حكاية مختلفة ♥️

23 2 2
                                    

_يعني اي مش موافقة؟
_ يعني مش موافقة يا ماما، مش عايزة أقابل عرسان أنا.
قعدت جنبي ورتبت علي ايدي بهدوء وقالت: ليه بس يا حبيبة ماما، بابا بيقول إنه شخص كويس، اقعدي معاه وشوفيه، ولو مرتاحتيش ارفضي، مفيش حد هيغصبك علي حاجه.
_ اتنهدت بتعب وقولت: وأنا مش مستعدة أقابل أي حد دلوقتي، حتي لو كان كويس، وبعدين لسه بدري، أنا لسه مخلصتش الكلية.
_ حبيبتي إنتِ في أخر سنة خلاص، يعني فيها اي لو اتخطبتي دلوقتي، عشان خاطر ماما يا شيري وافقي، عايزة أفرح بيكِ.
_ غمضت عيني قبل ما ندخل في خناقة تانية وقولت: حاضر يا ماما زي ما تحبي، إنتِ عارفة إني مش بحب أزعلك.
_ حبيبة قلب ماما من جوه يا ناس، يلا قومي اجهزي بقي عشان العريس جاي انهاردة، ومشيت بسرعة!
_ انهاردة، دي تدبيسة بقي، يا ربّ ارحمني من العيلة دي يا ربّ.
قومت من علي سريري، وقربت من مكتبي، طلعت النوتة اللي بكتب فيها دايمًا، النوتة اللي شهدت علي كل حاجه جوايا، واللي عمري ما قدرت أخرجها من جوايا إلا فيها، شهدت علي كل  كلمة اتكتبت له وعشانه، علي كل دمعه غبية نزلت علي فراقه، وعلي كل لحظة احتاجته فيها ومكنش موجود فيها زي دلوقتي.
مسحت دموعي اللي نزلت غصب عني وقومت أجهز، بقلب مكسور، وعقل جلاد، وبكل سخرية العالم، لاقتني لابسه أكتر فستان كان بيحبه، وكأن عقلي وقلبي اتفقوا عليا.
_ يلا يا شيري العريس جه.
ماما بصيتلي شوية، وبعدين قالت بشوية زعل علي حالي: ملبستيش حاجه تانية ليه يا حبيبتي؟
_ ابتسمت وقولت: عادي يا ماما، وبعدين هو ده مش حلو عليا يعني؟
_ إنتِ قمر دايمًا يا حبيبة ماما، يلا تعالي عشان تشوفي العريس.
قاعدة بنص عقل ونص قلب، تايهه في حياتي اللي فاتت، وحياتي الجديدة اللي المفروض أركز فيها، لحد ما فوقت علي صوت بابا وهو بيقول: شيري حبيبتي خدي محمد واقعدوا سوا في البلكونة شوية.
_ بصيت لبابا شوية، وبعدين قومت وأنا بشاور للأستاذ محمد يتفضل معايا.
ولأني بحب البلكونة والسما بالليل، ونسمات الهوا اللي بعتبرها لطف لقلبي دايمًا، كنت قاعدة مستمتعة بالجو وناسية إني في حد قاعد معايا أصلاً.
_ أنسة شيرين حضرتك معايا؟
_ غمضت بهدوء وأنا بلتفتله، أهو المقاطعة دي كفيلة تخليني أرفضه.
_ أيوه مع حضرتك.
_ طب مش حابة تسأليني عن أي حاجه؟
_ أيوه أكيد ممكن تعرفني بنفسك؟
_ تمام أنا اسمي محمد المنشاوي، ٢٧ سنة، مهندس.
_ عايزة أسالك علي رأيك في النقاب؟
_ هو العلماء كلهم اختلفوا علي فرضيته أو لأ، بس أنا الرأي اللي ارتحتله إنه مش فرض.
_ طب لو حصل بينا نصيب، وجيت في يوم قولتلك إني عايزة ألبس النقاب، هتوافق ولا هترفض.
_ هنتناقش ونحاول نوصل لنقطة مشتركة، مع إني شايف إنه مش مهم.
_ طب لو وصلنا لنقطة إني شايفة إن رأيي صح وإنت كمان كذلك، هنتصرف ازاي.
_ ممكن ناخد رأي حد يحكم بينا، أهلي أو أهلك مثلاً.
_ طب لو افترضنا إن أهلي مثلاً مش موافقين علي النقاب وهيبقوا في صفك، هتتصرف ازاي وقتها.
_ ابتسم بسخرية حاول يداريها وقال: يعني كلنا مش هنبقي موافقين وإنتِ عايزاني أنفذلك طلبك بعدها يعني ولا اي؟
_ ابتسمت بهدوء وقولت: حضرتك عندك أسئلة؟
_ سكت شوية وبعدين قال: عايزة أتكلم عن جزئية الشغل؟
_ ماله الشغل!
_ لو حصل نصيب أنا مش عايزك تكملي في الشغل، وأنا الحمد لله مرتبي كويس، يعني مش هنبقي محتاجين شغلك في حاجه.
_ ابتسمت بسخرية وقولت: معلش بس طالما إنت عايز واحدة مش بتشتغل، جاي تتقدم لواحدة بتشتغل ليه؟
معندكش رد صح، عن إذنك يا بشمهندس، ردي هيوصلك مع والدي.
_ قومت دخلت أوضتي، وبابا ودعهم وبعدين دخل هو وماما يتكلموا معايا:
_ ها اي رأيك في محمد، شكله شاب هايل.
_ ايوه يا حبيبتي، مش قولتلك هو كويس
_ أنا مش موافقة.
_ سكتوا شوية بيحاولوا يستوعبوا أنا قولت اي وبعدين بابا اتكلم وقال:
سبيني مع شيري شوية يا مني معلش.
_ ها يا حبيبتي، ماما خرجت أهو، قوليلي بقي مش موافقة علي محمد ليه؟
_ مش شبهي يا بابا، إنت دايمًا بتقولي متوافقيش بحد مش شبهك، وكمان مش عايزني أشتغل.
_ يعني مفيش سبب تاني؟
_ بعدت عيني عنه وقولت: هيكون فيه سبب تاني اي يعني يا بابا.
_ يوسف مثلاً؟
_ بصيتله بسرعة لأنه قال أخر حاجه كانت ممكن تيجي في دماغي وقتها وقولت:  لأ يا بابا مش يوسف، ومفكرتش فيه أصلاً، إنت عارف  إنت مربيني ازاي، تفتكر إني ممكن أعمل كده!
_ ملاحظتش إن دموعي بتنزل غير لما بابا قرب مني وحضني، محستش بنفسي غير وأنا بمسك فيه جامد، وبعيط بوجع وصوت عالي: بتجيب سيرته تاني ليه يا بابا، بتفتح جرحي اللي بحاول أقفله من سنين ليه تاني، سابني ومشي ليه، سابني عشان كان تعبان، ازاي يفكر إني ممكن أسيبه عشان تعبه، يا بابا احنا متربين سوا، ازاي يفكر فيا كده، أنا مش مسمحاه علي وجعي ده مش قادرة أسامحه.
_ بس بس يا حبيبة بابا متزعليش، مفيش حد يستاهل دموعك دي يا حبيبتي، حقك عليا أنا إني ضغطت عليكِ كده، حقك عليا، نامي، ارتاحي يا حبيبتي.
"دومًا أتساءل،
لِمَ لا ترحل الأشخاص مع ذكرياتها،
ترحل وتتركنا نُصارع عقولنا لنمنعها من عرضها لنا كل حين،
لو أُتيحت لي الفرصة أن أُعيد تلك الذكريات لأصحابها لفعلت،
ليس لشيء..،
غير أني لا أريد تذكر كيف كانت تلك الأيام أن تُسعدني،
وهي الآن أكثر ما يُؤرق بالي و يوجع قلبي،
لذا يا عزيزي لا ترحل فجأة بدون أسباب،
فلا أحد يستحق أن يُراوده شعور أنه غير كافٍ،
أو أنه لا يستحق!
فقد صدق القائل أن "بعض الذكريات هي أشد الأشباح رعبًا."
_ قبل ما أنام نشرتها علي صفحتي، وكأني بحتج علي العالم وقسوته، وبحاول أوقف عقلي عن جلده ليا بتذكيري بكل ما مضي، وأحاول أرمم قلبي عن كل ألم أَلمَ به.
وكعادة كل ليلة، أشعر أن الله يختصني لمناجاته في سويعات الليل الأخيرة،
دومًا أشعر بأنها ليست كأي وقت في اليوم، هي ووقت الفجر، يعبران عن هويتي، أستمد منهما قوتي، وأستشعر ألطاف الله الكثيرة عليّ، فاللهم لك الحمد علي لطفك الدائم.
تنهدت بهدوء وأنا بقوم من علي المصلية بعد الفجر، ومسكت موبايلي عشان أشوف الشغل اللي اتراكم عليا من امبارح، وكالعادة لقيت هاجر باعته تهزقني عشان سيبت الشغل كله عليها ومروحتش، ابتسمت وأنا بقرأ رسايلها، لحد ما وصلتني رسالة علي الصراحة.
ومع إني أنا اللي مثبته اللينك بتاعها عندي علي الفيس، بس دايمًا بتخض من أي رسالة بتوصلني عليه.
" وإن كان المرء هو ذكرياته،
فكيف له أن يترك ذاته ويمضي،
وإن كنتِ تودين إرجاع الذكريات إلي أصحابها،
فهل لك أن تعودي إليّ؟."
عيني قرأت الرسالة كتير أوي، وعقلي مش بيردد غير كلمة واحدة بس.. ليه!
ليه تاني، وليه دلوقتي!
"إشراقة شمس جديدة، صباح جديد، بداية جديدة، بقلب هش، وروحٍ مرتجفة، وأمل متجدد في جبر الرحمن لا يخيب."
_ اي يا شيرين إنتِ فين كل ده؟
_ طالما قولتي شيرين يبقي لسه مضايقة، أنا في الطريق أهو يا ستي ولما أجي هحكيلك كل حاجه.
وصلت الكلية، وروحت أوضة الاتحاد عشان بنجهز لاستقبال الدفعة الجديدة، أكتر حاجه بحبها في شغل الاتحاد هو استقبال الدفع الجديدة بجد.
_ أهلاً أهلاً، اتفضلي خلصي كل الشغل اللي هنا بقي، عقابًا ليكِ علي غياب امبارح، وأه في واحد صاحبي هيجي يساعدنا.
"أنا قولت إني بحبه من شوية صح، لأ يا جماعة خرجوني من هنا."
_ قولت وأنا ببتسم بغضب: حاضر يا دكتور أسر من عنيا.
_ سابني ومشي وأنا وقفت أبص لكل المطلوب مني وأنا هعيط، لحد ما جات هاجر وقفت جنبي وقالت:
يلا بقي احكيلي مجتيش امبارح ليه؟
_ بصيتلها وقولت: اقعدي يا حبيبتي اعملي معايا وأنا أحكيلك اقعدي.
_ وبس يا ستي ومشي عريس الغفلة علي كده.
_ احم، دكتورة شيرين..
التفت وأنا ببص لمصدر الصوت، واي ده!
_ دكتور أسر عايزينك هنا لو سمحت ..
_طب يا محمد هسيبك تتعرف عليهم وهاجي علطول، معلش تعبينك معانا، ومشي.
_ هاجر بصتلنا شوية باستغراب وبعدين قالت: أهلاً بحضرتك أنا هاجر.
_ بصلها وابتسم وقال: أهلاً يا دكتور هاجر، أنا بشمهندس محمد، أو بمعني أصح عريس الغفلة.
_ هاجر بصيتله وبعدين بصيتلي أنا، وفضلت تضحك، وهي بتقول: أه اتشرفت بحضرتك يا عريس الغفلة، قصدي يا بشمهندس.
_ قولت بعد سكوت طويل وأنا ببتسم لهاجر بشر فسكتت: أهلاً يا بشمهندس، الباقي في الشغل مش كتير، مش هنتعب حضرتك أوي.
أسر رجع وقال: اي اتعرفتوا خلاص؟
_ ابتسمت بشر وقولت: طبعًا طبعًا يا دكتور، اتفضل عشان تشارك معانا في شغل انهاردة يلا.
_ شاور لهاجر بقلق بمعني في اي، فضحكت وسكتت.
بدأنا نشتغل سوا، وهاجر حاولت تقلل توتر الجو، والحمد لله خلصنا.
_ شكرًا يا بشمهندس تعبناك معانا.
_ لا مفيش تعب ولا حاجه، صدفة سعيدة يا دكتور شيرين، مع السلامة.
بصيت لايده اللي اتمدت عشان يسلم عليا، وبعدين بصيتله وقولت مع ابتسامة بسيطة: أسفة يا بشمهندس مش بسلم.
_ قال بشوية احراج: أه أه تمام ومشي.
_ همشي أنا كمان بقي يا هاجر عشان تعبت أوي انهاردة، سلام.
خرجت من الكلية وأنا بفكر في الصدفة الغريبة اللي حصلت دي، وبستغفر ربنا عشان أحاول أهدي، بعدل شنطتي، وبرفع عيني عشان أبص علي الطريق..
_ بشمهندس محمد حاسب!
جريت بسرعة اشده من قدام العربية اللي كانت هتخبطه، وأنا بناديه بصوت عالي عشان ينتبه.
وقعنا احنا الاتنين علي الأرض، قومت من مكاني بوجع وأنا بنفض التراب اللي جه علي هدومي وأنا بسأله: حضرتك كويس؟
_ قام وقف بوجع ولسه هيتكلم، شهقت بخضة وقولت: يا خبر إيدك اتعورت.
_ بصلي وابتسم وقال: لا دي حاجه بسيطة، شكرًا علي إنقاذك ليا.
_ ممكن تقعد علي المقعد ده عشان أشوف إيدك؟
_ لا ملوش لازمة واللهِ، بلاش أتعبك.
_ قولت بنفاذ صبر: اتفضل اقعد يا بشمهندس، إيدك بتنزف جامد.
قعد بقلة حيلة وأنا قعدت جنبه، وبدأت أطلع علبة الإسعافات اللي مش بتفارق شنطتي، مسكت إيده وبدأت أمسح الدم اللي عليها، وأطهر الجرح، قاطع تركيزي بسؤال:
_ إنتِ غريبة أوي علي فكرة، من شوية موافقتيش تسلمي عليا، ودلوقتي ماسكة إيدي عادي!
_ رديت من غير ما أرفع عيني عن إيده وقولت: دي حاجه ودي حاجه يا بشمهندس، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قال:"لأن يُطعَن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"
وقال كمان إني "لا أُصافح النساء"
من غير ما يبقي فيها حساسية أو كسر خاطر أو إحراج لحد، ده حق الله سبحانه وتعالي، ومفيش مجاملة أبدًا في حقوق ربنا.
وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بردُه أمر بأن يُعالج سيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه، عند الصحابية روفيدة الأسلمية رضي الله عنها؛ لأنها كانت ماهرة بالطب، يعني إني أعالج جرح إيدك دلوقتي ده من صميم شغلي، ولأني مينفعش أشوف إنسان أقدر أساعده في حاجه وأمتنع عن مساعدته، لأن ربنا هيسألني عن علمي ده أنا عملت بيه اي.
نهيت كلامي وأنا بلف إيده بقطعة شاش وقولت: سلامتك يا بشمهندس، جرح إيدك مش خطير الحمدلله، وياريت متخلطش الأمور عشان متتعبش نفسك واللي حواليك، عن إذنك.
" دايمًا بتعجب من حكمة ربنا في إنه بيضع في طريقنا ناس ممكن منقابلهومش إلا مرة واحدة في العمر، بس بنسيب أثر مش هين في بعض، فكرة الأثر اللي الإنسان بيتركه في اللي حواليه، ودعوة سيدنا إبراهيم بأن " وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ" دايمًا بتبهرني، فكرة الأثر الطيب وإن الدنيا فانية، غريبة ودايمًا بتهدي قلبي لما يتعب أو الدنيا تيجي عليه، لبيك إن العيش عيش الآخرة بتداويه دايمًا."
بما إن بيتي قريب من الكلية، والجو حلو أوي انهاردة، قررت أروح مشي، حطيت الهاند فري في وداني، حاولت أستمتع بالجو، وأنا بسمع بودكاست وعي عن قصة سيدنا أدم.
" تلك اللحظات التي ناخدها من قسوة أيامنا عنوةً، هي ما تمدنا بالقوة لإكمال حربنا التي لن تنتهي إلا بنهاية أعمارنا."
قاطع تأملي وتركيزي مع كلام البودكاست، وقوف شخص قدامي وهو بيتنفس بغضب.
رفعت رأسي بهدوء وأنا بحاول أعرف مين ده، رجعت ورا خطوتين، وأنا بقول بخضة: يوسف!
_ قال بغضب: ممكن أعرف مين اللي كان قاعد معاكِ من شوية قدام الكلية، وكان ماسك إيدك ليه؟
_ فوقت من صدمتي إني شوفته تاني، مع إني كنت متوقعه أشوفه بعد رسالته، بس متوقعتش إنها هتبقي بالسرعة دي، عديت من قدامه عشان أمشي من غير ما أرد.
وقف قدامي تاني وقال: ردي عليا مين ده؟
_ رديت بهدوء وقلت: شيء ميخصكش.
_ قال بصوت عالي: شيرين متخلنيش أتعصب أكتر مين ده قولت.
_ حاولت أهدي أكتر وقولت: خد بالك من نبرة صوتك، ومتدخلش في حياتي تاني بعد كده، مفهوم؟
سيبته ومشيت وأنا بحاول أحبس دموعي إنها متنزلش، طلعتِ ضعيفة أوي يا شيرين، ضعيفة أوي!
وصلت البيت ودخلت من غير ما أكلم حد، غيرت هدومي واتوضيت كأني بنفض تعب سنين من عليا، وفرشت مصليتي وبدأت أصلي،
بكيت كتير أوي، عقلي مش قادر يستوعب اي اللي بيحصل، وليه دلوقتي، بس قلبي كان متيقن في رحمة ربنا وإنه مش هيضيعني أبدًا، نهيت بكائي ودعائي بأن يختار الله الخير لي أينما كان.
نمت مكاني علي المصلية، مصحتش غير علي صوت ماما..
_ شيري حبيبتي اي اللي منيمك كده؟
_ قومت وأنا بفرك عيني وقولت: نمت بعد ما صليت علطول، هي الساعة كام دلوقتي؟
_ الساعة سابعة يا حبيبتي، قومي يلا اغسلي وشك، والبسي عشان جايلنا ضيوف.
_ ضيوف مين يا ماما؟
_ مش عارفه واللهِ يا حبيبتي، بابا قال إنه صاحبه من زمان، يلا قومي البسي، وشويه وهنعرف.
_ بوست راسها وأنا بقوم وقولت: من عنيا يا ماما حاضر.
دخلت أتوضي وأنا كل اللي في دماغي، يا ربّ هو اليوم ده مش هيخلص بقي، طويل وتقيل أوي علي قلبي.
_ شيري حبيبتي الضيوف وصلوا، تعالي دخلي العصير ده.
_ حاضر يا ماما يا ربّ نخلص.
_ بنت عيب يلا قدامي.
دخلت قولت السلام عليكم، وحطيت العصير علي الترابيزة وقعدت جنب ماما، من غير ما أبص مين اللي موجود.
_ شيري حبيبتي، مش هتسلمي علي يوسف.
_ رفعت راسي لبابا بسرعة، وحركت عيني مكان ما بيشاور، وقولت بإندفاع: اي اللي جابك هنا؟
_ شيرين عيب كده، ده في بيتنا.
_ بصيت ليوسف بشر، وبعدين التفت لبابا وقولت: أسفة يا بابا.
_ خلاص حصل خير، خدي يوسف واقعدوا في البلكونة شوية ممكن؟
_ رددت الجملة باستغراب: خدي يوسف واقعدوا في البلكونة!
أنا سمعت الجملة دي قبل كده، بابا إنت بتدبسني صح؟
_ بابا ابتسم وقال: يلا يا شيري يا حبيبتي، ويوسف هيفهمك كل حاجه صدقيني.
اتنهدت بقلة حيلة وأنا بقوم وبشاور ليوسف، وبدعي جوايا إن ربنا يختار لي الخير ويخلصني من الحيرة اللي أنا فيها دي.
قعدنا في البلكونة، ولأول مرة أبقي مش عارفه أستمتع بالجو، بحاول أسكت الخناقة اللي دايرة بين عقلي وقلبي، لحد ما يوسف اتكلم..
_ ممكن تسمحيلي أفهمك اللي حصل؟
_ معنديش اختيار تاني، فاتفضل احكي أنا سمعاك.
_ أخر السنة اللي فاتت، إنتِ عارفه إن بدأت أتعب، ودايمًا كنت بتعصب علي أتفه حاجه، وكان حصل بينا مشاكل كتير أوي، فلما روحت أكشف اكتشفت.....
قاطعته قبل ما يكمل وقولت: لما اكتشفت إنك تعبان، بعتلي دبلتي من غير ما تكلمني حتي، ولا كأننا متربين سوا، ازاي تفكر إني ممكن أسيبك في تعبك وأتخلي عنك، معنديش أصل مثلاً عشان أعمل كده.
_ سبيني أكمل يا شيرين لو سمحتِ، أنا اكتشفت إن عندي اكتئاب حاد، إنتِ عارفه المشاكل المتواصلة اللي كانت بين بابا وماما، أثرت عليا بالسلب أكتر، لحد ما وصلت لاكتئاب، أنا بعدت عنك عشانك مش عشاني، مكنتش هبقي غير مصدر أذي ليكِ لو فضلت، صدقيني عشان كده بعدت، مش عشان أي حاجه من اللي في دماغك دي.
_ بصيتله بصدمة ودموعي بتنزل وقولت: ليه مقولتليش، ليه سيبتني أفكر فيك كده، ليه اختفيت مرة واحدة كده، وجعتني أوي لما سبتني، ووجعتني أكتر دلوقتي لما عرفتني السبب.
_ حقك عليا واللهِ، بس بلاش دموعك دي، دي الحاجه الوحيدة اللي قدرت أفكر فيها، سامحيني ومتزعليش مني بقي.
_ مسحت دموعي ومردتش عليه، وفضلت باصة للسما.
_ ها مسمحاني؟
_ التفت له بهدوء وقولت: مسامحاك يا يوسف، بس متعملهاش تاني لو سمحت.
_ أخر مرة واللهِ، ها مش حابه تسأليني عن اي حاجه؟
_ بصيتله بعدم فهم وقولت: أسألك عن اي وليه يعني؟
_ هي مش دي رؤية شرعية زي ما بيقولوا!
_ قولت بصدمة: نعم يا أخويا، اي اللي إنت بتقوله ده!
_ بصلي وضحك بصوت عالي وقال: أخوكي مرة واحدة، اقعدي بس وهفهمك.
_ قعدت مكاني تاني وقولت بعصبية: اتفضل فهمني.
_ أنا كلمت عمو حمزة انهاردة، وفهمته كل حاجه، وطلبت إيدك منه، وأهو احنا قاعدين سوا.
_ هو إنتم مش ملاحظين إن دي حياتي اللي بتتكلموا عنها، ولا مش واخدين بالكم.
_ الاه اي يا شيري، هو مش ده اتفاقنا سوا ومن واحنا صغيرين ولا اي.
_ اسمي شيرين مش شيري ده أولاً، ثانيًا ده كان اتفاق عيال واحنا كبرنا، ثالثًا بقي..
_ بس بس في اي، إنتِ ما صدقتي يا ختي!
_ بصيتله وضحكت وقولت: معلش الحماس خدني.
_ ابتسم وقال: طب حابه تسأليني عن اي؟
__ عايزة أسالك علي رأيك في النقاب؟
_ هو فيه اختلاف بين العلماء كلهم عن إذا كان فرض أو لأ، بس أنا الرأي اللي ارتحتله إنه مش فرض، طالما إنتِ مطبقة الحجاب زي ما ربنا بيؤمر، يبقي مش هيأثر.
_ طب لو حصل بينا نصيب، وجيت في يوم قولتلك إني عايزة ألبس النقاب، هتوافق ولا هترفض.
_ هنتناقش ونحاول نوصل لنقطة مشتركة بينا.
_ طب لو وصلنا لنقطة إني شايفة إن رأيي صح وإنت كمان كذلك، هنتصرف ازاي.
_ ممكن ناخد رأي حد يحكم بينا، والدك مثلاً
_ طب لو افترضنا إن والدي مثلاً مش موافق علي النقاب وهيبقي في صفك، هتتصرف ازاي وقتها.
_ ابتسم وقال: هوافق تلبسيه، لأني عارف نيتك من الأول في الرغبة في لبسه، ومع إني هبقي خايف عليكِ، لأنه ممكن يتسببلك في أذي، لكن أنا عارف إن ربنا هو الحافظ، وصدقيني أنا هبقي سندك دايمًا في أي حاجه عايزة تعمليها، حتي لو كنت رافضها، طالما مش حرام يبقي خلاص، بنتناقش ونحاول نوصل لنقطة مشتركة بينا، ها حابه تسألي عن حاجه تاني؟
_ ابتسمت وأنا بهز راسي بنفي.
_ خلاص يبقي اتفاقنا، هاجي مرة كمان عشان الوقت اتأخر، صلي استخارة وربنا هيختار لنا الخير أكيد.
دخلت أوضتي جري، عشان أصلي ركعتين شكر لله، مش مصدقة إن اليوم خلص بالنهاية الحلوة دي، دايمًا ببقي متأكدة إن ربنا هيتداركني بلطفه دايمًا.
......................................
" بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير "
_ أظن دلوقتي أقولك شيري براحتي بقي، صح ولا اي؟
_ ضحكت وقولت: بالظبط كده.
_ الا صحيح يا شيري مقولتليش مين اللي كنتِ قاعدة معاه عند الكلية؟
_ ضحكت أنا برفع حاجبي وقولت: شىء ميخصكش.
مسكني مرة واحدة من قفايا وقال: أنا مش بهزر دلوقتي علي فكرة.
_ نزلت إيده وأنا بعدل هدومي وقولت: عيب كده ميصحش، أنا عروسة مينفعش كده، اقعد اقعد وأنا هقولك.
_ قعدت أهو قوليلي بقي.
_ ومن غير عصبية؟
_ ضغط علي سنانه وقال: حاضر.
_ ده يا سيدي كان متقدملي، ومن غير ما تبصلي كده، أنا رفضت أصلاً، كل الحكاية إنه كان هيعمل حادثة، وأنا لحقته، وإيده اللي كنت مسكاها يا أستاذ يوسف عشان كانت اتعورت جامد، وكنت بلفهاله بشاش ، نسيت إني دكتورة ولا اي!
قرب مني مرة واحدة وباس راسي وقال: حقك عليا، أنا بس كنت عايز أفهم عشان ارتاح زيك بالظبط ولا اي.
_ ابتسمت وقولت: خلاص عفوت عنك، وبعدين تعالي هنا احنا مش كنا متفقين يوم كتب كتابنا تجيبلي رواية أنت لي هدية هي فين بقي؟
_ هو مش كان اتفاق عيال من كام يوم!
_ الاه، طيب، يا عم الشيخ يا عمو المأذون، تعالي طلقني من الأستاذ ده، هما ضحكوا عليا أصلاً.
شدني من إيدي وقال: خدي خدي تعالي، هو محدش يعرف يهزر معاكِ أبدًا، الرواية أهي يا ستي.
_ مسكتها وأنا بتنطط من الفرحة وقولت: الله، شكرًا أوي أوي يا يوسف ربنا يديمك ليا يا ربّ.
_ وما يحرمنيش منك أبدًا يا حبيبة يوسف ♥️
"ولا تنس أبدًا أنني خُلقتُ من ضلعك الأعوج، فلا أستقيم إلا بك، ولا تكتمل إلا بي."

حكاوي رؤى وسليم حيث تعيش القصص. اكتشف الآن