوذت على عقله تمامًا ..
فمن جهة أمه التي يعرفها ما كانت لتقبل بنصف أجنبي زوجًا لأبنتها قط ، ومن جهة أخرى لم تسأل حتى عن أي شيء يخصه وكأنها لا يفرق معها ماذا يكون غير أنه مجرد رجل !
عبر ليث عن صدمته بما يقال حين تمتم بعد لحظات :
" بهذه البساطة ! "
أومأت سعادات وغمغمت دون تراجع :
" أخوه لبِشر .. ماذا سيعيبه ؟!! "
ذُهل ليث من منطقها خاصةً أنها لم ترى الآخر قط ثم قال باستهجان واضح :
" فقط لأنه أخًا لبِشر سنعطيه ابنتنا دون أن نبحث وراءه أو حتى نسأل عنه ! .. بحق الله ماذا تقولين يا أماه ؟!! "
عبست سعادات وغمغمت بقوة وخشونة تدافع عن وجهة نظرها :
" أقول أنه مناسب ، ظروفه كلها تناسبها .. أجنبي وقريب لنا نوعًا ما ،كما أن زواجه منها سيجعلها تحت عين بِشر بشكل أو بآخر ولن يُغير من حياتها الحالية من شيء "
تجهم وجه ليث فعبست سعادات وسألته بتحفز :
" أخبرني ما وجه اعتراضك عليه ؟!! .. هل رأيت منه ما يسوء ؟!! "
كز ليث على أسنانه ثم قال ببوادر غضب :
" وجه اعتراضي ليس على الشخص نفسه وإن كان لي عليه الكثير من التحفظات بالفعل .. انا أعترض على قبولك المباشر دون أي سؤال حوله وكأنه هبة جاءت من السماء ويجب أن نقبل بها دون أي تفكير وهذا هو ما يثير سخطي "
" سخطك ! "
تمتمت بها سعادات بانفعال فهدر بها ليث لأول مرة :
" أجل سخطي ، أنا لن ألقي بشقيقتي بهذه الطريقة ولو على جثتي .. وما حدث لها لن يبقى سوطًا نجلدها به في كل خطوة من حياتها لأنها الضحية وليست الجاني "
رمقته سعادات دون تعبير فرفع ليث سبابته ثم استطرد بنبرة متحفزة وإن كانت اهدئ مما سبق وكأنه يُقحم الكلام داخل رأس أمه عنوة :
" اسمعي يا أماه .. فضة ليست بخاطئة حتى نبحث عن من يتستر عليها ، ولا تنسي أن وضعها بعد طلاقها من بِشر اختلف تمامًا .. فهي الآن حرة تختار من تشاء زوجًا لها ، وها انا اخبرك من الآن يا امي أنني لن أخذلها من جديد وسأقف ورائها في أي قرار تتخذه "
ليُنهي ليث حديثه بنبرة آسفة وأمه تراقبه عن كثب :
" كفاها ما نالت ، أنا لن أكون سوطًا آخر تُجلد به "
ليخرج ليث بعدها من الغرفة تاركًا وراءه والدته تحدق فيه بعصبية مفرطة وتفكير ومض في مقلتيها لتتخذ بعد دقيقتين قرارها ثم تترك الغرفة بدورها وقد أدركت ما عليها فعله .
__________________

( العاصمة )
" لم أصدق نفسي حينما رأيت اسمها يترأس العشر المكرمين في مسابقة الأبحاث التي ستُعلن نتيجتها غدًا .. هذا يعني أنها ما هي إلا بضعة ساعات وأراها "
تمتم بها آدم بعينين وامضتين بالألق وهو ينظر إلى بكر الذي كان يجلس أمامه بوجه ناعس يضع يده على وجنته بملل وارتخاء وكأن آدم يروي له حكاية ما قبل النوم لينتفض بعدها بعبوس حين هدر به آدم بغضب :
" أنا المخطئ لأنني أتحدث معك ..  مع من أتحدث أنا ؟!! "
" ماذا تريد ؟!! "
غمغم بها بكر بضيق وعبوس فكز آدم على أسنانه بغضب ثم تمتم بصوت خفيض وهو يولي وجهه للناحية الأخرى :
" لا شيء "
تأفف بكر ثم تمتم بعد لحظات :
" اسمع ، أنا لا ينقصني بوزك هذا .. كفاني ما أناله من جزاء وابنتها الشكاءة البكاءة التي لا أعرف طعم الراحة بسببها في المنزل "
نظر له آدم بطرف عينه وحاجب مرفوع ثم تمتم بملل :
" ابنتك تُسنن .. هذا طبيعي "
" والله لو أنا من يُسنن لم أكن سأتذوق هذا المرار "
همهم بها بكر بصوت خافت فرمقه آدم بقرف ثم قال :
" التهي "
لوح بكر بنعاس وحنق ثم قال بعد لحظات بتذكر متأخر :
" ألم تقل أنك وصلت أخيرًا إلى بِشر ؟!! "
أومأ آدم ثم رد عليه :
" أجل ، تحدثت معه بشكل غير مباشر .. كنت أؤكد عليه أنني لا أزال عند طلبي "
" وما كان رده ؟!! "
سأله بكر بعينين مغلقتين فأجابه آدم دون انتباه لحالته :
" قال الله يفعل ما يريد "
ليتبع بضيق :
" المشكلة ليست في بِشر .. بل في المجنون الآخر ، لا أعلم ماذا يريد مني ؟!! .. ماذا بيني وبينه ليعاديني بهذا الشكل ؟!! "
" معه حق "
استطرد ادم :
" كلما يراني يخبرني أنه رافض الزيجة وكأنني ولدت فوق رأسه .. مستفز جدًا والله يا بكر "
" معك حق "
" أحيانًا أشك أن فداء أخبرته بسوء الفهم القديم الذي حدث بيننا لهذا يتصرف معي بهذه الطريقة "
" معه حق "
زفر آدم وقال بشرود :
" ليتها فقط تجيب أي رسالة .. ربما وقتها يطمئن قلبي ، أنا أدرك أنها تحبني .. لقد أخبرتني بها صريحة لكن الأحداث الأخيرة باعدت بيننا بطريقة لم أتوقعها أبدًا "
" معك حق "
ومضت عينا آدم بعشق جارف ثم تمتم :
" أنا أحبها يا بكر ، أحبها بحق ولا أريد خسارتها بأي شكل "
" معه حق "
انتبه له آدم أخيرًا فوجده يسند رأسه على كفه بميل وجسده يتدلى بارتخاء على المقعد وكأنه على وشك السقوط في غفوة طويلة فتمتم آدم بنبرة خفيضة وهو يرفع حاجبًا شريرًا بشك :
" ربما يجب على جزاء التخلص منك "
" معك حق "
" أو عليك أنت التخلص منها "
" معه حق "
" منك لله "
همهم بها آدم زافرًا بيأس وهو يعود برأسه إلى الوراء بإرهاق وملل وبكر لا يزال يعزف سيمفونيته ويردد بصوت رجل على وشك الوقوع من فرط النعاس :
" معك حق "

ولما تلاقينا .. الجزء الثالث من سلسلة قلوب تحت المجهر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن